العدالة البطيئة وانعكاسها على الأمن الاجتماعي

رياض هاني بهار

الدعوى هي الوعاء القانوني الذي توضع فيه الخصومات القضائية والقاضي هو العين الناظرة في هذا الوعاء من خلال تحديد جلسات تعقدها المحاكم للنظر والفصل في الدعوى وقد تطول مواعيد هذه الجلسات في بعض الأحيان ويتوقف الفصل في الدعوى وإصدار الحكم فيها على سلوك المحامي والقاضي معاً اللذان يمسكان بمفاصل الدعوى وإصدار الحكم فيها ويقرران متى يريدان الانتهاء منها.

الأول/ في تتابع الدفوع وتواصل الرد على الأجوبة.

والثاني/ في التأجيل المستمر وتسجيل مواعيد الجلسات المتعاقبة إلى أن ينطق القاضي بالحكم بعد نفاذ صبر العدالة والتأخر في الوصول إلى اقتضاء الحق في الدعوى ولا يستبعد أن يتابع ورثة المتقاضين دعوى مورثيهم لإطالة أمد التقاضي في بعض الدعاوى إن ظاهرة البطء في تحقيق العدالة أمر يشغل الكثير من المتقاضين الذين يعانون من تفشي هذه الظاهرة بسبب عدم تطبيق القانون وأصوله واستبعاده من ساحة التطبيق.

 إن تسامح القاضي بالوقت وترك الدعوى لحرية المحامي يتبادل فيها الأجوبة إلى أن تبلغ الدعوى من الضخامة وزناً كبيراً وتظهر عليها البدانة ويبدو أمرها مخيفاً للقاضي في النهاية ويرعبه حجمها ويعمل على دفعها عنه وعدم الفصل فيها لما تستغرقه من وقت في القراءة المتعبة للنظر وعناء في الرد على الدفوع المكثفة وجهده في كتابة القرار المطول وما كان ذلك ليحصل فيما لو اتبع القاضي الأسلوب المختصر المفيد وألزم الأطراف بتقديم مستنداتهم وبيان أقوالهم مرة واحدة فأمكنه بذلك تفادي تراكم الدفوع المتكررة التي تستهدف المماطلة والتسويف لأن لكل دعوى نص قانوني يحكم واقعها ولها وسيلة إثبات تؤيدها وما زاد عن ذلك هو غرائب وشوائب تسبب للدعوى الإرباك وكبر الحجم والوزن في الواقع.

 القاضي المستقل هو القاضي الذي يسعى لتحقيق العدالة في القضية عن طريق كفاءته والتزامه بقيمه الأخلاقية إنه لخطأ شائع لدى العديد من الناس اعتبار دور القاضي دوره منحصرا في تطبيق القانون، بل أنّ دوره أسمى من ذلك: تحقيق العدالة قد يكون تطبيق القانون أهم من إرساء العدالة. إلا أن القانون لا يعني آليا العدل فالقانون هو إفراز لمجموعة من البشر، يتم في مجلس ويتخذ بالأغلبية و رغم أن الديمقراطية تقوم على فكرة حكم الأغلبية، إلا أن الأغلبية قد تخطأ واضعة قوانين جائرة في حق الأقلية. و التاريخ مليء بالأمثلة من دكتاتورية الأغلبية.

وعليه فإن القاضي الذي قد نؤاخذه بجور حكمه، فيرد متبجحا بتطبيق القانون، ثم يرفع أمامك مجلد الالتزامات والعقود: هو للأسف قاض لم يفهم المهمة السامية المنوطة بعهدته. فالقاضي عليه تحقيق العدالة، وإن اعترضت القوانين وغيرها مفهوم العدالة فعليه البحث عن الحل العادل في مصادر القانون و العدل والإنصاف معملا أخلاقه في رحلة البحث التي لن تكون مضنية له إذا تحلى بكفاءة عالية أو إذا شد أزره بطريقة مباشرة أو غير مباشرة محامي بارع عبر التقارير والمرافعات.

