لاتخسروا مقتدى الصدر!

مهند حبيب السماوي

الوضعية الراهنة لمجمل الفضاء السياسي العراقي تسير في منحنى ينتقل فيه مسارها من سيء الى أسوأ، ومن ضبابي الى مُظلم، اذ مازال مشهد العملية السياسية يغط في سبات عميق وركود استثنائي وجمود عقيم تتخلله سياسة عدم الثقة المطلقة بين الفرقاء السياسيين وخلافات جسمية في داخل الحكومة، وهي خلافات " غريبة " لانها لاتقع بين كتل سياسية تختلف مع الحكومة في برنامجها السياسي فحسب، بل حتى بين الكتل والتيارات التي تعاونت فيما بينها وشكّلت الحكومة العراقية برئاسة السيد نوري المالكي عام 2010.

وفي هذه الايام تتهامس الكثير من الالسن حول رسالة زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر الى رئيس الائتلاف العراقي ابراهيم الجعفري التي اعقبت اجتماع الاول في اقليم كردستان مع الرئيسين جلال طالباني ومسعود برزاني وزعيمي القائمة العراقية اياد علاوي والسيد اسامة النجيفي، والتي اسفرت عن توقيع وثيقة " أربيل الثانية " تُشكل بمجموعها رؤية المجتمعين لحل الازمة العراقية الخانقة.

هذه الرسالة التي سلّمها للجعفري كبير مساعدي الصدر مصطفى اليعقوبي والتي اتخذ فيها زعيم التيار، ولأول مرة موقفاً محدداً وصارماً، من السيد نوري المالكي مؤطراً باطار المدة الزمنية التي وضعها لتحقيق الاصلاح، والتهديد بسحب الثقة عن حكومته اذا لم يستجب لشروطها، اقول هذه الرسالة تدل بوضوح على وصول الازمة السياسية الى مفترق طرق لن تعود بعدها الى نفس اوضاع ماقبله، ولذا ترى الشارع العراقي والكتل السياسية تترقب استجابة ائتلاف دولة القانون على الرسالة ورد فعل التيار الصدري اذا ما انتهت مدة ال15 يوم من غير ان يقوم المالكي بالاستجابة لمطالب وثيقة الاجتماع الخماسي في اربيل.

نعم بعض من المعلقين السياسيين يتوقع تغييراً في قرار التيار الصدري بشأن المهلة او متعلقاتها خصوصا انه قد عوّد الشارع العراقي، من وجهة نظرهم، على عدم الثبات على راي واحد فيما يتعلق بدعم المالكي...وعلى نحو مختلف عن راي التيار في الكثير من القضايا الاخرى التي نجده فيها ثابتا في موقفه لايتزحزح ابدا ولايساوم او يتخذ قرارات ثم يتخذ عكسها بعد ذلك، كما رأينا ذلك في موقفه من قوات الاحتلال الامريكي الذي لم يقبل مطلقا التعامل معها وعلى اي نحو من الانحاء على غير عادة بقية الكتل والتيارات والاحزاب السياسية في العراق.

وقد بدا لي واضحا ان الامور تسير الان في غير صالح المالكي ولا ائتلاف دولة القانون، حيث بدا مشهد الاجتماع الاخير للائتلاف، الذي ترأسه، على غير العادة، احمد الجلبي، والذي ناقش فيه فحوى رسالة الصدر للجعفري، واجما ويدل بوضوح على تصدّع حقيقي بين مكونات الائتلاف التي كنا نعتقد، ولازلنا، بأن الخلاف بين مكوناته عميق لكنه يحتاج لهزة لكي يظهر للسطح ويكشف عن وجهه ويُسفر عن حقيقته!.

وقد حذر الكاتب، وفي مقال سابق بعنوان " لاتخسروا مسعود بارزاني" الائتلاف من مغبة خسارة دعم مسعود بارزاني وبالتالي التحالف الكردستاني الذي يجمعهم سوية تاريخ طويل من معارضة نظام صدام الديكتاتوري ومصالح مشتركة في بناء الدولة، لان لهذه الخسارة تداعيات ونتائج وخيمة على العلاقة بين الشيعة والاكراد وبالتالي على مسار وشكل العملية السياسية الناشئة في العراق.

