حرية الصحافة رئة الديمقراطية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الصحافة الحرة رئة الديمقراطية التي تتنفس من خلالها كي تبقى - الديمقراطية- على قيد الوجود والاستمرارية والثبات، إذ لا ديمقراطية حقيقية من دون حرية تامة ومكفولة للصحافة، كل الانظمة السياسية الدكتاتورية أو سواها تعي ذلك وتفهمه، فالمشكلة لا تتعلق بالفهم، بل بالتطبيق، والقدرة على حماية حرية الصحافة بقوة الدستور وتطبيق القانون.

الانظمة التي تقمع الصحافة تظن أنها تحمي نفسها من الزوال، وهو أمر غاية في الغباء، لأنه يشبه تماما السباحة ضد التيار، إذ ستأتي الساعة التي تحين فيها لحظة العجز عن مواصلة السير في المسار الخاطئ تبعا لقانون (لا يصح إلا الصحيح)، وهذا ما تؤكده التجارب التأريخية التي عرضت لنا المشاهد المدوّية لسقوط أعتى الدكتاتوريات في العالم.

في تأريخنا العراقي المنظور أو سواه، لدينا تجارب مريرة في مجال قمع الصحافة، يمكن أن تتحول الى دروس للقادة السياسيين وللنظام السياسي الحالي في العراق، اذا ما احسنوا الاستفادة منها، على أننا يجب أن نتفق بأن مهمة حماية حرية الصحافة، ليست من اختصاص النظام السياسي الحاكم فقط، بمعنى أن الجميع، سياسيون واعلاميون ونخب اخرى، عليها أن تسهم بوضوح في تحقيق هذا الهدف الجوهري، ولكن يبقى النظام السياسي الحاكم، هو الطرف الأول، والاكثر تأثيرا في قضية قمع الصحافة أو حمايتها، ومساعدتها على اداء عملها المهني كما يجب، لاسيما في مجال فضح الفساد ومكافحته، وتطوير منهج الرصد والمراقبة والضغط، لتصحيح الاخطاء التي قد تحدث في مؤسسات الدولة المختلفة.

هنا تظهر لنا المعادلة التالية، كلما ازداد قمع الصحافة يزاد الفساد بأنواعه، حجما وقوة أو العكس، وهذا يعني بوضوح أن النظام السياسي الذي يحد من حرية الصحافة، يقف الى جانب الفساد ويحمي الفاسدين والمفسدين، بما في ذلك مسألة الارهاب، لذلك هناك طريقان أمام الحكومة ومؤسسات الدولة، أما أن تقف الى جانب الصحافة، فتُبعد عن نفسها تهمة الفساد والإفساد، واما العكس، لأن الصحافة الحرة تساعد بقوة على محاربة الظواهر السلبية، وتسهم على نحو مستمر في بناء دولة نزيهة ونظيفة من الفساد المتعمَّد.

ولكن من المؤسف حقا أننا نلاحظ استمرار المضايقات الرسمية ضد الصحافة، من خلال رفع الدعاوى المستمرة ضد الصحفيين والكتاب وبعض الوكالات الاعلامية، نعم نحن نتفق على أن القانون ينبغي أن يحمي المسؤول الحكومي والاعلامي معا، وأن يقف في مسافة واحدة منهما، ولكن هناك حالات واضحة تهدف الى قمع الصحافة بحجة القانون، لدرجة أنها تحوَّلت الى ظاهرة مثيرة للقلق والاستفزاز ايضا، حيث يتعرض الكتاب والصحفيون الى حالات ابتزاز مالية او سواها، كما نسمع من وسائل الاعلام عن طلب بعض المسؤولين الحكوميين في الحكومة الاتحادية، او الحكومات المحلية في بعض المحافظات، مبالغ تعويضية كبيرة جدا، هدفها إرعاب الصحفي وتخويفه، ومن ثم منعه عن اداء دوره في كشف الفساد وملاحقة اصحابه، كما حدث مؤخرا في محافظة ذي قار مثلا.

لذلك لابد أن تبقى قضية حرية الصحافة مبدأ معمولا به، كي تتحول الى منهج حياة لا تراجع عنه، وعلى الحكومة الاتحادية وحكومات المحافظات (اذا ارادت أن تبعد عن نفسها شبهات الفساد التي يتداولها الشعب) أن تبتعد كليا عن محاربة الصحفيين والكتاب مهما كانت الاعذار، لأننا جميعا بما في ذلك اعضاء الحكومات ورؤسائها، نتفق على وجود الفساد وتغلغله في مفاصل الدولة ومؤسساتها كافة، بدرجات ومخاطر متفاوتة، وأن بناء الدولة السليمة لا يمكن أن يتم بعيدا عن الصحافة القوية المتعافية المحمية من الابتزاز، لكي تكون لها القدرة على العمل الحر في اجواء متحررة، لتسهم بقوة في القضاء على الفساد، وحماية الديمقراطية التي يحاول أن يجيّرها أصحاب الفساد لصالحهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 22/نيسان/2012 - 1/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م