الحرية كشرط للوجود الانساني... اليوم العالمي لحرية الصحافة

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: الحرية معرفة، والمعرفة تستدعي القلق وتولّده، وهذا القلق الهائم في روح المكان والزمان هو البوصلة لكل صيحات التحرر التي نسمعها.

الحرية، في المستعمل اليومي السائر على الالسنة والعابر في الاذهان، تعني الغياب، غياب القيود والتحديدات، الافراد احرار حين لا يوقفهم احد عن متابعة اهدافهم او القيام بما يرغبون في القيام به. تكمن الحرية اذا، في قدرتنا على ان نتصرف او لا نتصرف بحسب اختيارنا وارادتنا.

الافراد حين لا يكونون قادرين على القيام بما يرغبون في القيام به بسبب عقد معينة ورهابات راسخة او بسبب ترددهم او افتقارهم الى الانضباط الذاتي والاندفاع. هؤلاء الافراد لا يكونون احرارا بمعنى عدم ايقافهم عن القيام بما يريدون ويرغبون، لكنهم غير قادرين على الاستفادة من حريتهم ولهذا يقال انهم احرار موضوعيا لكنهم ليسوا باحرار ذاتيا، فلديهم حرية قانونية وسياسية، ولكن ليست حرية اخلاقية او نفسية.

يرى الدكتور خليل احمد خليل الاستاذ في الجامعة اللبنانية ان امكان الاختيار بين مقتضيات حتمية واحتمال التعبير عن راي بقول او فعل، وهم افرادي او جماعي بامكان فعل فريد، هو في واقعه الاجتماعي – التاريخي، تعوّد، تقيّد، تنشئة، توظيف.

الحرية عندنا امكان حقوقي، يرتجى دائما تسمية لامور اخرى، اباحة وحلال، مقابل حظر وحرام. على هذا الامكان جرى تخيل مذهب التحررية (الليبرالية) ورفعه الى مستوى اعتقاد، دون التنبه الى ان الانسان الموسوم بالحر لا يفعل ما يشاء، بل ما يجب فعله، ما يمكن فعله، ما يطلب فعله.

تحظى الحرية بالتقدير لاسباب كثيرة، فهي تفترض كشرط طبيعي لجميع الكائنات الحية، وفي المقدمة منها الانسان، لذلك لاتحتاج الحرية الى تبرير، بل القيود عليها وحدها تحتاج الى تبرير، فالكائنات الانسانية مقدسة، وغايات في ذاتها، والحرية هي شعار كرامتها ومصدر احترامها لذاتها وكبريائها معا.

وتحظى الحرية بالتقدير ايضا لان الكائنات الانسانية يمكن ان تكبر حتى تبلغ منزلتها الكاملة فقط عن طريق القيام باختياراتها، وممارسة احكامها، والتعلم من اخطائها. والحرية هي التي تنمي الابداعية والفردية، وتستكشف مناطق المعرفة غير المطروقة، وتجترح الافكار والابتداعات الجديدة، وهي المصدر الرئيس للتقدم الانساني.

احدى الحريات الرئيسية هي حرية التعبير والتي تعد واحدة من حقوق الانسان الرئيسية، واحدى الوسائط للدلالة على هذه الحرية هي الصحافة التي يحتفل العالم كل عام باليوم العالمي للصحافة.

بالرغم من الكثرة الجهود المبذولة في سبيل تحرير الصحافة بنوعيها المكتوبة والمقروءة، من جميع القيود التي تفرضها عليها نظم سياسية او اجتماعية، الا ان الانتهاكات لازالت مستمرة، بحق الصحافة كوظيفة، وبحق الصحفيين كاشخاص لهم كيانهم الاعتباري.

اليوم العالمي لحرية الصحافة تقليد سنوي يهدف إلى التذكير بالدور الحاسم الذي تضطلع به (السلطة الرابعة) في تعزيز الديمقراطية وتشجيع التنمية في أرجاء العالم. ويعد هذا اليوم مناسبة لإلقاء الضوء على تجارب الصحفيين وتضحياتهم ولاستحضار المهام الجسيمة التي يؤدونها وهم يقومون بدورهم في تقصي الحقائق وتزويد الجماهير بالأخبار اليومية مهما كلفهم ذلك من تضحيات. كما يعد هذا اليوم، الذي جرت العادة على الاحتفال به منذ إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1993 تسميته بيوم الصحافة العالمي، مناسبة لتعريف الجماهير بانتهاكات حق التعبير عن الرأي وكذلك لتذكيرهم بمعاناة الصحفيين من جراء الانتهاكات التي يتعرضون لها وهم يمارسون واجبهم. هذا وسيكرس اليوم العالمي لحرية الصحافة هذا العام للعلاقة بين حرية الصحافة والقضاء على الفقر لما تتمتع به وسائل الإعلام من قدرة في هذا المجال في حفز التنمية الاجتماعية ـ الاقتصادية باعتبارها إحدى قوى التغيير.

