إجلالا لضحايا الحرب العالمية الثانية

دروس التسامح والمصالحة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: أعطت الحرب العالمية الثانية (1939-1945) درسا عظيما للانسان، يتمثل بضرورة بل وحتمية تجنيب العالم، للحروب كافة، صغيرة كانت أم كبيرة، مباشرة أو بالنيابة، لما تمخضت عنه تلك الحرب من ضحايا بشرية بلغت عشرات الملايين، وخسائر مادية بلغت مئات المليارات، ناهيك عن الخسائر المعنوية الفادحة التي انتهكت وجود الانسان وكرامته.

وقد حددت الامم المتحدة يومي 8 و9 مايو/ أيار الجاري، كمناسبة عالمية يتم فيها استذكار فواجع هذه الحرب وآلامها ونتائجها الباهضة، وإجلال جميع الضحايا الذين سقطوا فيها، سواء في ساحات المعارك التي اشتعلت في اصقاع واسعة من العالم، أو أولئك الناس المدنيين الابرياء الذين أزهقت أرواحهم، اما قتلا أو جوعا أو تعذيبا أو مرضا وما الى ذلك، ويبدو أن العالم أجمع، كان بحاجة لهذه الحرب لكي يتطهر من غلواء الطمع والمكابرة واللهاث المادي الخطير، وجنون العظمة الذي أصاب الكثير من رجالات الفريقين المتصارعين (دول المحور، ألمانيا وايطاليا واليابان من جانب/ ودول الحلفاء، بريطانيا والاتحاد السوفيتي ولاحقا الولايات المتحدة الامريكية، من جانب آخر)، لذا قدمت هذه الحرب الطويلة القاسية والخطيرة بنتائجها، للبشرية درسا تاريخيا لايجوز نسيانه أو التغاضي عنه مطلقا.

يتمثل هذا الدرس باتخاذ سبيل التعقل والحكمة طريقا لمعالجة أعقد الامور التي تحدث بين دول العالم، وانتهاج سبل المصالحة بين أمم وشعوب العالم أجمع، والتخلص من أحقاد الماضي وضغائنه، والنظر الى آفاق المستقبل بصورة أكثر إشراقا وتسامحا وتفاعلا بين ابناء الجنس البشري، بغض النظر عن طبيعة الانتماء الى هذا العرق أو ذاك، والتعامل مع لغة الحرب  بطريقة حازمة، ونشر لغة الحوار كبديل عالمي استراتيجي لحل جميع المشكلات مهما بلغت درجة تعقيدها او خطورتها، على أن يكون الدافع، استذكار الحجم المخيف لأعداد القتلى، والنتائج الاخرى الرهيبة للحرب العالمية الثانية.

وقد نجحت الامم المتحدة فعلا في تعميق لغة الحوار وتعميم لغة التفاهم بين امم ودول العالم أجمع، لاسيما الكبيرة منها، من خلال تركيزها على ما افرزته هذه الحرب من ويلات لا تُنسى، مع تقديم الإجلال لجميع ضحاياها من المدنيين والعسكريين، ونبذ الحروب بأشكالها كافة، ونشر لغة التسامح بين الجميع، وقد حدث هذا فعلا، أي استفاد العالم من الخطأ الجسيم لحدوث الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي أدى الى إحداث قفزة نوعية في مسار التطور البشري، على الصعد كافة، لاسيما الثورة التكنولوجية الكبيرة التي انطلقت بقوة بعد أن حطّت هذه الحرب الثقيلة والطويلة أوزارها، حيث تنبّه حكماء العالم ومنظماته الانسانية الراسخة، الى ضرورة توجّه البشرية نحو البناء والعمل والتفاعل المتبادل في مجالات التنمية وتطوير الاقتصاد العالمي، بدلا من السماح للرعونة والاحقاد والامراض الفردية بقيادة العالم مرة أخرى نحو هاوية الدمار، كما حدث في الحربين العالميتين (الأولى والثانية) في غضون النصف الاول من القرن المنصرم.

ولابد أن تتضاعف الحكمة أضعافا عمّا كانت عليه، لدى صنّاع القرار العالمي، قبل اتخاذ قرار الحرب، أو اعلانها بين دولتين أو أكثر، وذلك بسبب طبيعة الاسلحة الفتاكة التي تمتلكها الدول الكبرى في العالم، ناهيك عن دول أخرى كثيرة، تمتلك ترسانة نووية هائلة، تشكل خطرا داهما على الوجود العالمي بأكمله، فإذا كانت الحروب الصغرى والكبرى تُدار سابقا بالاسلحة التقليدية (دبابة، مدفع، طائرة، صاروخ تقليدي، بندقية رشاشة)، فإن حروب الحاضر والمستقبل، إذا ما غابت الحكمة عن قادتها وتراجع العقل، حتما ستُدار بالاسلحة النووية وهي كبيرة وكثيرة جدا، إذ من المقدَّر بحسب جهات ومنظمات متخصصة، أنها يمكن أن تدمر الأرض ومن عليها.

لذا ينبغي أن يتم توظيف هذه الذكرى كدرس إنساني مهم جدا، لا يصح إغفاله أو تناسيه من لدن عموم قادة وحكومات دول العالم أجمع، واصحاب القرار، والنخب التي تؤثر في صنعه، وجميع الذين يعملون في ادارة الحراك العالمي الاوسع، في السياسة والاقتصاد والثقافة وسواها، لنشر ثقافة الحوار السياسي والثقافي، بدلا من وسائل التصادم والتوتر، وذلك من أجل تجنيب البشرية ويلات الحروب وآلامها ومساوئها المادية والبشرية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 9/آيار/2012 - 17/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م