فعلى القاضي إعمال أخلاقه في كل ما يقضي به، و من ثمة أن يبني أسبابه القانونية و وسائل تأويل به، لكي يصل إلى الحل الذي يريح ضميره. أما المحامي فعليه التحلي بالإيمان أن يدافع بكل ما أوتي من حجج فكرية وقانونية على مصالح حريفه و أن يثق بحسن نية القاضي.

 إن دور القاضي ومسؤوليته في بطء تحقيق العدالة ينعكس سلباً على شخصه بالدرجة الأولى وعلى المتقاضين الذين ملهم الانتظار من الوصول إلى النتيجة بالدرجة الثانية ويحسن بالقاضي للبعد عن السهر الطويل في دراسة الدعوى واستمرار تقليب صفحات الدفوع العديدة فيها أن يحصر اهتمامه من البدء بقراءة أولية لاستدعائها وتحديد النقاط القانونية التي تستند إليها الدعوى وتكليف الأطراف بتنفيذ المطلوب إن ما أطرحه في هذه الكلمات هو تعبير عن أهات كثير من المتقاضين كما أنه ليس نقداً للعمل القضائي وإنما هو رأي رائده تجنب إطالة أمد التقاضي والإقلال من صعوبة العمل الذي يواجهه القاضي عند النظر.

في الدعوى بشكل متأخر و المحنة الأكبر هي سوء النية بتوظيف المعطيات الموضوعية الواقعية و القانونية و التركيز المشط على بعضها و الإهمال القصدي لبعض الوقائع، لهدف إرضاء حاجة القاضي في الوصول إلى النتيجة التي اختارها قبل أن يلج البحث في الوقائع، سواء لأمر غير شرعي، سواء لإرضاء الانطباع الأولي الذي ترسخ في ذهن القاضي، وذلك بدون الاحتكام للنظرة النقدية على الآراء المسبقة التي يعذر في الوقوع في فخها عموم الناس وليس القاضي.

وقرب هذا المجال يأتي الدور المحوري للمحامي، المحامي ليس مساعدا للقضاء. بل هو شريك في إقامة العدل. لكل قضية مبدئيا محاميان الأول ينوب المدعي و الثاني ينوب المدعى عليه. يعذر عامة الناس إذا قالوا أن أحد المحاميان يدافع عن السوء، أو عن الكذب أو عن الشيطان. إذ يسود مفهوم مبسط للحقيقة يرى الحقيقة كاملة و واضحة و موجودة لدى طرف واحد في القضية. إلا أن هذا الأمر في الواقع لا يستقيم، لأن القضايا المعروضة على القضاء ليست كلها بتلك البساطة أبيض أو أسود. وهذا لا يعني أن النزاعات أمام المحاكم هي رمادية بمعنى أن لا لطرف حق محدد، بل العكس. في القضية الواحدة لكل طرف حقوق يدافع عليها، وواجبات يرمي للتنصل منها. فإذا واصلنا الحديث بالألوان، فإن القضية هي كلوحة بها عدة خطوط بيضاء وسوداء تتفاوت في الحجم و تتداخل.

 إن دور المحامي عمليا هو الدفاع على مصالح منوبه. فتراه يحوك غطاء من الخيوط القانونية و الواقعية و العقلانية، و كأنه يرمي إلى اقناع القاضي بوجاهة الحكم لصالحه بسبب النسيج القانوني الواقعي العقلاني المقدم. وترى محامي الخصم يفعل نفس الشيء لنفس الهدف.

خلاصة ما تقدم ان تباطؤ القضاء بحسم الدعوى وفق الحق يولد شعور مقلق بطرفي الدعوى ويصبح الاتجاه الى (الحل العشائري) وتتولد صراعات جديده باتجاه العنف ترافقها اضطراب لعوائل المتنازعين وتترسب احقاد قد تنتهي بجرائم قتل ولو راجعنا الاحصاءات المتوفرة عن جرائم القتل واسبابها نلاحظ ان بدايتها نزاعات بسيطة لم يتمكن القضاء من حسمها ولا النظام القبلي من تهدئتها فهي بالتالي لها تأثير على الامن الاجتماعي.

* العراق-بغداد

Rh.bahar@yahoo.com

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 12/آيار/2012 - 20/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م