التأمّل والتفكير طريق الرقيّ والابداع

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: التأمل وليد السكون، فحينما يكف الانسان عن الكلام هذا يعني بأنه يفكر أو يتأمل شيئا ما، مما يدفع الى انتاج فكر وابداع في مجال ما، سواء كان علميا أو في مجال العلوم الانسانية ومنها الدينية بطبيعة الحال، لهذا كان للتأمل والسكوت مرتبة عالية من التقييم والتقدير كونها المرحلة التي تؤدي الى الحكمة ايضا.

السكوت طريق الرقي

لذا يؤكد سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في احدى محاضراته القيمة، قائلا في هذا الصدد: (إن السكوت هو الطريق الأفضل والأسرع لرقيّ الإنسان وتكامله؛ لأن الإنسان ميال بطبيعته لأن يقول كلّ ما يشعر به ويعلمه ويعرفه، مع أن معظمه لا يتناسب من حيث القيمة مع ما يصرفه الإنسان من وقت في هذا السبيل، في حين أن التأمل والتفكر يعطي نتائج أفضل. وإذا كان الناس يعظمون المبدعين والمخترعين والمكتشفين فإن الإبداع في كلّ مجالات الحياة يظهر نتيجة التأمل وليس الكلام).

ولايعني هذا أن الكلام لا قيمة له، ولكن هناك مفاضلة بين الصمت والكلام، كالمفاضلة بين قيمة الذهب والفضة، فكلاهما ثمينان، ولكن هناك درجة وهناك افضلية لقيمة هذين المعدنين، كما نقرأ في قول سماحة المرجع الشيرازي توضيحا لهذا المثال: (كلّ من الذهب والفضة قيمة ولكن الذهب أغلى من الفضة كما هو معلوم، وقد لوحظ ذلك في الأحكام الشرعية أيضاً. فدية المرء المسلم مثلاً هي ألف دينار من الذهب أو عشرة آلاف درهم فضة. لذا فالحديث الشريف يجعل النسبة بين الكلام والسكوت كالنسبة بين الفضة والذهب. فكما أن للفضة قيمة وللذهب قيمة ولكن قيمة الذهب أغلى، فكذلك يمكن مقارنة السكوت إلى الكلام).

الكلام قد يكون واجبا

لاشك هناك مواقف وحالات لايجوز معها الصمت بحجة أن السكوت والتأمل أفضل من الكلام، فالدفاع عن الحق والمظلومية تفرض على الانسان موقفا واضحا، لا مجال للتدليس فيه ولا المراوغة، إذ لابد أن يعلن الانسان موقفه لمناصرة الحق بصوت عال وكلام مسموع، بل ربما يتطلب الامر الى أكثر من ذلك، لهذا قيل أيضا (الساكت عن الحق شيطان أخرس) وهنا تتبين قيمة الكلام عندما يكون واجبا، يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال بمحاضرته نفسها:

(تارة يكون الكلام واجباً، ولاشك أن السكوت غير مفضّل عليه في مثل هذه الحالة، ومثاله الأمر بالمعروف الواجب والنهي عن المنكر الحرام. وتارة يكون السكوت واجباً ويأثم الإنسان بتركه كما لو أدّى الكلام إلى قتل النفس المحترمة، وفي مثل هده الحالة يكون السكوت مفضّلاً بل لا يجوز الكلام).

ولكن يبقى الصمت متميزا على الكلام في موقفه الصحيح، حيث تكمن الحكمة في التأني باطلاق الكلام والاحكام ايضا، لهذا نقرأ في قول سماحة المرجع الشيرازي ايضا: (روي أيضاً: إذا رأيتم المؤمن صموتاً فادنوا منه فإنه يلقي الحكمة»-1-. والصموت مبالغة صامت أي كثير الصمت. والحكمة أغلى شيء في حياة الإنسان. وهذا الحديث الشريف يكشف أن الحكمة تأتي في الغالب من الصمت أكثر من الكلام؛ لأن الحكمة وليدة التأمّل والتدبّر والتعقّل وهذه كلّها تتحقّق في الصمت والسكوت).