والان نكرر التحذير من خطورة خسارة أهم عنصر في الائتلاف الوطني وهو التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر...الذي يمسك بخيوط اللعبة السياسية في العراق وقادر على تحريك الشارع واحداث تغيير واضح في خريطة المشهد السياسي العراقي، فضلاً عن ثقله في الشارع وقابلية اتباعه على القيام بتظاهرات واعتصامات يمكن ان تشل الحركة السياسية وتقود الى انهيار الحكومة.

ولا ابالغ ان قلت بان التيار أهم مكونات التحالف الوطني، التي لاتمتلك ثقلاً ومكانة كالتي يمتلكها التيار باستثناء ائتلاف دولة القانون الذي يتمتع بقوة سياسية لايستهان بها في البرلمان لكنه، شعبياً، اضعف من التيار وغير قادر على تعبئة الشاعر وعلى النحو الذي نراه لدى التيار وكما ظهر لدينا في مناسبات عديدة.

تحذيرنا الجديد، وياليته ينفع، من خسارة دعم مقتدى الصدر له مسوّغاته التي تقف ورائه واسبابه التي تتكل عليه ومبرراته التي يدعمها خصوصاً مع تنشيط ذهن القارئ والمهتم بحقيقة ان دعم التيار الصدري للسيد نوري المالكي كان من أهم العوامل التي ساهمت في تشكيل الحكومة وتسنم السيد المالكي لرئاستها.

ان خطورة التمادي في المضي بطريق يقف ضده " التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر" فضلاً عن التحالف الكردستاني والقائمة العراقية والكثير من الكتل والتيارات والاحزاب التي تنتظر ان تميل الكفة ضد السيد المالكي لكي تُظهر موقفها الحقيقي وتنزع قناعها التي ترتديه امام المالكي، سيؤدي الى سحب الثقة عن الحكومة الحالية واسقاطها برلمانياً وبالتالي دخول العراق في نفق مُظلم خطير لن يسلم من ناره احداً.

أما المالكي فأنه الآن امام اختبار حقيقي لحنكته ونباهته وعقليته السياسية التي جابهت الكثير من الازمات الصعبة سابقاً وكان يخرج منها منتصراً أو على الاقل "غير خاسر"، ويتعين عليه الرد والاستجابة على رسالة الصدر باسلوب سياسي يُمكن من خلاله أن يحقق ارضاء الصدر اولاً وبقية الأطراف السياسية الاخرى التي تتشارك معه في الحكومة ثانياً.

ووفقا لذلك نرى ان على السيد المالكي الموافقة على هذه الوثيقة ومطالب الصدر الاصلاحية لان حكومة المالكي بُنيت في الاساس على التوافق والارضاء، وهو قد رضى بهذا الامر" وأن يكن على مضض"، ولم تبن حكومته على منهج الأغلبية السياسية التي كنا نطمح ونتمنى ان يشكل المالكي الحكومة على اساس هذا المنهج لكي نتجنب كل مايقع الان من هفوات وخطايا سببها تشكيل حكومة

توافق " ترقيعية".

أما اذا رفض المالكي هذه الوثيقة، وهو من حقه ذلك سياسياً، فالاحتمال ستكون مفتوحة للطرفين وعليه أذن الانتقال والتحرك، اذا ماسعت الاطراف لاسقاطه برلمانيا، نحو تشكيل حكومة ائتلافية جديدة او حكومة اغلبية سياسية يقودها هو، ويضع فيها وزراء تعمل وفقا لمنهجه ورؤيته السياسية بعيداً عن الحزبية والطائفية والمحاصصة الموجودة الان في حكومته، وان كنت استبعد تماما القيام بهذا الامر.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 15/آيار/2012 - 23/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م