كربلاء تتعرى أمام الصحراء بعد احراق بساتينها

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: بدت علامات الاستياء جليّة على وجه "صاحب المعملجي" وهو يرى السنة النيران تلتهم بقايا أشجار الحمضيات وجذوع النخيل. لمعان جمرها كان ينعكس في عينيه الدامعتين على ما يعتبره ارثا يصعب تعويضه.

شعور المعمجلي وهو مدرس لمادة الجغرافية يشاركه معظم سكان المدينة القديمة بعد ان تجردت كربلاء من عباءتها الخضراء التي كانت تلتف حول اطرافها منذ عهود طويلة.

يقول المعملجي، "باتت البساتين الجميلة تتقلص يوميا حرقا وتجريفا دون ان الحظ مبالاة من أحد". ويتابع متسائلا، "هل يدرك من يقترف هذه الاعمال حجم ما يجنيه بحق مدينته".

وتشهد ناحية الحسينية شمال محافظة كربلاء، وهي منطقة زراعية تقدر مساحتها أكثر من (20) كيلو مترا مربعا، عمليات حرق للبساتين بشكل مستمر، نجم عنها تدمير المئات منها.

ويشير المعمجلي فيما كانت شاحنات إطفاء الحريق وفرق الدفاع المدني تحاول انقاذ ما تبقى من البستان المحترق، "انها عمليات اعدام لا تعرف الرحمة".

وكشفت مديرية الدفاع المدني في المدينة عن التهام النيران 318 بستان في محافظة كربلاء خلال عامين فقط. وقال العميد حسين نعمة منصور، مدير الدفاع المدني انه "خلال الاشهر الثلاث الاولى من هذا العام بلغت اعداد البساتين المحروقة (123) بستان".

وبرزت ظاهرة حرق البساتين تحديدا بعد 2009، العام الذي أصدر فيه مجلس الوزراء قراره المرقم 272 لمكافحة ظاهرة التصحر في العراق. ويمنع القرار المذكور قطع الأشجار والشجيرات كافة داخل المدن وخارجها بما فيها المناطق الصحراوية ويأمر بتفعيل قانوني الغابات والمراعي الطبيعية وتعديلهما بهدف وضع ضوابط صارمة وغرامات كبيرة على المتجاوزين.

وتتهم الحكومة المحلية اصحاب البساتين بافتعال تلك الحرائق للحصول على مكاسب مادية وتعويضية. وقال رئيس اللجنة الامنية في مجلس المحافظة السيد ستار العرداوي، "اصحاب البساتين يلجؤون الى احراق بساتينهم للالتفاف على قرار الحكومة بتغريم من يقوم بتجريف البساتين". موضحا، "انها محاولة ملتوية على القانون لتحويلها الى اراض سكنية، الى جانب الحصول على تعويضات مالية غير مشروعة من الدولة".

وأكد العرداوي أن مجلس المحافظة ومديرية الزراعة بصدد رفع دعاوي قضائية على من تثبت التحقيقات تورطه بعمليات الحرق لينال جزاءه.

وبعد عناء تمثل في صعوبة مقابلة احد اصحاب البساتين المنكوبة، قال احدهم بعد رفض ذكر اسمه، "لا اعرف من قام بإحراق البستان". وتابع بارتياب، "قد يكون قضاء وقدر أو من نجم عن لهو لبعض الصبيان الذين غالبا ما يشعلون النار في الليل للتسلية"!

وبحسب مديرية الدفاع المدني، فإن جميع الحرائق لم تسفر عن أضرار بشرية وتم السيطرة عليها.

وتتوزع الحرائق على رقع جغرافية مختلفة شملت شرق كربلاء ووسطها بالإضافة الى منطقة الحسينية في شمال المحافظة والتي كانت لها الحصة الاكبر من النيران. وكانت بساتين الحسينية تنتج حتى وقت قريب مئات الاطنان من التمور بمختلف انواعها الى جانب الحمضيات ذات النوعية المميزة، بالاضافة الى اشجار الرمان والتوت.

كما تعد البساتين المحيطة بمركز كربلاء رئة المدينة القديمة والاحياء المحيطة بها لانعدام وجود المناطق الخضراء في داخلها، الى جانب كونها متنفسا للأهالي وأماكن طبيعية للترفيه. يقول أحد رجال الدين الذي يقطن كربلاء، "يوما بعد يوم تتحول المدينة الى لون واحد فقط بعد ان كانت واحة مزدهرة منذ تاريخها".

ويضيف الشيخ مرتضى معاش، "كانت بساتين الحسينية مقصدا للاستجمام لكثافة اشجارها وعذب هواءها، وشوارعها محطات استراحة للقادمين الى كربلاء". ويرى معاش ان البساتين المجرفة كانت تسهم الى حد كبير في التقليل من تأثيرات العواصف الترابية التي تضرب المدينة بين الفينة والاخرى، ويقول "شيئا فشيئا وجدنا انفسنا في مواجهة الصحراء وهذا لم يكن متوقعا في السابق".

وتشكلت العشرات من الاحياء السكنية العشوائية حول مدينة كربلاء القديمة، وهو ما انسحب على بعض الاقضية والنواحي التابعة لمدينة للمحافظة أيضا، بعد ان تم تجريف مئات البساتين من قبل مالكيها قبل قيامهم بتفكيكها وبيعها على شكل قطع اراض سكنية رخيصة، بسبب أزمة سكن حادة تشكو منها المحافظة على غرار معظم مدن العراق.

وباتت المتاجرة بقطع أراضي (البستنة) كما يصطلح عليها أمرا شائعا في كربلاء، وأمرا لا يحاسب عليه القانون بعد ان اصبح ذلك واقع حال. في حين يلقي سكنة تلك الاحياء باللائمة على الحكومات المحلية لفشلها في إيجاد حلول عملية تجنب حرمان المدينة من حلتها الخضراء، فيقول احمد الخالدي، "اضطررت الى شراء قطعة ارض بستنة وتشييد منزل لعدم وجود قطع ارض رسمية قادر على شرائها". ويضيف، "شيدت آلاف الوحدات السكنية ولم تعد الحكومة الحالية أو الحكومات القادمة قادرة على تغيير هذا الواقع الراهن بسهولة".

 ويرى الخالدي، "بات الامر خيار منقسم على اثنين، اما ان نحيا نحن واطفالنا او تحيا أشجار المدينة وبساتينها"، وإختتم، "أعتقد ان الاجابة لا تحتاج الى تفكير".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 29/نيسان/2012 - 7/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م