تايتانيك التاريخ... تايتانيك الفيلم

كيف يحافظ الاخرون على تاريخهم الانساني؟

متابعة: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: يحفل التاريخ الانساني بالكثير من القصص، التي تخلدها الذاكرة الجمعية للمجتمعات.. هذه القصص تعود الى الظهور بين فترة واخرى عبر الكثير من اوجه الابداع الفني، قصة، رواية، شعر، سينما، مسرح، فنون تشكيلية، ومنها ما يتم تناوله عبر فترات زمنية متجددة، كان تكون كل سنة، او عقد من السنوات، او قرن من تلك السنوات.

تايتانيك واحدة من تلك القصة التي خلدها التاريخ، واعاد نبشها الفن السابع لترتفع الى مرتبة الاساطير رغم وجودها الحقيقي، والى احتلال الفيلم الذي اخرج عنها الى مصاف افضل الافلام التي قدمتها السينما الامريكية طوال تاريخها، ليس هذا فقط بل اصبحت السفينة، وحطامها تراثا انسانيا يجب الحفاظ عليه ضد عمليات التدمير والتخريب كما اشارت الى ذلك اليونسكو وذلك بعد مرور مائة عام على غرق السفينة في قاع شمال المحيط الأطلسي.

وتقضي اتفاقية اليونيسكو التي دخلت عام 2009 حيز التنفيذ بحماية التراث الحضاري الغارق تحت مياه البحار بعد مرور مائة عام على غرقه. ويمر على غرق سفينة تيتانيك مائة عام في الخامس عشر من نيسان/أبريل الجاري.

ودعت المديرة العامة لمنظمة اليونيسكو إيرينا بوكوفا الغواصين من خلال بيان صدر عنها إلى عدم إلصاق أية معالم تذكارية على حطام (تيتانيك) أو تخزين مخلفات من أي نوع.

وأكدت بوكوفا أن هناك حطام آلاف القطع الأخرى تحت مياه البحار والمحيطات يجب فرض الحماية عليها قائلة: 'كل هذه القطع الغارقة هي نماذج أثرية تمثل قيمة علمية كبيرة، كما أنها تمثل ذكرى لفواجع بشرية.

وتايتانيك السفينة – التاريخ هي باخرة ركاب إنجليزية عملاقة كانت مملوكة لشركة وايت ستار لاين)، تم بناؤها في حوض هارلاند آند وولف لبناء السفن في بلفاست والتي تعرف الآن بـأيرلندا الشمالية. كانت التيتانيك أكبر باخرة نقل ركاب في العالم تم بناؤها في ذلك الوقت.

في أول رحلة لها في 10 أبريل 1912 من لندن إلى نيويورك عبر المحيط الأطلسي وبعد أربعة أيام من انطلاقها في 14 أبريل 1912 اصطدمت الباخرة بجبل جليدي عند الموقع 41°44' شمالا و 49°57' غربا قبل منتصف الليل بقليل، مما أدى إلى غرقها بالكامل بعد ساعتين وأربعين دقيقة من لحظة الاصطدام في الساعات الأولى ليوم 15 أبريل 1912.

كان على متن الباخرة 2,223 راكب، نجا منهم 706 شخص فيما لقي 1,517 شخص حتفهم. السبب الرئيسي لارتفاع عدد الضحايا يعود لعدم تزويد الباخرة بالعدد الكافي من قوارب النجاة للمسافرين الذين كانوا على متنها، حيث احتوت على قوارب للنجاة تكفي لـ 1,187 شخص على الرغم من أن حمولتها القصوى تبلغ 3,547 شخص. غرق عدد كبير من الرجال الذين كانوا على ظهر التيتانيك بسبب سياسة إعطاء الأولوية للنساء والأطفال في عملية الإنقاذ.

