الاقتصاد الامريكي... عملاق يشكو التقزم

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: يشهد الاقتصاد الأمريكي مؤشرات ايجابية في الآونة الأخيرة, إذ ازدادت التوقعات بتعافي الاقتصاد الأكبر في العالم وتحقيق معدلات أعلى للنمو. لكن على الرغم من ذلك فانه يواجه تحديات جديدة قد تبطئ من تعافيه مثل ارتفاع اسعار النفط الذي قد يوجه ضربة اخرى للاقتصاد الأميركي ولاوباما، وازدياد معدلات البطالة وانعدام الوظائف كلها مؤشرات عن تباطؤ الاقتصاد الأمريكي، وربما تزج بمزيد من الامريكيين إلى براثن الفقر بحسب الدراسات الاقتصادية الجديدة. كما هو الحال في استطلاع  جديد حيث يرى الأمريكيون بأن اقتصاد بلدهم مازال بحالة مزرية.

وتؤكد إلاحصائيات والأرقام الرسمية وغير الرسمية المتعلقة بسوق العمل في الولايات المتحدة نهوض الاقتصاد الأميركي بصورة تدريجية، لكنه يبقى ضعيفا ويتوقع ان يستعيد نشاطه بشكل بطيء في 2012. أما على المدى البعيد فيقول الخبراء بهذا الشأن من الضروري إجراء  "إصلاح أساسي" على نظام الضرائب الخاص بالشركات من أجل "تقوية الحوافز التي من شأنها تشجيع الصناعة والابتكار في الولايات المتحدة." وأن شركات أميركية كثيرة تشكو من كون النظام الضريبي الأميركي يشكل حوافز تدفعها على نقل عملياتها الإنتاجية إلى الخارج بدلا من صناعة منتجاتها محليا.

فيما يرى بعض المحللين بأن مكافحي الركود الاقتصادي قد خرجوا بالفعل الى بر الأمان، بينما يرى آخرون أن انكماشا اقتصاديا جديدا قد يحدث قبل الوصول الى ضوء في نهاية الطريق المظلم. وباتت هذه المسألة مثار جدل بين الخبراء والأشخاص العاديين على حد سواء.

تحديات جديدة

فقد أعلن وزير المالية تيموثي غايتنر أن الاقتصاد الأميركية عاود تحقيق النمو من جديد بعد أن مر بأسوأ انحسار يشهده منذ الكساد الكبير الذي شهده عقد الثلاثينيات من القرن الماضي. إلا أنه قال إن الاقتصاد لا يزال يواجه تحديات تعترض محافظته على الزخم التصاعدي، جاءت تصريحات غايتنر في كلمة له ألقاها في نادي نيويورك الاقتصادي في 15 آذار/مارس وطالب فيها "صناع السياسة بالاستمرار في العمل معا لجعل الاقتصاد ينمو بوتيرة أسرع في المدى القصير وبعدم التحول إلى تقييد مالي دائم، ومن أجل النمو على المدى القصير حث غايتنر الكونغرس على تمويل خطط الرئيس أوباما الرامية إلى إعمار البنية الأساسية ومساعدة شركات الأعمال الصغيرة والحيلولة دون الاستغناء عن خدمات المعلمين وأفراد الشرطة والإطفائيين وتسريحهم من العمل. وقال إن الحواجز (مانعة الصدمات) التي تساعد عادة على حماية الأسر والشركات الصغيرة من الانكماشات قد أُرهقت أو استُهلكت. وشدد على أن "الاستثمار في البنية التحتية هو أكثر برامج خلق فرص العمل والوظائف المتوفرة فعالية. فالاستثمار في البنية التحتية يساعد على زيادة الإنتاجية وعلى زيادة النشاط الاقتصادي ويخفض التكاليف على شركات الأعمال والأفراد. بحسب رويترز.

