للمرة الأولى، وبعد التوقف الاضطراري، الذي دام أكثر من 15 شهراً،
عادت الأطراف الست، التي تمثل القوى الخمس الكبرى في مجلس الأمن،
إضافةً إلى ألمانيا، أو ما أطلق عليها الدول "5+1" في مواجهة تفاوضية
جديدة، مع إيران بشأن مصير برنامجها النووي، وبالرغم من الهدوء النسبي
واللغة الإيجابية، من قبل الأطراف التي سبقت الاجتماع، وقبل المواجهة
أو الخوض في التفاصيل، إلاّ أن التوقعات بشأن انفراج الأزمة، لا يمكنها
حمل إيجابيات ذات شأن، وستظل عند نقطة متدنية، أو حافظة لمبدأ
استمرارية المفاوضات على الأقل، نظرا،ً للكم الهائل من المتطلبات التي
ركزت عليها الأطراف، ضمن سياسات وخطط مختلفة، للحصول عليها أو أجزاء
منها، من قٍبل الطرف الآخر.
وكانت أجمعت القوى الست، على أن هذه المفاوضات مع إيران، تمثل فرصة
نادرة، لوقف زيادة التوتر أو نقصان الثقة بين الأطراف، لا سيما التي
كانت سادت طوال فترة الجمود، واستمرت أكثر من عام، حيث أبدى الجانبان
رغبة واضحة لتحقيق تقدم ملموس، والاستفادة من فرصة التفاوض، وحصد شيء
ما، كلٌ من الطرف الآخر.
ولا شك فإن العودة للمفاوضات، تعتبر بالنسبة للدول الست هي بمثابة
انجاز، من حيث قبول إيران "المشاكسة" من حيث المبدأ، استعدادها معاودة
التفاوض، والتزامها الحوار والتعاون، فكيف إذا ما كانت هي الداعية
إليها؟ بالرغم من الشعور الغامر، الذي ظهر على وجوه وفود الدول الست،
بأن العقوبات التي فرضت على إيران، كانت الدافع الأساس، وراء التفكير
الإيراني بالدعوة إلى معاودة المفاوضات، وحتى في ضوء نفي القادة في
إيران لذلك الشعور، الذين طالما سخروا من تلك العقوبات أو درجوا على
التقليل منها.
كانت أشارت إيران إلى أنها مستعدة، وترغب في وجود محادثات جادة
وفاعلة، ومن خلال طرحها أفكاراً جديدة وجديرة بالاهتمام، لكن من عند
حدود النقطة التي وصلتها إيران نووياً، وليس كما ترى الدول الست، في أن
تعتدل إيران وتنزل عند الرأي لحل الأزمة وإغلاق الملف، سواءً كان من
خلال تقديم الحوافز أو فرض العقوبات أو التلويح باللجوء إلى الحل
العسكري، حيث اعتبرت تلك الدول، أن ذلك يمثل ابتزازاً من قبل إيران، مع
إدراكها، بحقيقة ما وصلت إليه طهران من قدرات نووية وصاروخية، وبأن هذه
القدرات سوف تمكنها نهاية المطاف، بقبولها كدولة على "العتبة النووية"
كخط أحمر نهائي، بغض النظر عن طول المدة أو قِصرها، للتوصل إلى صنع
القنبلة النووية، لا سيما بعدما توضح من خلال تصريحات سابقة للرئيس
الأمريكي "باراك أوباما"، حينما أعلن بإمكانية قبول إيران كدولة نووية
"سلمية".
وهذا يعني وضع ترتيبات وضمانات خاصة، تحكم العلاقة النووية مع
إيران، بما فيها، لجوء إيران بإغلاق منشأة "بوردو" النووية التي تعتبر
المصدر الرئيسي للإزعاج الغربي، من حيث احتمالية احتوائها على خطوط
عسكرية، بالإضافة إلى عدم معاودة طهران، لتخصيب اليورانيوم إلى درجة
20% والتي كانت بدأت تخصيبه بهذه النسبة منذ عام 2010، وكانت إيران في
ذلك الوقت مستعدة لتكون مرنة أكثر، والحد من تخصيب اليورانيوم إلى هذا
المستوى، عن طريق التبادل.
ربما كانت الرسالة الروسية، لكلا الأطراف، من خلال "سيرغي
بريماكوف"، نائب وزير الخارجية الروسي، الذي ترأس وفد بلاده لمحادثات
إسطنبول، عندما أشار بأنه من غير الممكن، استبعاد أن برنامج إيران
النووي هو لأغراض سلمية تماماً، ولهذا يلزم التوحّد حول المبادئ
والأهداف، باتجاه التوصل إلى تفاهمات وحلول، وعدم المبالغة في إثارة
الخلافات، بغية تجنب المسئولية في إفشالها.
وبغض النظر عن حادثة رفض الوفد الإيراني من إجراء لقاءٍ مع الوفد
الأمريكي، فقد حاولت الولايات المتحدة بالتسابق، إلى خفض سقف التوقعات
قبل بدء المفاوضات، على أن من غير الممكن، أن يُنتظر تجاوز القضايا
العالقة في اجتماع واحد، لكنها اعتبرت بأن هذه هي الخطوة الأولى في
الاتجاه الإيجابي.