ولابد للانسان أن يعي النتائج المترتبة على اختياره للصمت او الكلام، بمعنى انه حين يختار الصمت او الكلام، فإنه سينتظر النتائج التي تعود عليه وعلى غيره بنتائج افضل، لذا يبيّن لنا سماحة المرجع الشيرازي طبيعة هذا الاختيار كما نقرأ في قوله: (لو خيّر إنسان محتاج من الناحية المادية بين أمرين: الحضور في ساحة والتكلّم فيها لقاء دينار مثلاً، أو البقاء ساكتاً لقاء دينارين، فأيهما سيختار؟ لا شك أنه سيختار الثاني لأنه أنفع له وأكثر ربحاً).

المؤمن الصموت والاحمق المهذار

هناك مؤمنون يفضلون الصمت على الكلام، حتى تبدو هذه الحالة صفة من صفاتهم وربما تتحول الى ملكة، لأنها تقودهم الى التأمل والابداع، وبالتالي تحد من رغباتهم المادية المحرّمة، كاطلاق النزوات والشهوات ايضا، لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الجانب: (إذا كان المؤمن صموتاً فإنّ تفكيره لا ينصرف إلى المال والشهوات بل يفكّر في التعالي والسموّ في طريق الخير والهداية والفضائل والكمال؟ وإذا أصبح كذلك أبدع فكره وتفتّحت أمامه آفاق أخرى).

من الواضح أن فوائد التأمل كثيرة جدا، وأن التأمل لابد أن يكون مقرونا بالكف عن الكلام، فالصمت دليل الانشغال بالفكر والابداع، وبهذا تتفوق قيمة الصمت على الكلام، إلا في الموارد التي تتطلب اطلاق الكلام في مواقف معينة لنصرة الحق، لذا من فوائد التأمل والتفكر التي يؤكدها سماحة المرجع الشيرازي ما يلي: (الطالب مثلاً يتأمل ويفكّر في اختيار الدروس وسلوك الطريق الذي يختصر عليه الوقت. والمحاضر يفكر كيف يرفع من مستوى الحاضرين، والداعية يخطط قبل أن يبدأ بهداية الشباب، وهكذا المجاهد والعالم والقائد.. كلٌّ يبحث بالتأمل والتدبر عن أسهل الطرق وأسرعها بلوغاً للهدف).

ولكن هناك أناس ثرثارون مهذارون، يتصفون بالحماقة وكثرة الكلام الفارغ، على العكس تماما من الصمت الذي يميز المؤمنين الصالحين المترفعين على الماديات بأشكالها وانواعها كافة، لذلك ينبغي ان يتريث الانسان دائما قبل اطلاق الكلام، حتى لا يضطر للاعتذار او سحب كلامه، ناهيك عن النتائج الوخيمة التي قد تترتب على الكلام حينما يكون مساره خاطئا، يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (عن الإمام علي سلام الله عليه أنه قال: «لسان العاقل وراء قلبه وقلب الأحمق وراء لسانه»-4- أي أن الأحمق سريع الكلام يطلق القول قبل أن يفكر فيه، خلافاً للعاقل فإنّه يفكر في الكلمة قبل أن يقولها. ونقل عن بعض الحكماء أنه كان يقول: لا ترسل كلّ كلمة مع أول خطورها إلى الذهن بل أرجعها إلى الفكر وتمعن فيها سبع مرات قبل أن يطلقها لسانك. ولا شك أن من يتريث إلى هذه الدرجة تقلّ شطحاته وزلاّته غالباً ويقلّ ندمه إثر ذلك).

...........................................................

هامش:

 (1) بحار الأنوار: 1/ 154 باب 4، الحديث 30، في الوصية الطويلة للإمام الكاظم سلام الله عليه إلى هشام بن الحكم.

 (2) نهج البلاغة، الكلمات القصار، 40.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 17/آيار/2012 - 25/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م