اقتصاد الإمارات... اصلاحات قد تحبط كثيرين

 

شبكة النبأ: قد لا يأتي القانون الذي يستهدف تحرير الاقتصاد الإماراتي والذي طال انتظاره إلا بتغييرات متواضعة بسبب المعارضة القوية التي يواجهها من إماراتيين يخشون أن يفقدوا مراكزهم لصالح الأجانب.

ففي ديسمبر كانون الاول الماضي حين أقر مجلس الوزراء الإماراتي مسودة قانون جديد للشركات تعدل القانون الحالي الذي يرجع تاريخه إلى عام 1984 تعاظمت الآمال في تخفيف القيود على الاستثمار الأجنبي في بلد من أكبر خمسة مصدرين للنفط في العالم.

لكن هذا التفاؤل خبا قليلا بعدما تسربت تفاصيل المسودة التي لم يتم نشرها بين المواطنين على نطاق واسع. ويخشى محامون ومستثمرون من احتمال تأجيل إقرار القانون بينما هو لدى الحكومة لأنه يواجه ضغوطا من مجموعات مصالح محلية. ويخشون أيضا من أنه بعد إقراره قد لا يطبق إلا بطريقة متحفظة.

يقول صباح محمود المحامي ومؤلف كتاب The UAE Company Law and Practice (قانون الشركات الإماراتي وتطبيقه) "بصراحة يبدو أن هناك مقاومة من مجتمع الأعمال المحلي. فالمواطنون الإماراتيون ومجتمع الأعمال أقوياء ومتجذرون ولذلك ينبغي أن تأخذ الحكومة وجهة نظرهم بعين الاعتبار."

ويعد مواطنو الإمارات من أثرى أثرياء العالم إذ يزيد نصيب الفرد من الدخل القومي على 65 ألف دولار. لكن نسبة المواطنين تبلغ نحو عشرة بالمئة فقط من إجمالي عدد السكان الذي يقدر بنحو ثمانية ملايين نسمة. وبالتالي فإن أغلبية سكان الإمارات من العمالة الأجنبية.

وهناك قيود صارمة على العمالة الوافدة والشركات الأجنبية إذ يحتاج كل أجنبي إلى فرد أو جهة محلية تكفله. وخارج ما يسمى بالمناطق الحرة لا تستطيع الشركات الأجنبية العمل دون شراكة مع كيان محلي ولا يحق لها امتلاك أكثر من حصص أقلية في الشركات.

ويبدو أن الأزمة المالية العالمية التي أبرزت تأثر الإمارات بهبوط أسعار النفط وانتفاضات الربيع العربي التي اندلعت العام الماضي دفعت الدولة في اتجاه الإصلاح. وقد يؤدي تخفيف القيود بهدف جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى جعل اقتصاد البلاد أكثر تنوعا ومتانة وإلى خلق فرص عمل للمواطنين. وقدرت منظمة العمل الدولية نسبة البطالة بين المواطنين الإماراتيين بنحو 14 في المئة في 2009 وهي مشكلة سياسية محتملة إن عجزت الحكومة عن توفير الأموال اللازمة لإنفاق يضمن حياة الرفاهية والدعم الحكومي.

وهناك ضغوط دولية أيضا على الإمارات تدفع باتجاه تخفيف القيود. ففي نهاية مراجعة للسياسة التجارية للبلاد الشهر الماضي حثت منظمة التجارة العالمية الإمارات على الإسراع بإقرار قانون لتحرير الاستثمار الأجنبي.

لكن محامين يقولون إنه على الرغم من أن مشروع القانون الحالي سيسهم في تحسين مجالات مثل حوكمة الشركات وتسهيل تأسيس الشركات فإن التعديلات قد لا تفي بكل ما هو مطلوب. ويقول عصام التميمي الشريك الأول بمكتب التميمي وشركاه للمحاماة والذي اطلع على مشروع القانون "فيما يتعلق بالقيد الذي لا يتيح للأجانب تملك أكثر من نسبة 49 في المئة من الشركات لن يأتي القانون بأي تعديل باستثناء أن مجلس الوزراء سيحق له استثناء شركات معينة في قطاعات معينة في حالات معينة." وأضاف التميمي أنه إذا استطاعت هذه الشركات إثبات أنها ستضيف قيمة للاقتصاد الإماراتي قد يسمح للأجانب بامتلاكها بنسبة تصل إلى 100 في المئة.

ولم تحدد وزارة الاقتصاد بعد القطاعات التي تدخل ضمن هذا الاستثناء. وتتمتع بعض الشركات في قطاع النفط بالفعل بإعفاء من قيد الملكية الأجنبية في ظل القانون الحالي. وقال هارديب بلاهي الشريك بمؤسسة جيبسون دن آند كروتشر في دبي "التعديل المقترح للقانون هو نسخة محدودة ومخففة مما كان السوق يتوقعه." لكنه أضاف أن مشروع القانون أظهر تغييرا إيجابيا في طريقة التفكير داخل الحكومة. وقال إن مجلس الوزراء امتلك دائما حق تطبيق قيد الملكية الأجنبية أو عدم تطبيقه وفقا لتقديره ومن شأن القانون الجديد أن يضع لهذا الحق أسسا قانونية أكثر وضوحا.

لكن التميمي ومحامين آخرين يرون أن النظام الجديد لن يكون جاذبا للاستثمارات الأجنبية. يقول التميمي "لا أعتقد أنه مثالي. كان يمكن أن يكون أفضل. الاضطرار إلى خوض كل هذه العملية للحصول على موافقة مجلس الوزراء أمر لا يجذب المستثمرين الأجانب. إنهم يريدون شيئا واضحا وبسيطا."