ولا شك فإن الولايات المتحدة وخاصة الدول الحليفة معها، كانت اعتمدت
ومنذ زمن، الخيارات الدبلوماسية في شأن تسوية البرنامج النووي
الإيراني، وابتعدت أكثر عن العمل بالخيارات العسكرية، لأسباب كثيرة،
منها ما هو عسكري، من قِبل عدم ضمانها حسمه لصالحها، أو من جهة إمكانية
عدم معاودة إيران لاستئناف برنامجها النووي، وبصورة عسكرية معلنة،
وبوتيرةٍ أشد وأسرع، نظراً لاعتقاد أجهزة المخابرات الأمريكية
والأوروبية التي تؤكد ذلك، إضافةً إلى جملة المجهولات، التي ستصيب
المكانة الأمريكية، بالنسبة للدول الأخرى سواءً الصديقة منها أو
المناهضة، أو ما سيكون عليه المصير الإسرائيلي، الذي كانت عزمت إيران،
على محوها من الخارطة الدولية، أو ما هو اقتصادي، يتعلق بانتكاسات
اقتصادية إضافية، وباحتمالية الوقوع في أزمات مالية هائلة، بحيث لا
تستطيع تحملها الولايات المتحدة أو الدول الغربية، وإلى فترة مستقبلية
مخيفة وليست بالقصيرة، ستكون تبعاتها أكثر كثيراً من النتائج فيما إذا
وجدت، والمرغوب في تحقيقها. وهذا ما كان عبّر عنه "أوباما" نفسه أو
وزير دفاعه "ليون بانيتا" أو رؤساء مؤسسات أمنية وعسكرية ومسئولي
اقتصاد أمريكيين ودوليين آخرين.
هذا الخيار الدبلوماسي، إلى جانب منع الولايات المتحدة إسرائيل، من
محاولتها التفرّد، لشن هجوم على منشآت إيران النووية، سواءً بطريق
الترغيب أو الزجر، كان جعل إسرائيل أكثر غضباً من السياسة الأمريكية
المتبعة، وهي ما فتئت تُذكّر الولايات المتحدة، في محاولةٍ منها
لإثبات، أن القنوات الدبلوماسية مع إيران لا يمكن نجاحها، بالرغم من
توفر الأسباب والحوافز، التي كانت قدمتها الدول الغربية، وحتى
المحادثات المماثلة في المرة الأخيرة، التي كانت أُجريت قبل عام، وأيضا
في إسطنبول.
وكان هذا التوجه، عبارة عن لطمة قاسية لإسرائيل، بعد أن أوشكت
الإدارة الأمريكية، عندما أعلن "أوباما" عن يأسه، من عدم تخلي إيران عن
السعي نحو عسكرة برنامجها النووي، اتخاذ موقف اللجوء إلى الحرب ضد
إيران، وذلك من خلال المؤشرات التي رافقت أقواله وأفعاله، التي تثبت
حينها، بأنه عازم على منع إيران من حصولها على الأسلحة النووية، التي –
كما يدعي الإسرائيليون- بأن هذه الخطوة كانت رفعت من رصيده أنذاك،
عندما سحب القوات الأمريكية من العراق وتحويلها إلى أفغانستان، واتضح
بعد ذلك، أنه لم يأخذ الأمر على محمل الجد.
وعلى ما يبدو ستكون هذه المفاوضات، ستستمر طويلاً، وستكون أكثر من
تكتيكية، خاصةً وأن كلا الجانبين يريدان تجنب المواجهة العسكرية، التي
لن تكون مكفولة بأي حال لصالح أىٍ منهما، وبالتالي سيغرق في أتونها
الشرق الأوسط كله. ولهذا ستكتفي الولايات المتحدة وحلفائها، ودون النظر
إلى الرغبات الإسرائيلية، لا سيما وأن لغة التهديد والضغوط ضد طهران،
لم تسفر عن نتائج ايجابية. بالرغم من الحذر الشديد وعدم التفاؤل بأن
إيران التي شهدت أضراراً اقتصادية إن لم تصل إلى أن توصف بالوخيمة،
فإنها على الأقل سيئة، بعد سنوات من العقوبات الاقتصادية المفروضة
عليها، بأنها على استعداد جاد، لمناقشة وقف برنامجها النووي، في مقابل
الحصول على تخفيف التوتر وإزاحة العقوبات، وهذا يحتاج إلى اتخاذ
إجراءات وليس الكلمات، وأهمها، الاعتراف والتأكيد على الحق السلمي
لإيران، بامتلاك التقنية النووية السلمية، ومحاولة تسوية المشاكل
المتعلقة التي كانت تحدثت عنها مجموعة الدول الست، وهناك أيضاً مسالة
العقوبات المفروضة، وخاصةً الحظر النفطي الذي فرض في الفترة الأخيرة
على إيران. وإن كانت هذه الإجراءات، سيتعين على من سيقوم بها، تقبّلها
وإن بمرارةٍ أكبر، وعندها يمكن القول بأن هناك تقدمات ونجاحات بشأن
المسألة النووية الإيرانية، حيث يمكن الركون إليها والاعتداد بها. |