مخاطر وسلبيات معاداة الحكام للعلماء

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: للسلطة سحرها وتأثيرها على الذات البشرية، وعلى النفس التي لا يتمكن صاحبها من التحكم بها، فتسوقه الى منزلقات خطيرة، لاسيما اذا كان حاكما، حيث يمكنه التحكم بمصائر آلاف بل ملايين الناس، هنا يكون تأثير السلطة مضاعفا إن لم يكن كارثيا على الشعب، لأن هذا النوع من الحكام، يقاتل بشراسة من اجل حماية سلطته بشتى وسائل القتال، ويلجأ الى الاساليب القمعية كافة، ومن بينها القتل والتهميش والملاحقة واعدام الناس المعارضين لحكمه وازهاق الارواح، بالاضافة الى المجافاة التامة مع العلماء ورجال الدين، إلا من يكون تابعا له، ممن يتخذون من الدين شكلا وغطاءً لتحقيق مآربهم المادية المفضوحة.

لا قيمة للحاكم المنحرف

وتشير الوقائع والتجارب التاريخية الى مصائر مثل هؤلاء الحكام، فهم غالبا ما ينتهون الى مصير يثير السخرية، ويجعلهم اضحوكة للجميع، ناهيك عن مزبلة التأريخ التي تفتح لهم أذرعها، فيصبح ذكراهم المشين على كل قلب ولسان، لهذا السبب يؤكد الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (تحطم الحكومات الاسلامية بمحاربة العلماء) قائلا في هذا المجال: (إن الحاكم الذي لا يساير الناس ولا يعمل بقوانين الله ويحارب العلماء لا قيمة له). ومن المساوئ الكثيرة التي يتعرض لها مثل هؤلاء الحكام، اصابتهم بأمراض شتى، لاسيما النفسية منها، نظرا لاقترافهم الجرائم الكثيرة والمتوالية، بحق المعارضين لهم من اجل حماية عروشهم، لذلك غالبا ما تجدهم يعانون من رهاب الموت، والخشية من القتل المفاجئ، إذ يقول الامام الشيرازي بهذا الخصوص في كتابه نفسه: (من أوحش الأشياء أن يحس الإنسان بأنه لا قيمة له، ووجوده معلّق بخيط رقيق، وفوق رأسه حدّ السيف على طول حياته، ولا يعلم بأيّة قتلة يقتل أو بأية موتة يموت، كما هو مذكور في علم النفس، وهذه الحالة تصيب هؤلاء الحكام الذين يحاربون العلماء).

الحكام العملاء

وطالما كان الحاكم منحرفا، فإنه يخشى السقوط من عليائه وبرجه العاجي، والسبب هو ابتعاده عن جادة الصواب، وعن العلماء، وعن الاستشارة التي تؤدي به وبنظامه الى التوازن والحكمة، ولكن طالما كان الحاكم وحكومته بعيدة عن العلماء فهي بعيدة عن الرشد، ومعرضة للوقوع في فخاخ الظلم والاضطهاد، وبهذا يكون هؤلاء أقرب الى الاجانب من شعبهم وعلمائهم، كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي قائلا: (الحكام منذ أن انفصلوا عن العلماء ـ وبذلك انفصلوا عن الشعوب أيضاً ـ صاروا آلة بيد الأجانب وعملاء لهم، فلا يملكون الاستقلال).

إن الحاكم حين يبتعد عن شعبه ويجعل بينهما حواجز وموانع، ولا يعير اهتماما للعلماء، فسوف يكون رهينة الاجنبي، لأنه يحتاج الى حمايته دائما، كما نلاحظ الكثير من الحكومات الاسلامية والعربية، حيث يرهن الحاكم ونظامه نفسه بحماية الاجنبي ضد الشعب وكفاءاته وعلمائه، وبهذا يبقى الحاكم متخلفا ومحتاجا للآخر على الدوام، كما يشير الى ذلك الامام الشيرازي قائلا في هذا الصدد: (ليس السبب في فقد استقلالية –الحكام- إلاّ انفصالهم عن العلماء، فانفصلوا عن الشعوب، فلم يتقدموا في ميادين العلم والصناعة بل تأخروا، وتقدم الغربيون في ذلك الميدان فسيطروا عليهم. قال علي عليه السلام: إحتج إلى من شئت تكن أسيره واستغن عمن شئت تكن نظيره)-1- .