ومن علامات الاستفهام الأخرى التي تحيط بالقانون الجديد توقيته. فقد قال سلطان بن سعيد المنصوري وزير الاقتصاد الإماراتي يوم الإثنين الماضي إنه يأمل أن يصدر القانون هذا العام لكن نظرا للتأجيلات السابقة قد لا يكون ذلك أكيدا فالمسؤولون الإماراتيون يتحدثون عن تعديل قانون الشركات منذ عقد من الزمان على الأقل.

ويراجع مشروع القانون حاليا المجلس الوطني الاتحادي وهو هيئة تأتي نسبة من أعضائها بالانتخاب ولا تتمتع بسلطة تشريعية ملزمة. وتوقع علي عيسى النعيمي عضو لجنة الشؤون المالية في المجلس الانتهاء من القانون في الدورة الثانية للمجلس التي تمتد بين أكتوبر تشرين الأول القادم ويونيو حزيران من العام القادم. وأضاف النعيمي أنه بعد إكمال المجلس مراجعة القانون سيرسل مباشرة إلى الرئيس للحصول على موافقته ما لم تمارس وزارة الاقتصاد حقها في سحبه. بحسب رويترز.

ويعتقد بعض الإماراتيين أن تحرير الاقتصاد لن يكون فكرة جيدة في ظل الاختلال السكاني والتحدي الذي قد يمثله للشركات القائمة ولنموذج الأعمال التقليدي الذي تتبعه العديد من العائلات الإماراتية. وقال رجل أعمال إماراتي بارز من دبي لرويترز "في حالتنا التي يوجد فيها هذا التباين الكبير في نسبة السكان لن يكون وضع أعمالنا في أياد أجنبية اقتراحا جيدا." وأضاف رجل الأعمال الذي طلب عدم نشر اسمه بسبب حساسية الموضوع "لقد أصبحنا دولة نابضة بالحياة ونستطيع تقديم الكثير. وبعد أن بلغنا هذه المرحلة سيكون حرماننا من جني الثمار مؤذيا لمشاعر كثير من الناس."

ويتفق الرجل على أن منح حرية التملك للأجانب بنسبة 100 في المئة في قطاعات بعينها سيكون تطورا إيجابيا للاقتصاد الإماراتي لأنه يساعد على توفير وظائف وفرص للإماراتيين. لكنه قال "إذا تعارض ذلك مع مصدر رزقي ومع مفهومنا التقليدي للتجارة فلا أستطيع قبوله."

وقال عبد الخالق عبد الله أستاذ العلوم السياسية الإماراتي إن توقيت القانون الجديد ليس مناسبا. وتابع "ربما كان مناسبا حين حاولوا للمرة الأولى قبل سنوات قليلة. لكن بعد كل تلك الأحداث التي وقعت في العالم العربي العام الماضي وهذا التحول الذي نشهده باتجاه الاهتمام باحتياجات المواطنين لا أعتقد أن المزاج مناسب لذلك."

وقد تكون الضغوط الغربية على الإمارات لتحرير اقتصادها غير مقبولة لدى بعض الإماراتيين الذين يتذكرون كيف أن عاصفة سياسية في واشنطن بشأن الأمن القومي الأمريكي عام 2006 أجبرت مجموعة موانئ دبي العالمية على بيع أصول لها في الولايات المتحدة.

وفي ظل القانون الحالي ليست الإمارات عاجزة عن جذب استثمار أجنبي. فقد جذبت استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 3.9 مليار دولار في 2010 وبقيمة أربعة مليارات دولار في 2009 بحسب بيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية. وهذا يمثل تراجعا حادا عن 13.7 مليار دولار اجتذبتها الإمارات في 2008 قبل الأزمة المالية العالمية ومشكلات ديون شركات دبي.

والاقتصاد الإماراتي مفتوح بما يكفي للسماح لدبي بأن تكون مركزا رائدا للتجارة والخدمات المصرفية في منطقة الخليج. فقد استطاع مركز دبي المالي العالمي وهو منطقة حرة متخصصة في الخدمات المالية استقطاب بنوك من أنحاء العالم خلال العقد الماضي.

لكن تجارب بلاد أخرى توضح أن إرساء بيئة قانونية أكثر ترحيبا قد يحدث تغييرا. فقد استطاعت تايلاند التي يعد اقتصادها في نفس حجم الاقتصاد الإماراتي تقريبا جذب استثمارات بقيمة 5.8 مليار دولار في 2010 بحسب بيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية بينما اجتذبت كولومبيا الأصغر حجما 6.8 مليار دولار.

وستتوقف كثير من الأمور على اختيار القطاعات التي ستطبق الحكومة عليها القانون الجديد وعلى مدى شفافية عملية التطبيق. يقول بلاهي "من المهم وضع معايير شفافة فيما يتصل بالاستثناءات. هذا سيشجع الشركات الأجنبية على استثمار الوقت والجهد الكبيرين اللازمين لاستكشاف الفرص الاستثمارية في الإمارات."

وقال جون مارتن فاليري الرئيس التنفيذي لمجموعة ذا لينكس المتخصصة في تأسيس الشركات في الإمارات وقطر إن شركات كبيرة في القطاع الصناعي والصناعات التحويلية والتكنولوجيا الخضراء والخدمات الطبية بل وفي الإنشاءات قد تستفيد من القانون الجديد. وأضاف أن صدور الإصلاحات المقترحة متأخرا أفضل من عدم صدورها أبدا وأن التعديلات حتى ولو كانت بسيطة قد تحسن الوضع الحالي. وتابع "نأمل أن يمنح القانون نطاقا أوسع لحرية اتخاذ القرار وسرعة أكبر في اتخاذها. على الأقل سيكون هناك وضوح وعملية تستطيع الشركات الأجنبية فهمها وتخصيص ميزانية لها."

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 20/آيار/2012 - 28/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م