تم بناء التيتانيك على أيدي أمهر المهندسين وأكثرهم خبرة، وقد استخدم في بنائها أكثر أنواع التقنيات تقدماً. ساد الاعتقاد بأنها السفينة التي لا يمكن إغراقها، وكان غرقها صدمة كبرى للجميع حيث أنها قد زودت بأعلى معايير السلامة.

في العاشر من إبريل 1912، ترقب العالم بلهفة ذلك الحدث التاريخي، بعد حملة اعلانات غير مسبوقة لرحلة بحرية، فقد أشادت الصحف كثيرا بذلك الإنجاز الرائع الذي حققه الإنسان وعبرت عنه تلك السفينة العملاقة التي قيل عنها أنها (لا تغرق)..

على رصيف ميناء كوين ستون بإنجلترا كان الاحتفال بالغا بهذا الحدث الكبير، فاصطف آلاف الناس من المودعين وغير المودعين يتأملون، بإعجاب السفينة العملاقة وهي راسية في الميناء في قوة وشموخ، والمسافرون - وهم يتجهون إليها - في سعادة وكبرياء. ولا شك أن الكثيرين منهم كان يتمنى في قرارة نفسه، لو يكون له مكان على ظهر السفينة، ولو لأي بلد في العالم00

وجاء الموعد المحدد لبدء الرحلة، فارتفعت الأعلام، وبدأت فرق الموسيقى،المحتشدة على رصيف الميناء، تعزف موسيقاها الجميلة المرحة وسط هتاف المودعين والمسافرين، وبدأ صوت المحرك يعلو ويعلو حنى أخذت السفينة تيتانك تتحرك لتبدأ أولى رحلاتها وسط هذا الاحتفال البهيج..

لم يكن اسم التيتانيك والذي يعني المارد، اسما مبالغًا فيه في تسمية تلك السفينة فقد اتصفت بثلاث صفات لم تتوفر بغيرها من السفن وهي: الضخامة، عدم القابلية للغرق والفخامة.

كانت السفينة تيتانيك اضخم سفينة ركاب شهدها العالم حتى الآن حيث بلغ وزنها 52310 طنا وبلغ طولها 882 قدما،وبلغ عرضها 92 قدما، ويمكنك تصور هذه الضخامة بشكل آخر فالسفينة تيتانك يمكن أن تعادل في ارتفاعها ارتفاع مبنى مكون من أحد عشر طابقا علاوة على طولها الكبير الذي قد يعادل أربع مجموعات من الأبنية المتجاورة.

كذلك لم يكن هذا المارد قابلا للغرق في نظر من صمموه فالسفينة ليست كغيرها من السفن حيث تنفرد باحتوائها على قاعين يمتد أحدهما عبر الآخر كما يتكون الجزء السفلي من السفينة من 16 قسما (مقصورة) لا يمكن أن ينفذ منها الماء وحتى لو غمرت المياه على سبيل الافتراض أحد هذه الأقسام فانه يمكن لقائد السفينة وبمنتهى السهولة أن يحجز المياه داخل هذا الجزء بمفرده ويمنعها من غمر باقي الأجزاء.

تمتعت السفينة تيتانيك بدرجة عالية من الفخامة لم تتوفر من قبل لاي سفينة ركاب. ويمكنك تصور مدى هذه الفخامة والروعة إذا عرفت أن ثمن تذكرة الدرجة الأولى لهذه السفينة قد يزيد عن دخل أي فرد من طاقمها طوال فترة حياته، وان كانت الدرجتان الثانية والثالثة على وضع اقل من الفخامة إلا انهما تعدان من أفضل وأرقى قاعات السفر عن مثيلتهما في السفن الأخرى.

وهناك قصة اخرى لم يلتفت اليها عند صدورها قبل اربعة عشر عاما من حدوث تلك الكارثة، وهي لكاتب امريكي مغمور يدعى مورغان روبرتسون كتبت عنها صحف عديدة حين صدرت من 16 فصلا في 33 صفحة عام 1898 بنيويورك.

