مكافحة التدخين... مهمة عسيرة مع ازدياد المدمنين

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: تتواصل الحملات المحلية والاقليمية والعالمية التي تقوم بها دول وحكومات ومنظمات عالمية بهدف نشر ثقافة منع التدخين وسن القوانين والعقوبات الرادعة وصولاً الى عالم خالي من التدخين واثاره القاتلة والتي كلفت الدول الملايين من المصابين والمليارات من الدولارات والتي فاقت بمجملها الارباح التي تجنيها تلك الدول من صناعة التبغ او المتحصلة من الضرائب المستقطعة من الشركات المصنعة.

ويبدوا ان جدية بعض الدول قد طورت مواقفها الهادفة الى منع التدخين بصورة نهائية على جميع اراضيه، حيث وصل المنع الى اروقة البرلمان والاماكن العامة والمشتركة والدوائر الحكومية والمطارات وداخل السيارات وغيره، كما فرضت دول اخرى رسوماً خاصة على علب التبغ تبين قباحة الامراض التي من الممكن ان تصيب الانسان المدخن وكذلك فرض الرسوم والضرائب المرتفعة على هذه الصناعة، خصوصاً وان الاعتراضات التي قامت بها شركات التبغ امام هذه السياسات لم تجدي نفعاً.

لكن يبقى دور المدخنين هو العامل الاهم في انجاح هذه الخطط الطموحة او افشاله، سيما وان الاحتيال على هذه القوانين -التي ما زالت في مراحلها الاولى لدى بعض الدول- ربما يكون من الامور اليسيرة للغاية، فيما تواصل طرقاً اخرى احتيالها على القوانين والعقوبات، ولعل "الشيشة" ابرز المحتالين.

مقاهي 'الشيشة' في بريطانيا

اذ ان هناك تفكير في بريطانيا في ضرورة وجود تراخيص لعمل المقاهي التي تقدم الشيشة (أو النرجيلة) في محاولة للتصدى للأعداد المتزايدة منها في الشوارع الخلفية، ويخشى المسؤولون أن تنتقل المزيد من مقاهي الشيشة إلى داخل الأبنية المغلقة في محاولة للتهرب من قوانين حظر التدخين داخل المباني، وتقول المجالس المحلية (البلديات) إن التراخيص مطلوبة لوجود مخاطر حدوث حرائق، وكذلك مخاطر صحية، وتقول ان الطلبات المقدمة لجهاز "حرية المعلومات" إن هناك زيادة قدرها 210 في المئة في عدد هذه المقاهي منذ عام 2007، ووفقا للطلبات المقدمة للمجالس المحلية البريطانية، البالغ عددها 133 مجلسا، من قبل جمعية مكافحة امراض القلب البريطانية بخصوص حملة "يوم لا للتدخين"، فقد ارتفع عدد المقاهي على مستوى البلاد من 179 إلى 556 مقهى، وقد حذرت منظمة الصحة العالمية من أن جلسة تدخين للشيشة مدتها 40 دقيقة تعادل حجم الدخان المستنشق من 100 سيجارة على الأقل.

ووفقا لأحد الاستطلاعات يعتقد 84 في المئة من المشاركين فيه أن جلسة تدخين الشيشة الواحدة تساوي أقل من 10 سجائر. ويعتقد نحو 44 في المئة من الشباب البالغ أنها أقل ضررا من السجائر، ويشير الاستطلاع أيضا إن أكثر من ربع المشاركين، والبالغة أعمارهم من 18 إلى 24 عاما، قاموا بتدخين الشيشة من قبل، ولم تكن هذه الأرقام مفاجئة بالنسبة للمجالس المحلية في جميع أنحاء البلاد، وهي تحاول الآن أن تفرض هذا القانون، حيث ينبغي على مقاهي الشيشة أن تلتزم بتشريعات حظر التدخين عن طريق توفير أماكن مفتوحة، ويقول جوفيند ماندورا مدير فريق الصحة والأمان بمجلس مدينة ليستر إنه يشعر بالقلق بشأن وجود اتجاه حديث تنتشر فيه مقاهي الشيشة التي تحاول التهرب من الشروط القانونية، وتساور ماندورا مخاوف جدية بشأن المخاطر المتعلقة بالصحة والحرائق، ويقول أن ثقافة تدخين الشيشة "تنتشر في السر"، ويقول: "نحن نجرى تحقيقات ونلاحق العديد من الأماكن في المدينة. فهي تقع في شوارع خلفية، وحتى في الوحدات الصناعية القديمة البعيدة عن الأنظار". بحسب بي بي سي.