نشرت منظمة (صحفيون بلا حدود) بمناسبة هذا اليوم اللائحة المحدثة (لأعداء حرية الصحافة) الملقبين بـ (قناصي) حرية الصحافة التي تضم 37 اسما أضيف لها هذا العام خمسة أسماء أو حركات جديدة.

تشير منظمة (صحفيون بلا حدود) وبلغة الأرقام ان العام 2005 شهد اكبر عدد من القتلى في صفوف الصحفيين خلال تأديتهم مهامهم مقارنة بالسنوات العشر الأخيرة. وجاء في التقرير ان 63 صحفيا قتلوا العام 2005 فضلا عن خمسة عاملين في وسائل إعلامية. من جهة أخرى أوقف 807 صحفياً على الأقل وتعرض 1308 على الأقل للإعتداء أو للتهديد، في حين تم ممارسة الرقابة على 1006 وسيلة إعلامية على الأقل. ومنذ مطلع هذا العام 2006 قتل 19 عاملا في مجال الإعلام بينهم 13 صحافيا في حين ان 120 إعلامياً يقبعون حاليا في السجون.

لا يتوقف انتهاك حرية الصحافة وحقوق الرأي والتعبير على العالم الثالث كما كان يسود الاعتقاد حتى وقت قريب، بل أن الأمر يحدث حتى في تلك الدول التي توصف بأنها "ديمقراطية" وإن بشكل استثنائي واقل عنفا. وهذا ما تؤكده الوقائع والممارسات، لاسيما بعد أحداث الحادي من سبتمبر 2001، حيث كانت حرية الصحافة وحقوق الرأي والتعبير أولى ضحايا هذه الحرب. في هذا السياق يشير تقرير معهد الصحافة الدولي إلى ما أسماه جريمة "تمجيد الإرهاب"، في بريطانيا مثلا عقب تفجيرات لندن، وكذلك النقاش الدائر في الدول الأوروبية حول دور الإعلام في جعل الإرهاب "أكثر راديكالية"، معتبرا ذلك مؤشران رئيسيان على اختلال التوازن بين "الأمن" و "حرية الصحافة". كما لا تزال حماية سرية المصادر تشكل موضع نقاشات حادة في أوروبا والولايات المتحدة ومختلف مناطق العالم، لاسيما أمام اعتماد الرقابة على الانترنت التي أصبحت ظاهرة عالمية وتحد جديد للرقابة على تدفق المعلومات.

هذا وتختلف المخاطر التي تواجه الصحافة والصحفيين من منطقة إلى أخرى. فبينما مثلا تلاحق الصين المعارضين للنظام وأصحاب الآراء التي تطالب بالديمقراطية والإصلاح وتحد من حرية التعبير، نجد انه مثلا في أمريكا اللاتينية يقع الصحفيون ضحايا العصابات المسلحة ومافيا المخدرات. أما في أفريقيا فان الحروب و الصراعات السياسية هي الخطر الأكبر على الصحفيين وعلى حرية الصحافة. وحتى في الغرب الديمقراطي لا تنجو الصحافة من المضايقات.

ففي ألمانيا مثلا التي تعد بحق واحة لحرية الإعلام والتعبير وتتمتع وسائل الإعلام فيها بمساحة واسعة من الحرية والاستقلالية، فان هناك بعض الخطوط الحمراء التي لا يجب تجاوزها. فمثلا أدى نشر احد الصحفيين لمعلومات استقاها من ملفات حكومية سرية عن أبي مصعب الزرقاوي إلى مصادرة المادة المتعلقة بالموضوع بتهمة إفشاء الأسرار مما أثار نقاشا حادا حول حدود حرية الإعلام وسقف الحرية المسموح به.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية التي سارعت عقب تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر إلى إصدار قانون مكافحة الإرهاب الذي عرف بـقانون "باتريوت" الذي قيد بشكل مباشر أو غير مباشر من الحريات الديمقراطية والصحفية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 3/آيار/2012 - 11/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م