كما أن نسخا أصلية منها موجودة للآن وعليها تاريخ صدورها.. القصة التي كتبها مورغان هي The Wreck of the Titan أو(حطام تيتان) التي تتحدث عن باخرة عملاقة وصفها منذ الصفحة الأولى بأنها (غير قابلة للغرق) لضخامتها واصطدمت بجبل جليدي في شمال المحيط الأطلسي، فغرقت بمعظم من كان عليها من ركاب، وهو ما حدث مع "تايتنك" تماما منذ 100 عام.

مقارنة لما حدث حقيقة وما حدث خيالا بين سفينة مورغان التي أبحرت في القصة من نيويورك الى مدينة ليفربول بانجلترا، وكانت الرحلة هي الثالثة لها منذ تدشينها، وبين (تايتنك) التي أبحرت بالعكس، أي من مرفأ (ثاوثهامبتون) بجنوب انجلترا الى نيويورك، وكانت رحلتها الأولى والأخيرة.

 كانت (تيتان) بطول 245 مترا وتزن 45 ألف طن، وكانت(تايتنك) بطول 269 مترا ووزنها 46 ألفا من الأطنان. وكانت (تيتان) بقوة 40 ألف حصان وتحتوي على 15 مانع للتسرب المائي، بينما كانت هناك 9 موانع في "تايتنك" البالغة قوتها 46 ألف حصانا. أما السرعة فكانت 25 عقدة لتيتان التي كان فيها صاريتان و3 مراوح و24 لتايتنك التي كان فيها الشيء نفسه أيضا.

 وشمل الشبه بين السفينتين أيضا حالات الذعر التي دبّت بين الركاب وهم يواجهون حتفهم، الى جانب أن الشهر الذي غرقت فيه (تيتان) الشبيه اسمها باسم (تايتنك) الى حد ما، هو أبريل/نيسان، وهو الشهر الذي غرقت فيه (تايتنك) أيضا، كما أن سبب الارتطام بالجبل الجليدي كان السرعة الزائدة للسفينتين اللتين فقدتا العدد الكبير من الركاب لعدم وجود قوارب كافية للنجاة.

يقول الدكتور أحمد عكاشة انه لا يوجد تفسير لما سماه (قدرة بعض الأشخاص على وعي المستقبل) وهي قوة موجودة لديهم لكن من الصعب تقديم الدليل عليها. وذكر أن هناك مختبرات لعلم النفس في روسيا والولايات المتحدة تجري أبحاثا على أشخاص لهم قدرات خاصة في استشراف المستقبل (لكنه يصعب عليهم تعليمها للآخرين).

 وتحدث الدكتور عكاشة عما سماه (الوعي الكوني (الموجود لدى بعض الأشخاص (وهو عالم لا حاضر فيه ولا مستقبل) وان مؤلف قصة (حطام تيتان) ربما كان منهم، وحين كتب عن كارثة خيالية في قصته أورد تفاصيل استمدها من ذلك الوعي وتحققت تلقائيا في غيرها بعد سنوات (وهذه قدرات يقر علم النفس بوجودها).

ويبدو أن الكاتب مورغان روبرتسون كان يعاني من مرض الصرع، وهو شائع أيضا بين الكثير من المشاهير عبر التاريخ، لأنه كان يتناول جرعات من محلول Paraldehyde المستخدم في علاج المرض.

ويكتبون أنه بسبب تناوله لجرعة كبيرة منه مات في غرفته بفندق كان يقيم فيه بنيوجيرسي، فتوفي في 1915 بعمر 53 سنة، أي بعد 3 أعوام من الغرق الحقيقي لأضخم سفينة بناها الانسان، فهل كان كاتب (حطام تيتان) يشعر بذنب ما مع كارثة (تايتنك) فتخلص من عذابه النفسي وانتحر؟

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 14/نيسان/2012 - 23/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م