الشهيد الشيرازي... في ذكراه الثالثة والثلاثين

 

شبكة النبأ: ما زالت ذكراه كما هي آثاره وتراثه بين ثنايا المشهد الزينبي الشامخ وعبق الشهيدة رقية وربوع الشام الزاهرة، وفي رحاب مدينة قم المقدسة بمرقدها الفاطمي الزاكي الطاهر، وبين حرمي كربلاء الثورة والإباء  والحرية والشهادة، وعلى ضفاف نجف الكبرياء والمجد والعدل، ومولده عند الضريح العلوي المقدس.

هو الشهيد وخلود ذكراه في وجدان علماء، ومداد مفكرين، وضمائر مصلحين، وصرخات مستضعفين، وآهات محرومين، ورايات أحرار.

لقد عمل آية الله المفكر الإسلامي الكبير السيد حسن الحسيني الشيرازي قدس سره الشريف ما كان عليه أن يعمل وأتقن، وقال ما كان عليه أن يقول فقال وجاهر وأعلن وأفصح! وعرف أن خير الزاد التقوى ومقارعة الطغاة ونصرة المظلومين، وقد جمع كل تلك المكرمات والمناقب وقد استزاد حتى رقى وارتقى واستشهد!

لكن وإن كان "فقد الأحبة غربة" يبقى على من بقي، من أحبه، ومن اقتنى موسوعاته وكتبه، ومن سيشارك في إحياء ذكرى رحيله الثالثة والثلاثين، في السادس عشر من جمادى الآخرة/ 1433، ما الذي يجب عليهم وعلينا جميعاً، فإننا به لاحقون، حيث إن الرحيل في كل ساعة وشيك.

في ذكراه .. افتقاد وقدوة

ونحن نعيش أجواء الذكرى السنوية لاستشهاد مؤسس الحوزة العلمية الزينبية المباركة في الشام المفكر الإسلامي الشهيد آية الله السيد حسن الشيرازي (قدس سره الشريف) جدير بنا أن نستطلع ونستكشف جوانب من شخصيته التاريخية الفذة لنتعرف على بعض تلك التوفيقات الربانية التي حظي بها طوال حياته الطيبة وبعد ارتحاله الى الرفيق الأعلى.

وأيضاً لابد لذلك من أن نستذكر ناموساً من نواميس خالقنا وبارئنا جل وعلا في الكون وهو ذلك القانون الذي يتعلق بتجليه سبحانه وتعالى على عوالم الإمكان فلقد تجلى الله في خلقه عبر خلقه ضمن دوائر تجلياته فكان هو الظاهر لخلقه بخلقه وكان ذلك من عظيم حكمته وواسع رحمته.

كان (رضوان الله تعالى عليه) من أظهر مصاديق ما ورد في الحديث "إرادة الرب في مقادير أموره تهبط إليكم وتصدر من بيوتكم"، فأهل البيت (عليهم السلام) هم المجلى الإلهي الأكبر وهم وسائط الفيض الإلهي وهم محطة الاستقبال الرئيسية، بل الأولى لكافة الألطاف الربانية وهم بعد ذلك مصدر إشعاع ونور وضياء ومعدن عطاء ولكافة العوالم على الإطلاق، ثم كان العلماء الربانيون هم التجلي الأظهر للمعصومين الأربعة عشر سلام الله عليهم فكانوا رشحة من رشحات كمالهم، وكانوا شعاعاً من مملكة أنوارهم، فكانوا بذلك حصون الإسلام ووكلاء الإمام والحجة على الأنام، وكان لا بد أن يتحلى العلماء الأبرار بصفات ومناقبيات يجسدون عبرها وبشكل مصغر ذلك التسامي الرائع لسادات الكون وخلفاء الله الكبير المتعال، ولقد وجد فقهاء وعلماء وفضلاء في الشهيد السعيد المفكر الإسلامي السيد حسن الشيرازي شخصية ربانية تجسدت فيها صفات سامية ومناقبيات نبيلة.

ولم يتكثف الجانب الإبداعي للشهيد السعيد السيد حسن الشيرازي في جانب دون جانب بل توزع وتوهج على مختلف المستويات الحوزوية والفكرية والاجتماعية والإنسانية, وتجسيد كل ذلك على أرض الواقع والإنسان, وهو ما جعل من السيد الشهيد الشيرازي نموذجاً متألقاً للإنسان والعالم والمجاهد المتفاني في مجهوداته العقلية والعملية.

وإن المساعي الجادة والدؤوبة للشهيد الشيرازي في إغاثة المظلومين والملهوفين, ونصرة المظلومين والمعذبين, ومعاضدة المحرومين والمهجرين أعطت للشهيد حسن الشيرازي بعداً إنسانياً سامياً ووجوداً علمائياً فريداً وحضوراً وجدانياً سامقاً.

إن في ذكرى الشهيد الشيرازي استحضار لرحلة عالم عامل، وفقيه مجدد، ومفكر مؤلف، ومؤسس مهاجر، ومجاهد كبير، وشاهد وشهيد.

العراق .. في وجدان الشهيد الشيرازي

بلده العراق... كان حاضراً دائماً في أشعاره وقصائده، بل وفي كل نفس من أنفاسه الطيبة، إذ كان يعيشه في قلبه وشعوره وروحه التي بين جنبيه، فبالرغم من أن الشهيد عاش مهاجراً بعيداً عن مسقط رأسه (النجف الأشرف) وعن المدينة التي ترعرع ونما وشب فيها وتعلم منها حب الدين والوطن والناس، وحب الإيمان والثورة من أجل المستضعفين (كربلاء المقدسة), إلا إن العراق ظل حاضراً في كل كيانه يعبر عنه ببيت شعر, أو قصيدة كاملة, أو كلمة نارية تلهب الجمهور يلقيها في هذا المهرجان أو ذاك.

لقد حدد الشهيد الكثير من المواقف إزاء قضايا العراق المختلفة، والتي كان يعتقد أنها السبيل لإعادته إلى موقعه الصحيح والطبيعي في العالم الإسلامي, كونه الرئة التي تتنفس منها الأمة الهواء النقي والفاعل الذي يحركها باتجاه أهدافها المقدسة كلما انتهت شحناتها الفكرية والثقافية والروحية أو كادت تنتهي، والإرادة التي تمنحها القوة والقدرة والعزيمة كلما أصيبت بالخوار والتكاسل والتثاقل لأي سبب كان، والأمل الذي يمنحها ثقة وإصراراً كلما دب اليأس. لقد بادر الشهيد الشيرازي لتحديد الدواء كلما شكى العراق من داء، وكان رائداً في ذلك, لأنه كان يعتقد بأن مرض العراق يسري بأثره السلبي على كل الأمة، فإذا اعتل العراق اعتلت الأمة.

آمن المفكر الإسلامي الكبير آية الله الشهيد السيد حسن الحسيني الشيرازي (رضوان الله تعالى عليه) بأن العراق غني بالفكر والقوة البشرية، وغني بتاريخه وقيمه وسلوكياته، إذ يرى (قدس سره) أن للعراق لما يمتلكه من مخزون فكري ثر قدرة على أن يغدق للآخرين ما هو أصيل وحقيقي دون أن يمنعه ذلك من التفاعل والتواصل مع ما يقدمه العقل الإنساني ويتوصل إليه من إنجازات تخدم الإنسان وترسخ الفضيلة وتقيم حضارة.

* موقع الإمام الشيرازي

http://alshirazi.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 13/آيار/2012 - 21/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م