كما ويضيف: "ويسمع الزبائن عن الشيشة من خلال موقع تويتر والفيسبوك، ويصلون إلى هذه الأماكن من خلال إجراء بعض الاتصالات التليفونية من أمامها. وغالبا ما تكون هذه الأماكن مغلقة، وتكون أبوابها مؤمنة"، ويضيف أيضا: "إنها شباك للموت، ليس فقط بسبب مخاطر الحريق، ولكن أيضا لاحتمال حدوث تسمم بأول أكسيد الكربون الناتج من احتراق التبغ والفحم"، ويتلقى موظفو الصحة في جميع أنحاء البلاد تقارير من أشخاص يعانون انهيارا بسبب استنشاق الدخان ومن خلال القيام بألعاب خطيرة متعلقة بالتدخين، ويقول إيان غراي ضابط شرطة من معهد شارترد للصحة البيئية: "الطلاب يملأون رئتهم بالدخان من خلال بعض الألعاب ثم يصابون بالإغماء من أول أكسيد الكربون"، ويقول غراي: "إن تدخين الشيشة صار من الأمور التي يفتخر الناس بالقيام بها، خصوصا بين الشباب، حيث أصبح تدخينها مقدمة الشباب للدخول إلى عالم التبغ"، وقالت جانيت برادلي من مجلس مدينة برمنغهام: "هذه الأماكن مثل الحانات التي تعود لفترة الأربعينيات، وهي تحقق أرباحا هائلة، فهؤلاء الذين كانوا ينخرطون من قبل في المخدرات يتجهون الآن إلى عمل مقاهي الشيشة، فهي أقل خطورة بالطبع."

فيما أضافت: "أخبرني أحد العاملين في مقهى للشيشة أن أحد الزبائن سقط أمامه بعد تدخين الشيشة لمدة ساعتين. حتى هؤلاء العاملين في هذه المقاهي يتعرضون للخطر أيضا بسبب الوقت الذي يمضونه هناك"، وقد وصفت أحدى الأقارب من مدينة ليستر والبالغة من العمر 14 عاما، كيف أن ابن أخيها وعدد من أصدقائه سقطوا في شباك الشيشة، وقالت: "لقد ذهبوا إلى المقهي لمشاهدة التلفزيون، لكن المقهي يشجع مرتاديه من ذوي الاعمار الصغيرة على التدخين، وقد أصابني الرعب عندما سمعت أن قريبي هذا أراد مغادرة المكان ولم يستطع"، وأضافت: "لقد أصيب ابن أخي بصدمة، وكان والداه يجهلان هذه المخاطر"، وتدرس مدينة ليستر الآن استخدام تراخيص لتنظيم ثقافة المقاهي بشكل أكثر صرامة، ويقول ماندورا من مجلس المدينة: "هذه مشكلة على مستوى البلد بأكمله، وقد أصبحت أيضا اتجاها سائدا ولم تعد شيئا من هوايات الماضي."

وقال مدير أحد المقاهي التي تقدم الشيشة في مدينة ليستر، والذي رفض ذكر اسمه، إنه يخسر قدرا كبيرا من تجارته لصالح هؤلاء الذين يعملون في أماكن خفية، وأضاف: "سألت زبائني لماذا لم أعد أراهم كثيرا، فقالوا إن الجو أكثر دفئا في المباني المغلقة بالشوارع الخلفية، وإن الجو بارد جدا في عندي في المقهي بسبب أنه مفتوح جزئيا"، وأضاف أيضا: "لقد فقدت نحو 25 في المئة من تجارتي هذه لأكون ملتزما بالقانون، وقد استثمرنا 120 ألف جنيه استرليني في هذا العمل، لكنني ما زلت في نزاع مع مجلس المدينة بشأن مدى الامتثال للقانون."

