مزايا الحكم في التأريخ الاسلامي المشرق

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

شبكة النبأ: الحكم هو ادارة شؤون الناس بما يحفظ حقوقهم وحرياتهم ويضمن اداء واجباتهم حيال الدولة التي ينتمون إليها، وفي حالة فشل الحكم (الحكومات وحكامها) في ضمان حقوق وحريات المجتمع، فإن الاسباب تتمثل بتفضيل مصلحة الحاكم واتباعه على مصلحة الفرد والشعب عموما، لذلك لكل حكم وحكومة مزايا ونواقص، تتمثل المزايا بنجاح الحكومة في ادارة امور المجتمع، أما النواقص فتقود الى الظلم والقمع والتجاوز على حقوق الافراد لصالح الحاكم.

القائد السياسي النموذج

لقد كانت أمة الاسلام بحاجة الى القائد السياسي الاصلاحي النموذجي، وتمثل في بادئ الامر، بشخصية الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم، حيث الامتلاك الشامل والكامل لجميع الملكات والصفات التي تجعل من شخصيته نموذجية، لهذا يمثل درسا عظيما لكل الحكام والحكومات الاسلامية وسواها، من خلال تميزه بالتسامح والعفو والتوجيه والتنبيه والنصح والحرص على المسلمين، وترك حرية الخيار لعقل الفرد في تحقيق ما يصبو إليه من مسار، لهذا صار النبي الاكرم قائدا نموذجيا يستقطب الجميع حوله من خلال مزاياه العظيمة، لذلك نقرأ في كتاب (عبق المرجعية) أقوالا إيضاحية لسماحة المرجع الديني، آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي عن دور الحاكم الاسلامي ومزاياه وحرصه الكبير كما نلاحظ في بعض التساؤلات التي يطرحها سماحته: (هل رأيتم مثيلا لسلوك نبينا "صلى الله عليه واله وسلم" في التاريخ، يحاربه قومه مع ما يعرفونه من صدقه وامانته ونبله وكرم اخلاقه، بمختلف انواع الحروب القاسية، ويطردونه من موطنه ومسقط رأسه، ثم يتركهم احرارا، وما يختارون من دين وطريقة حياة!).

وهكذا كان الحاكم الاسلامي لا يمارس دورا قمعيا متعاليا مع شعبه، بل هو دور توجيهي تربوي اسلامي، يحرص على مصلحة الآخر قبل مصلحة الذات أو المقربين، كما يحصل في حكومات اليوم، حيث الحاكم يقدم مصالحه ومنافعه وذويه وبطانته، على مصالح شعبه، ناهيك عن عمليات القسر والاجبار التي يتعرض لها الناس، من خلال فرض الخيارات ومصادرة الحريات وما شابه، لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص في الكتاب نفسه: (كان الرسول "صلى الله عليه واله وسلم" يهدي قومه وينصحهم، ويوضح لهم طريق الرشد ويميزه عن طريق الغي، ثم يترك الاختيار لهم).

الحرية خيار وحق مكفول

لهذا كان الجميع احرارا في خياراتهم، مع توضيح المسارات السليمة لكي يكون الاختيار الفردي والجماعي صحيحا، بمعنى في غياب الاجبار هناك مساعدة على الاختيار السليم، ويبقى الامر في جميع الاحوال تابعا لحرية الاختيار، ولا اجبار على فكر او هدف محدد، وهذا ما جعل الحكومة الاسلامية وتعاليم الدين الاسلامي، تتقدم على التعاليم والافكار الاخرى في انسانيتها، لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد: (لقد رد النبي الاكرم "صلى الله عليه وآله وسلم" عشرات الحروب والاعتداءات التي شنها اهل الكتاب، دون أن يجبر احدا منهم على الاسلام).

ومما يؤكد حرية الاختيار الفكري او سواه في تعاليم الاسلام، أن أحدا من الكفار لم يُجبر على اعتناق الاسلام مطلقا، إذ يذكر لنا سماحة المرجع الشيرازي قائلا في هذا المجال: (لم يسجل لنا التاريخ حالة واحدة، أجبر فيها رسول الله "صلى الله عليه واله وسلم" ذميا على اعتناق الاسلام، والتاريخ حافل بسيرة المصطفى "صلى الله عليه وآله وسلم" سجل وحفظ الدقائق عن حياته).

حق المعارضة العلنية

وكان القادة العظام لامة الاسلام حريصين على حفظ حق المعارضة، ولدينا النموذج العظيم في هذا المجال وهو الامام علي بن أبي طالب عليه السلام، فلا يتم الاكتفاء بعدم انتهاج القسر والاجبار، بل يحرص الحاكم الاسلامي على معرفة معارضيه وآرائهم واسباب معارضتهم له، ليؤكد بأن منهج المعارضة للحاكم وحكومته مكفول في النهج الاسلامي، كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الجانب: (لقد بايعت الاكثرية المطلقة من الناس الامام علي "عليه السلام" ومع ذلك يصعد المنبر ليبحث ان كان هناك معارض له، وما هو سبب معارضته، هل تجدون لهذا نظيرا في التاريخ؟).

وهذا الاسلوب الرائع في الحكم يساعد على بناء اواصر الثقة المطلقة بين الحاكم والمحكوم، حيث تسود لغة التفاهم والتقارب بينهما، ويظهر الحرص المتبادل، والمحبة والصفاء الذي يحكم العلاقة بين الطرفين، فتقل المشكلات الاجتماعية والسياسية الى أدنى مستوياتها، بسبب حالة الوضوح في الرؤى المتبادلة بين الطرفين وتصاعد الحرص المتبادل، ناهيك عن عدم خوف الحاكم والحكومة من مواطنيها، فكل يؤدي دوره ازاء الاخر بما يؤكد القيام بالواجب المطلوب، ولهذا كانت الحكومات الاسلامية مستقرة وذات اعمار طويلة، كما يؤكد سماحة المرجع الشيرازي ذلك قائلا بهذا الخصوص: (نرى الحكومات الاسلامية حقيقة كانت تعمر طويلا، وذلك للحب المتبادل بين الامة وبين الحكومة، ولم يكن الرئيس يحتاج يوما ما الى أمن واستخبارات وحرس وما شابه حتى يحميه الناس).

إن المظاهر المسلحة التي تكتظ بها المدن والشوارع والساحات، دليل على ضعف الحكومات، لا سيما مواكب المسؤولين، حيث ترافقهم عشرات السيارات ومئات أو آلاف الجنود بأسلحتهم وعدتهم الكاملة، لحماية الحاكم او احد اتباعه، وهي حالة اصبحت سائدة ومنبوذة في وقت واحد، كما أنها دليل على خوف الحاكم من شعبه.

أما الحكومة التي تعمل لصالح الشعب كما يرى الاسلام، والحاكم الذي يأتي لخدمة الشعب قبل نفسه، فإنه محروس من قبل شعبه، والسبب هو حفظ حقوق الناس ومصالحهم، ومنها بل واهمها تقديم الضمان الاجتماعي الذي يحمي كرامة الانسان، وهذا ما حققته الحكومة الاسلامية بعد ان غاب الفقر تماما عن دولة الاسلام، كما ذكرت لنا كتب التأريخ عن حكومة الامام علي عليه السلام، لهذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلا: (لم ير التأريخ قبل الاسلام، ولم تسجل الحضارات بعد الاسلام، حتى اليوم ضمانا اجتماعيا، بعمق الضمان الاجتماعي في الاسلام).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 12/نيسان/2012 - 21/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م