كل مابذله الأميركان من دماء وأموال وجهود، وكل مافعلوا بالعراق من
مصائب وويلات، وماحاق بشعب الذرة البيضاء والحمراء من دمار وحرمان وقمع
وتنكيل وفوضى وطائفية وخلافات وإختلافات، وتقتيل وتهجير وتدمير للبنيان
ولروح الإنسان، لم يكن كافيا لكي ينكس العراقيون رؤوسهم بحسب نتيجة
المباراة، فهولاء المساكين إنقسموا الى فريقين، أحدهما يشجع مايسمى
نادي برشلونة، والآخر يشجع ريال مدريد، وهما من دولة بعيدة نسبيا، تقع
جنوب أوربا، وتتمتع بأجواء خلابة، وبحضور على ساحلي الأطلسي والمتوسط.
فإذا خسر ريال مدريد إشتعلت نيران الشماتة، والتنكيل، وكلمات
السخرية التي تنطلق من أفواه، وعيون، ووجوه البرشاويين العراقيين،
الذين يجهل غالبيتهم إن هذا النادي الذي يمثل مدينة برشلونة، والتي تقع
ضمن إقليم كتلونيا الذي يطالب بالإنفصال عن الوطن الأم ( إسبانيا)،
إنما يمثل مظهرا من مظاهر عاشها العراقيون في الجنوب الفيدرالي، حيث
كانت المطالبات بعد 2003، والغرب الفيدرالي بعد العام 2011، والشمال
الإنفصالي منذ أن عرفت الدولة العراقية، والى الآن، فهو على الدوام
يبحث عن الفرصة، لكي يعلن فسخ عقد الشراكة مع مدريد العاصمة.
وإذا تعطل برشلونة، وخسر في مباراة، تحولت الشماتة، والتنكيل،
وسواها من أفاعيل، لتنطلق من معسكر المدريديين.. لكن هل يستحق فريق
يلعب كرة قدم أن يثير عواطف، وإنفعالات قد تؤدي الى التقاتل؟.
أحدهم يجيبني بنعم، ويعطيني الدليل، يقول في مرة تعاركت عشيرتان في
بغداد من أجل (حمامة)، وفي مرة تقاتلت عائلتان بسبب ديك وكلب، فقد هجم
الكلب على ديك الجيران وأكله من أسفل رجليه الى (عرفه) المعروف برفعته
الدائمة، فما كان من صاحب الديك إلا أن قتل الكلب، وعندها ثارت ثائرة
أصحاب الكلب الذين ردوا على أساس إيمانهم بالمثل العراقي الشهير القائل
(جل الكلب لخاطر صاحبه) بمعنى أن لاتتجاوز على الكلب إكراما لصاحبه،
وحاول أهل المعروف تهدئة الخواطر الثائرة، والنفوس الفائرة، وقربوا بين
الفريقين، وأصلحوا بينهما، لكن الأمور تطورت الى أبعد من ذلك، حين قتل
أصحاب الكلب قاتل كلبهم، ونقلوه بغمضة عين الى العالم الآخر!!!.
فإذا تقاتل العراقيون على حمامة وعلى كلب، أفليس جديرا بهم أن
يتقاتلوا على كرة قدم ساحرة، تركلها أقدام شباب تبلغ أسعارهم مئات
ملايين الدولارات، لو أنها وفرت للعراقيين لسلحوا جيشهم، وعمروا بلدهم
بإعتبار أن أموال الميزانية تذهب بإتجاه آخر.
فهذا ليونيل ميسي الأرجنتيني، يركل الكرة متوكلا على إسم البرشا،
فتهتف له الحناجر حول العالم، وتشارك حناجر العراقيين بنصيبها من
الهتاف، ثم إن كريستيانو رونالدو البرتغالي يضرب الكرة بسرعة صاروخ
توما هوك، فتمزق الشباك، ولايجد المدريديون سوى أن يعبروا عن إعجابهم
وسعادتهم بهذا الفتح الملكي المبارك!.
تخيل الجيش الإسباني يجتاح العراق وهو يحمل كرات قدم، ويلبس ثياب
البرشا والريال، فهل سيعترضه معترض؟ أم هل سيكون العراقيون بحاجة الى
تنظيم صفوفهم لقتال ذلك الجيش، أم إنهم سينضمون له بدون أن يتقاضوا
أجرا؟.....
بعض الأصدقاء لايؤدون صلاة الفجر، عقب مباراة خسر فيها الريال أو
برشلونة، والسبب أنهم كانوا قلقين ومزاجهم سيء، وضغطهم مرتفع، وآخرين
يتقاتلون على أساس من يعبر عن حبه بطريقة أكثر فاعلية من الآخر، فيموت
الناس، وتسيل الدماء جرحا، أو قتلا، لافي سبيل الله بل في سبيل برشلونة
وريال مدريد.
هل خرجنا بسبب كرة القدم من دائرة الرحمن، لندخل دائرة
الشيطان؟.الله اعلم.
ملاحظة: كان صدام حسين يسمي العراقيين بشعب (الذرى)، وكان العراقيون
يفكرون بماهو على الأرض، وكانت حبوب الذرة الصفراء والبيضاء هي الأقرب،
فكانوا يطحنونها زمن الحصار المتوحش، ليأكلوا خبزا معمولا من طحين
الذرة، دون أن ينتظروا الوصول الى (الذرى). |