تعرّض الحوامل للتدخين يصيب المواليد بالأكزيما

من جهتها وجدت دراسة جديدة أن تعرّض النساء خلال الثلث الأخير من الحمل لدخان السجائر قد يزيد خطر إصابة المولود بمرض الأكزيما الجلدي، وذكر موقع "هلث داي نيوز" الأميركي أن الباحثين في الأكاديمية الأميركية للحساسية والربو وعلم المناعة، وجدوا أن المواليد الذين تتعرض أمهاتهن خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحمل لدخان السجائر هم أكثر عرضة للإصابة بالأكزيم، ولم تبرز زيادة في الخطر لدى تعرّض الحوامل لهذا الدخان خلال الأشهر الأولى من الحمل، وشملت الدراسة أكثر من 1400 مولود في عمر يتراوح بين شهرين و18 شهراً، وقدّمت عائلاتهم معلومات بشأن تاريخ الإصابات بالحساسية الجلدية والمعدلات التي تعرضت لها النساء لدخان التبغ خلال الحمل وبعده، وسجّل الباحثون حالات الإصابة بالأكزيما التي تتميّز باحمرار وحكة في الجلد، وتبيّن أن معدلات الأكزيما كانت أعلى بشكل ملحوظ بين الأطفال الذين تعرّضت أمهاتهم خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحمل بهم لدخان السجائر، مقارنة بغيرهم من الأطفال، ولم تظهر الزيادة في خطر الإصابة بالأكزيما بين الأطفال الذين تعرضت أمهاتهم للتدخين خلال الثلث الأول من الحمل، كما لم يظهر هذا الارتفاع بين المواليد الذين تعرضت أمهاتهم للتدخين خلال الأشهر الستة الأولى من الحمل، وقال الباحث المسؤول عن الدراسة كنجي ماتسوموتو إنه "يبدو أن التعرض لدخان التبغ خلال الثلث الأخير من الحمل له تأثير على نمو الجهاز المناعي، ما من شأنه أن يسهل تطور الأكزيما بعد الولادة". بحسب يونايتد برس.

مجلس النواب اللبناني

على صعيد اخر بدأ مؤخراً تطبيق قانون منع التدخين في مجلس النواب اللبناني وذلك داخل جميع قاعاته من دون استثناء، تحت عنوان "مجلس النواب خال من التدخين"، ورفعت داخل المجلس ملصقات تحذر من مضار التدخين وذلك تطبيقا لقانون سبق وصوت عليه المجلس النيابي في آب/اغسطس 2011 يحظر التدخين في الأماكن العامة، ويفرض القانون غرامة مالية اقلها 135 الف ليرة لبنانية (90 دولار) على من يدخن في اماكن عامة. بحسب يونايتد برس.

دستورية الرسوم التحذيرية

من جهة اخرى قضت محكمة استئناف اتحادية مؤخراً بأن القانون الأمريكي الذي يقضي بوضع رسوم تحذيرية صحية كبيرة على علب واعلانات السجائر لا يشكل انتهاكا لحقوق حرية التعبير لشركات التبغ، وكانت شركات التبغ قد رفعت دعوى قضائية لوقف المتطلبات الجديدة الخاصة بالعلامات والاعلانات والتي وضعتها ادارة الاغذية والعقاقير الامريكية على أساس أن هذه القواعد انتهكت التعديل الدستوري الاول لحق التواصل مع مستهلكي التبغ البالغين، لكن الدائرة السادسة بمحكمة الاستئناف الامريكية ومقرها مدينة سينسيناتي ايدت الجزء الاكبر من الاطار التنظيمي الجديد لادارة الاغذية والعقاقير بما في ذلك شرط أن تضع شركات التبغ صورا تحذيرية كبيرة على علب السجائر، ويأتي هذا القرار في أعقاب حكم قضائي صدر في واشنطن بقضية مختلفة لكنها ذات صلة يرفض اشتراطات ادارة الاغذية والعقاقير ويبدو أن هناك مواجهة بشأن دستورية قواعد ادارة الاغذية والعقاقير. بحسب رويترز.

