العراق في انتظار المخلّص الموعود في اربيل

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: حفلت معظم الديانات في العالم بوجود فكرة النهايات للمسارات المعتادة والبدايات الجديدة عبر شخص يقود هذا التغيير.. وقد تعددت اسماؤه وصفاته، فهو (المخلّص – الموعود – المنتظر – المنجي - وهو النيل عند المصريين القدامى – وأخرى)، تمثلت في شخصية (كرشنا) و(رامي) عند الديانة الهندوسية - وبوذا عند الديانة البوذية - وزرادشت عند ديانة الفرس القديمة).. وتسميات اخرى حسب البيئات الخلاصية التي يوجد فيها.

وهذا الوجود تتفاوت درجات حضوره في الوعي الجمعي لإصحاب تلك الديانات، او فلسفات الخلاص وايديولوجياته، اضافة الى كيفية وجوده وظهوره.

في الديانات التوحيدية الكبرى يستمد المخلص والموعود والمنتظر وجوده من رؤى غيبية متعددة ومتواترة بشرت بها تلك الرؤى عبر نصوص مقدسة تسبقها ارهاصات تشكل بمجموعها وتراكمها الارضية التي يستند عليها المخلص عند ظهوره، او تكون دافعا لهذا الظهور.

وفي الديانات الوضعية استمدت تلك الوجودات او الظهورات من خلال ارث كبير ومتراكم من الاساطير والخرافات التي تقترب او تبتعد من رؤى الديانات التوحيدية بحكم الجوار الثقافي او الجغرافي للمجتمعات وبحكم التأثير المتبادل بينهما.

ورغم ان المخلص والموعود والمنتظر رغم اختلاف التسميات لحقيقة واحدة قد انبثق من رحم الدين، الا انه امتد ليشمل ايضا الافكار والنظريات والايديولوجيات وفي مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة.. واكتسب من خلالها تسميات جديدة (المنقذ – الألفية –المدينة الفاضلة - المصلح العالمي – نهاية التاريخ) وايضا تسميات عديدة اخرى.

ففي الفلسفة تسيدت فكرة اليوتوبيا او (المدينة الفاضلة) على تفكير الكثير من مفكري التنظير الفلسفي ونظر لها فلاسفة كبار منذ بواكير الوعي الفلسفي الاولى وحتى اليوم وبشروا بالرخاء والسلام للإنسان في عيشه المشترك مع الاخرين.

وفي الاقتصاد ظهرت الماركسية والشيوعية الاقتصادية عبر مخلصها (البروليتاريا) لتبشر بفكرة المساواة بين الجميع وانتفاء التفاوت الطبقي.. مثلما بشرت الرأسمالية بمخلصها ايضا عبر حرياتها الموعودة ورخاءها المنتظر (دعه يعمل، دعه يمر).

وفي السياسة شكلت فكرة المخلص عبر تجلياتها في صور الحكم، كثيرا من الالوان الدامية في لوحة الماسي الانسانية الكبرى، حين اتخذت طابعا متطرفا من التفوق والالغاء والاقصاء للآخرين وتفضيل عرق او قومية عليهم.

كانت النازية واحدة من تلك النظريات الخلاصية، وكان هتلر هو الموعود والمخلص للامة الالمانية الذي سيأخذ بيدها للخلاص من جميع ما تسبب باندحار الالمان في الحرب العالمية الاولى، وقد تبعه الملايين من الالمان حبا وايمانا بهذا المخلص او خوفا من غضبه وغضب اتباعه، وكان ما كان من تلك التراجيديا التاريخية الكبرى لانتحار المخلص وانتحار فكرته وامته.

العراقيون ومنذ بواكير وعيهم الاولى قبل الاف السنين أول من أوجد فكرة المخلص المنتظر، حيث ظلوا ينتظرون مطلع كل ربيع عودة الإله (تموز) من عالم الموت، ليخصب (عشتار) ويجلب لهم الربيع ومن هنا نشأت فكرة المخلص عند السومريين وتطورت من جيل الى جيل.