أما بالنسبة للمدى الطويل، فقال غايتنر، إنه يمكن تقوية الاقتصاد الأميركي بتحسين التعليم ودعم الأبحاث العلمية وتشجيع الاستثمار وزيادة الصادرات. وقال وزير المالية إن القوة العاملة الأميركية عانت من تراجع نوعية التعليم بينما عملت بلدان مثل الصين والمكسيك والبرازيل على تحسين قدرتها التنافسية، وعلاوة على تشجيع القطاعين العام والخاص على التعاون والعمل معا في مجالات البحث العلمي، قال غايتنر إن من الضروري إجراء  "إصلاح أساسي" على نظام الضرائب الخاص بالشركات من أجل "تقوية الحوافز التي من شانها تشجيع الصناعة والابتكار في الولايات المتحدة." وأشار إلى أن شركات أميركية كثيرة تشكو من أن النظام الضريبي الأميركي يشكل حوافز تدفعها على نقل عملياتها الإنتاجية إلى الخارج بدلا من صناعة منتجاتها محليا، وأكد غايتنر أنه في حين أن القاعدة الصناعية آخذة في النمو فإن هناك حاجة إلى فتح الأسواق الخارجية أمام المنتجات الأميركية. وقال "إننا نريد رؤية نصيب الشركات الأميركية من السوق الخارجية وقد توسع، ونود أن نرى تلبية حصة أكبر من الطلب المتزايد في اقتصادات السوق الناشئة بالأشياء التي نخلقها ونصنعها في الولايات المتحدة." وأضاف قوله إن "هذه الاستراتيجية الاقتصادية المنصبة على التعليم والابتكار والاستثمار في التجارة هي السبيل الواعد جدا بفرص اقتصادية أكبر ومعدل نمو اقتصادي أعلى، ويرى غايتنر أنه لا بد من أن ترافق جهود تحفيز الاقتصاد ضرورة عمل الحكومة الأميركية على إصلاح شؤونها المالية من خلال مزيج متوازن من زيادة الضرائب وتخفيض الإنفاق. وأشار إلى أن الزيادات الضريبية يمكن أن تستهدف الأثرياء الأميركيين الذين قال إنهم يدفعون ضرائب "بمعدل تاريخي قليل التأثير." أما تخفيض الإنفاق فيمكن أن يتم عن طريق الاقتطاع من الميزانية الدفاعية وإبطاء زيادة معدل الإنفاق على الرعاية الصحية والحفاظ على الضمان الاجتماعي، وحذر وزير المالية قائلا "لا نستطيع شق طريقنا إلى النمو. فالتدابير التقشفية الشديدة يمكن أن تسبب ضررا شديدا، ويرى غايتنر أن نهاية العام 2012 ستكون مناسبة مواتية للكونغرس كي يعالج القضايا المالية لأن العمل بالتخفيضات في الضرائب والإنفاق التي تشكل نسبة 5 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي الأميركي ينتهي في ذلك الموعد.

ارتفاع اسعار النفط

فيما يهدد الارتفاع الكبير في اسعار البنزين الانتعاش الاقتصادي الطفيف الذي حققه الاقتصاد الاميركي ما يمكن ان يبدد امال الرئيس الاميركي باراك اوباما في الاحتفاظ بمنصبه لفترة ثانية، وقد تمكن الاقتصاد الاميركي الذي اخذ في الانتعاش الضعيف بعد اربع سنوات من الركود، من تفادي الانعكاسات السلبية للزلزال والتسونامي اللذان ضربا اليابان، والثورات العربية وازمة الديون الاوروبية المستمرة، والان وبعد ان بدأت معدلات البطالة في الانخفاض، وبدأ الاقتصاد في تحقيق نمو، يمكن ان يوجه ارتفاع اسعار النفط ضربة اخرى للاقتصاد الاميركي الذي يعد الاكبر في العالم، وفي العام الماضي ارتفعت اسعار النفط الخام والبنزين بسبب عدة عوامل من بينها التوتر في ايران وسوريا وليبيا ونيجيريا وجنوب السودان، والضغط على مصافي النفط وتزايد الطلب العالمي على الوقود، وبالنسبة للاميركيين فان ذلك تترجم في ارتفاع اسعار البنزين بنسبة 12,5% - اي من 3,17 دولار للغالون العام الماضي الى 3,57 دولار للغالون اليوم، مما يعني ضغطا ماليا على العائلات الاميركية، ويرى الاميركي جوزيف لافورغنا كبير الاقتصاديين في بنك دويتشه ان ارتفاع اسعار الوقود هو "واحد من المخاطر الكبيرة على الاقتصاد هذا العام"، ويقدر لافورغنا وفريقه انه مقابل كل سنت من الزيادة في سعر البنزين، فان كلفة الوقود المستخدم منزليا تزداد بنحو 1,4 مليارات دولار، ويذهب معظم هذا المبلغ الى الخارج بدلا من ان يصب في الاقتصاد الداخلي، وبدأت مؤشرات تظهر على ان ارتفاع اسعار النفط بدأ يهز ثقة المستهلكين. وطبقا لمعهد غالوب وغيره من معاهد استطلاعات الراي، فان الثقة في الاقتصاد بدأت تتراجع بعد سلسلة من المكاسب المشجعة.