وأشار فلويد ابرامز محامي شركة لوريلارد لصناعة التبغ الى الفرق في لهجة الحكمين وقال ان قضية الدائرة السادسة في واشنطن أو الاثنين من المرجح أن ينتهي بهما الحال في المحكمة العليا الامريكية، والفرق في القضيتين هو ان ادارة الاغذية والعقاقير لم تحدد صورا معينة عندما رفعت الشركات الدعوى امام الدائرة السادسة. وفي حين تركز دعوى واشنطن على الصور فقد واجهت محكمة الاستئناف القضية الاكبر وهي السلطة التنظيمية لادارة الاغذية والعقاقير، وكان الكونجرس الامريكي قد وافق على القانون في عام 2009 وأمر ادارة الاغذية والعقاقير باعتماد لوائح تحذيرية محددة.

أول حملة اعلانية أمريكية

بدورها اطلقت الحكومة الفيديرالية في الولايات المتحدة حملة اعلانية هي الاولى من نوعها على المستوى الوطني تهدف الى الحث على الاقلاع عن التدخين، وستعرض على شاشات التلفزيون وتظهر في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي على مدى ثلاثة اشهر، والحملة يقودها مركز مكافحة الاوبئة و الوقاية منها و تستعرض الاثار الرهيبة التي خلفها الادمان على التدخين على حياة مجموعة من الاشخاص و يُقدّر المركز ان الحملة ستساعد نحو خمسين الف امريكي على الاقلاع عن التدخين، ويقول توماس فريدن مدير مركز مكافحة الاوبئة و الوقاية منها ان "الاعلانات اثبتت فعاليتها في التأثير على الرأي العام و ان اظهار الضرر الذي خلفه الادمان على التدخين لدى مدخنين سابقين سيشكل حافزا حتى يبتعد بعض المدخنين عن التدخين".

غير ان المشاهد التي استخدمت في الاعلانات المتلفزة وجدها البعض صادمة و مزعجة ولا تلائم كل المشاهدين، فيما اعتبر المدافعون عن الحملة ان الغاية الاساسية منها هي صدم المشاهد و دفعه الى الابتعاد عن التدخين. بحسب بي بي سي.

ويقول مفوض الصحة في نيويورك توم فارلي " إن لا ضرر من مشاهدة ابن ثماني سنوات هذه الرسالة التي تمنع تحول الطفل الى مدخن حتى و لو قدمت هذه الرسالة بصورة مزعجة لان هذا هو الهدف، التدخين مزعج و يقتل الالاف من الاميركيين كل عام"، وتشير الاحصاءات الفيديرالية الى ان التدخين يقتل 443 الف امريكي سنويا، ولا يعول على الحملة الوطنية لخفض نسبة المدخنين فقط وانما ايضا لتقليص نفقات الرعاية الصحية التي تجاوز سنويا المئة مليار دولار، وتشير الجمعية الاميركية للسرطان ان ثلث الاصابات بالسرطان في الولايات المتحدة يرتبط مباشرة بالتدخين ومعظمها قاتلة وكلفة علاجها مرتفعة جد، اما مركز مكافحة الاوبئة و الوقاية منها فيشير الى ان ثمانية ملايين اميركي مصابون بامراض ترتبط بالتدخين وان نسبة المدخنين بين البالغين في امريكا تصل الى عشرين في المئة بينما تسعة من كل عشرة مدخنين يبدأون التدخين في عمر الثامنة عشرة، وتبلغ تكلفة الحملة الاعلانية المضادة للتدخين 54 مليون دولار، رقم يعتبر متواضعا جدا خصوصا انه يساوي المبلغ الذي تنفقه شركات التبغ كل يومين للترويج لمنتجاتها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 18/نيسان/2012 - 27/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م