الدول التابعة متخلفة وجاهلة

ولهذا فإن الحاكم الذي يتنمّر على شعبه ويستقوي عليه بالاجنبي، لا يؤثر على نفسه ونظامه فقط، بل يمتد هذا التأثير الى الشعب والى مؤسسات الدولة الاقتصادية والادارية وغيرها، فتكون دولة الحاكم التابع ضعيفة وتابعة للاجنبي وسياساته، التي تهدف الى حفظ مصالحه على حساب مصالح الشعوب، لذلك غالبا ما نجد حالات الفقر والجهل وضعف الصناعة والزراعة، سائدة في الدول التابعة بسبب سياسات الحكام البائسة، إذ يقول الامام الشيرازي في هذا الجانب: (من الواضح أن المتقدم يتحكم في المتخلف ولا يدعه يتقدم. وإلاّ فليس من الصدف أن ترى صناعتنا كلها أو أكثرها للغرب وما والاها، فالراديو والتلفزيون والسلكي واللاسلكي، والسيارة والطيارة والقطار والباخرة والدراجة والكمبيوتر والانترنيت والغسّالة والثلاجة والبرادة والمبردة وألف شيء وشيء مما ملأ الحياة كلها من الغرب مباشرة أو بالوسائط، وليس للمسلمين فيها ناقة ولا جمل!).

واقعية الحكومات المتزنة

لهذا تحتاج الشعوب الاسلامية الى حكومات متزنة، تعرف ما هي مصالحها وكيف تحميها، وتدافع عن مصالح الفقراء ولا ترهن مصائر الناس بالاجنبي، واجنداته التي تهدف الى سرقة خيرات وثروات الشعوب المنهكة أصلا، من خلال بث الفرقة بينهم، وتشجيع الحكام على ملاحقة العلماء ورجال الدين والكفاءات وما شابه، ناهيك عن تغذية حالات الاحتراب بين الحكومات الاسمية نفسها، من اجل إشغالها بالحروب والصراعات اولا، وجعلها محتاجة الى الاجنبي بصورة مستمرة، علما أن الدول الاوربية على سبيل المثال لم تشهد حروبا ثنائية منذ اكثر من خمسين عاما، كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي قائلا بهذا الخصوص في كتابه المذكور: (ان الاستقلال والواقعية يجعل الحكومات عاقلة متزنة، لا أن يحارب هذا ذاك وبالعكس، وإني أذكر منذ خمسين سنة أن حكومات بلاد الإسلام تحارب هذه تلك وتلك هذه، بينما منذ خمسين سنة حكومات أوروبا وأمريكا متزنة لا حرب بينها، مع أن تلك الحكومات تشتمل على ما يقارب من ألف مليون نسمة).

لهذا يحتاج المسلمون الى الحرية من اجل صناعة التحضَّر والمعاصرة، في ظل حكومات وحكام يعطون شعوبهم حرياتهم الكاملة من اجل الابداع والتطور والازدهار، كما جاء في التعاليم الاسلامية التي ركّزت بقوة على حرية الانسان من اجل التطور الدائم، لذا يقول الامام الشيرازي في كتابه حول هذا الجانب: (إذن الحضارة تتولد من الشعوب ولا يتمكن الشعب من إيجاد الحضارة إلاّ إذا أطاع الحكام العلماءَ وأعطوا للشعب كامل الحرية التي منحها الإسلام) لهم.

................................................

هامش:

1- الخصال: ص420 ح14 باب التسعة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 23/نيسان/2012 - 1/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م