مخاطر عاهات الاحزاب السياسية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: العاهة حالة مرضية مستعصية، تشل الجسد والذهن فتؤثر على التفكير، وتصبح في معظم الاحيان، مشكلة تؤدي الى العجز في اداء الواجبات كما يجب، لكنها لا تنحصر في الانسان وحده، لأنها قد تصيب كيانات غير بشرية أيضا، فتشل حركتها وتعرقل فاعليتها، وتمنعها من أداء الواجب المطلوب منها، كما يحدث مع الاحزاب السياسية في العراق.

تُرى هل أحزابنا مصابة بعاهات تمنعها من اداء واجبها السياسي على النحو الأمثل؟ واذا كان جوابنا بالإيجاب، فما هي هذه العاهات، وما هي تأثيراتها على الوضع السياسي في العراق، وهل هناك أمل بمعالجتها، لكي ننجح جميعا في بناء دولة الحلم، دولة المواطن، دولة المؤسسات التي تحمي حقوق الجميع وتكفلها، مقابل أداء الواجبات المطلوبة.

أولا إن الاحزاب في العراق مصابة بعاهة التلاعب بالديمقراطية، وثانيا هي مصابة بغياب الشفافية والنزاهة، وثالثا مصابة بتضخيم شخصية القائد الأعلى للحزب، ورابعا هي احزاب صراعات وليست احزاب بناء، لهذا فهي تعد أحزاب مقاوِمة - بكسر الراء- للتطور والتقدم، ومن ثم فهي عاجزة تماما عن نقل البلاد من مستنقع الجهل والتخلف والاضطراب، الى واحة النور والتقدم والاستقرار، وهكذا فإن التأثيرات السلبية لمثل هذه العاهات، كبيرة ومؤثرة جدا على حياة الفرد العراقي، وتؤدي بقوة الى ضياع حقوقه المدنية والخدمية وغيرها، كما يشير الواقع الراهن، حيث الصراعات بين الاحزاب على أوجها، بينما يتضوَّر جوعا ما نسبته 23% من الشعب العراقي، بسبب وقوعهم تحت خط الفقر، كما أشارت الى ذلك وزارة التخطيط العراقية الحالية في تقرير لها حول نسبة الفقر في البلد.

فإذا كان العراق، وهو صاحب الميزانيات المليارية الضخمة (100 مليار دولار ميزانية 2012 وهي أعلى ميزانية في تاريخ العراق وبعض دول المنطقة) عاجزا عن انقاذ هذه النسبة السكانية الكبيرة من وطأة الفقر وقسوته، فهذا دليل قاطع على وجود الفساد السياسي واستشرائه بقوة، الامر الذي يدل بدوره على فساد الاحزاب، ولأنها هي التي تدير العملية السياسية في العراق وما يتبعها من جوانب اخرى اقتصادية وتعليمية وصحية وسواها، فإن هذه الادارة قاصرة عن تحقيق الاهداف المرجوة منها، والتي تتمثل ببناء دولة مدنية تحفظ حقوق المواطن من خلال القانون والمساواة والعدالة وتكافؤ الفرص وما الى ذلك، لهذا تبدو الاحزاب العراقية اقطاعية عائلية فئوية استبدادية بالنتيجة، ولعل من اهم اسباب فشل بناء الدولة، هو فشل العمل السياسي لأحزابها، بسبب افتقارها للشعبية والحيوية الفكرية والمبدئية.

إذن فالاضرار الخطيرة التي تنعكس على الوضع السياسي بسبب الاحزاب واضحة، لأنها تنعكس على العمل الحكومي بكل انواعه، بمعنى اوضح اذا كانت الاحزاب مريضة فإن هذا المرض حتما سينعكس على الحكومة، وبالتالي ليس هناك اداء حكومي ناجح إلا بوجود احزاب ناجحة، ويقودنا هذا الى القول أن من اسباب الفشل الذي تم ذكره، هو سن قانون الاحزاب وطبيعة بنوده، فهو قانون موضوع من لدن الاحزاب نفسها، وقد جُيِّرت صياغته لكي يمنحها فرصا اكبر للاستغلال والاستئثار والاستحواذ والقمع، بدلا من أن يطورها ويدفع بآليات عملها نحو الافضل، بعيدا عن السلطوية والتفرد والتطرف وما الى ذلك، من مظاهر تحوّل روح العمل الحزبي، من ميزته الجماعية الديمقراطية الى صبغته الفردية المتعالية.

أما الامل في بناء دولة المؤسسات فإنه يبقى قائما على الدوام، لكنه سيظل مرهونا بالقضاء على عاهات الاحزاب، لذا مطلوب من القيادات الحزبية، أن تعي المخاطر التي تم ذكرها آنفا، ولابد أن تندمج الاحزاب بالشعب وشرائحه كافة، لكي تلقى قبولا ودعما وتصحيحا متواصلا للاخطاء، وهو الاسلوب الامثل لمعالجة العاهات، لأن القبول الشعبي سيمنح الحزب شرعيته من خلال الضغط باتجاه المسار الصحيح، أما الانغلاق والتحجر والانكماش والاحتماء بالنهج الفئوي ضيق الافق، فلا يجدي نفعا ولا يمنح الحزب تأثيره الفاعل، ناهيك عن بقائه في اطار المنافع والمساومات، واللهاث وراء المصالح المادية، على حساب الشعب وبناء دولته المدنية، التي لا يمكن بناؤها إلا في حالة تخلص الاحزاب السياسية من عاهاتها وأمراضها الواضحة للعيان.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 28/نيسان/2012 - 6/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م