ويعتبر السومريون أول من نادى بها وثبتها وكان مهديهم المخلص هو (إيليا) ثم من بعده حفيده الإله دو مو سين (تموز) وهو أيضا مخلص العراقيين (الآشوريين والبابليين والأكديين)، سوى أنه يظهر مرة بإسم إيل وأخرى بإسم بعل.. والسينيون (اليزيديون) وهم الديانة الباقية من ذلك الزمن السومري السحيق لازالوا يؤمنون بهذا المخلص وينتظروه ولكن بإسم آخر (خضر الياس) أما (الصابئة) وهم الديانة الثانية بالقدم بعد السينيين (نشأت في منتصف الألف الثالثة ق. م)، تؤمن بمهدي منتظر هو السيد سيتيل (الإله سيت) وهو شيت إبن آدم عليه السلام وغالبا ما يرد إسمه بصفته العينية (عاذيمون) التي تعني إبن الإله.

عقيدة المهدي المخلص لازمت التدين العراقي منذ سبعة ألاف عام على الأقل، على اختلاف ممالكهم واطوار حضارتهم.

ليس غريبا ان يستمد السيد مسعود البرزاني هذه العقيدة من هذا التاريخ الطويل والقديم، ويروج لنفسه انه المخلص وهو الموعود للكرد، وليس الكرد العراقيين وحدهم بل لاكراد تركيا وسوريا وايران، عبر التذكير المستمر بدوره وبما قام به.

في كلمته بمناسبة اعياد نوروز قال السيد مسعود إن الكورد قبل أكثر من 2500 عام إنتفضوا ورفضوا الدكتاتورية، ومنذ ذلك الحين والى اليوم والكورد يواصلون الكفاح والمقاومة من أجل الحرية والتحرر.

وبين أن هذا بحد ذاته يحمل دلالات ومعاني كثيرة، إنه (يعني بأننا أمة حية ولا نقبل الذل والعبودية من أحد، إننا أمة يجب أن نتحرر ونعيش بحرية، وهذا درس بليغ لنا وللآخرين أيضا).

وهو اي السيد مسعود من تتوجه اليه جحافل المؤمنين برسالته التبشيرية ودوره الخلاصي، ففي نفس الكلمة يؤكد بارزاني أن (كثيرا من الأشخاص كانوا يتصلون ويطلبون منا كي نعلن اليوم بشرى كبيرة لشعب كوردستان، لذا إننا نطمئنكم بأن ذلك اليوم قادم إن شاء الله سبحانه كي تُعلَن فيه تلك البشرى، لكنها يجب أن تكون في وقت مناسب، ولكن كونوا مطمئنين بأن البشرى آتية لامحالة). 

وهي بشرى الخلاص التي يحملها السيد مسعود الى جميع الاكراد في العالم، والذي حسب تصوره انه الاجدر بقيادة هذا الخلاص، وانه القادر على تحديد ساعة الظهور لشخصه وفكرته.. وهو يذكر الاخرين ببعض من افكاره الخلاصية بين الحين والاخر,

فـ(الكل يدري بأن الكورد كان لهم دور رئيسي في إسقاط النظام وبناء العراق الجديد، وخاصة في تأسيس الحكومة الحالية والتي تشكلت قبل سنتين بناء على إتفاقية أربيل، فمن دون دور الكورد لتعرض العراق الى مهالك).

وهو المخلص العارف بكل شيء كما تقول احدى المؤمنات برسالة خلاصه التي يحملها (نحن نرى بأن مسعود برزاني رجل مسؤول ومناضل وهو رئيس إقليم كردستان وعندما يصرح يعرف ماذا يقول وهو رئيس إقليم منتخب وشخصية وطنية).

والحل لجميع قضايا العراق وعلى راسها قضية طارق الهاشمي، لا تكون الا عبر معادلة الخلاص البرزانية (ان حل قضية نائب رئيس الجمهورية المتهم بدعم الارهاب، طارق الهاشمي يأتي من خلال مقترح بارزاني بعقد اجتماع للرئاسات الثلاث).

والمخلص والمنتظر والموعود في اربيل يمتلك وحده سلطة القبول والرفض لما ومن يراه ضد فكرة الخلاص التي يحملها، وعلى الاخرين القبول بحيثياتها(اذا رفض المالكي الحضور والبدء الفوري في تطبيق الدستور والاتفاقات السياسية التي أدت الى تشكيل الحكومة فان الكرد يرفضون استمرار المالكي في رئاسة الوزراء)... ليتقدس اسمك ايها المخلّص، وبانتظار بشارتك الموعودة، وعلى الارض السلام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 12/نيسان/2012 - 21/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م