ويتوقع ان تتراجع اسعار النفط في الاشهر القليلة المقبلة مع دخول النصف الشمالي من الكرة الارضية فترة يقل فيها استهلاك النفط بين فصلي الشتاء والصيف، ولكن فترة الانخفاض هذه من المرجح ان تكون مؤقتة، وطبقا لاتحاد السيارات الاميركي، فان اسعار البنزين يمكن ان ترتفع الى 4,25 دولار للغالون بنهاية ايار/مايو، وهو ما يزيد كثيرا عن عتبة 4,00 دولار الرمزية التي يعتبرها العديد من الاميركيين مرتفعة، ومن المفارقات ان قوة الاقتصاد هي التي يمكن ان تكون مسؤولة عن ذلك، واوضح محللون في شركة جاي بي مورغان ان "تسارع الاقتصاد .. يمكن ان يدفع اسعار النفط الى الارتفاع خلال الاشهر ال12 الى 24 المقبلة"، واذا شكل ارتفاع اسعار النفط اخبارا اقتصادية سيئة للبلاد، فانها بلا شك تشكل اخبارا سيئة كذلك بالنسبة للرئيس اوباما من الناحية السياسية، وفي بعض الاحيان يرتبط الرضى عن اداء الرئيس بشكل قوي مع ارتفاع اسعار البنزين، كما حدث مع سلف اوباما الرئيس السابق جورج بوش. وفي حالات اخرى فان هذه العلاقة لا تكون بنفس القوة. الا ان القلق بدا على البيت الابيض. ويتوقع ان يعود اوباما الى التطرق الى مسالة سياسة الطاقة في خطابه في ميامي بولاية فلوريدا، وعلى اقل تقدير، فقد منح ارتفاع اسعار النفط اعداء اوباما السياسيين ذريعة لمهاجمته حتى مع انتعاش الاقتصاد، كما ادى الى اخماد تاثير الخفض الضريبي بمقدار 40 دولار في الشهر والتي دار خلاف كبير حولها.

وسعى الجمهوريون ميت رومني وريك سانتوروم ونيوت غينغريتش، الراغبون في الحصول على ترشيح حزبهم لخوض سباق الرئاسة، الى القاء اللوم في ارتفاع اسعار النفط على اوباما، واشاروا الى معارضة اوباما للحفر البحري للتنقيب عن النفط، ومد خط انابيب من كندا، اضافة الى دعمه وقف الخفض الضريبي لشركات النفط، وقالت ان هذه عوامل ساهمت في ارتفاع اسعار النفط، حتى ان غينغريتش وعد بخفض سعر البنزين الى 2,50 دولار للغالون، ويامل جميع المرشحين الجمهوريين في ان يؤدي موقفهم بشان الطاقة الى اغداق شركات النفط بالاموال عليهم مع مواصلتهم حملاتهم الانتخابية المكلفة، ورد البيت الابيض على ذلك الهجوم، حيث قال المتحدث الرئاسي جاي كارني بانه "لا توجد حلول سحرية لارتفاع اسعار النفط"، كما اتهم البيت الابيض الجمهوريين بالانتهازية السياسية، وقال كارني ان "الرئيس مدرك تماما .. لتاثيرات اسعار النفط العالمية على العائلات (الاميركية)، وهذا ليس امرا اكتشفته الادارة او تعيد اكتشافه كل فصل ربيع كما هو الحال عند بعض السياسيين"، الا ان ايد يارديني الاستراتيجي في مجال الطاقة في معهد يارديني يقول انه لا تزال لدى الرئيس اوباما بعض الخيارات لتخفيض الاسعار، وقال ان "ادارة اوباما بلا شك ستلجأ الى المخزون الاستراتيجي من النفط قريبا، اذا بقيت اسعار البنزين عن معدلاتها الحالية او اذا ارتفعت"، وفي حزيران/يونيو الماضي، امر اوباما باستخدام 30 مليون برميل من مخزونات النفط اثناء الحرب في ليبيا، مما ساعد على خفض استعار البنزين التي بلغت نحو 4,00 دولارات للغالون في ذلك الوقت، ورغم ان الولايات المتحدة ومعظم الدول الغربية لا تشتري كميات كبيرة من النفط الايراني، الا ان اية مواجهة مع طهران يمكن ان تؤدي الى ارتفاع كبير في اسعار النفط. ففي عام 1979 واجه الرئيس الاميركي السابق جيمي كارتر صعوبات في حملة اعادة انتخابه مع ارتفاع اسعار البنزين بسبب الاضطرابات التي اعقبت الثورة الايرانية، وقد ساهم ذلك في النهاية في اخفاقه في الحصول على ولاية رئاسية ثانية.

براثن الفقر

كما أظهرت دراسة نشرتها جامعة انديانا أن نحو عشرة ملايين أمريكي وقعوا في براثن الفقر منذ بداية الركود في الولايات المتحدة 2007-2009 ومن المتوقع أن يزداد العدد بسبب تباطؤ وتيرة التعافي الاقتصادي، وقالت الدراسة إن عدد الامريكيين الذين يعيشون في الفقر ارتفع الى 46.2 مليون في عام 2010 بزيادة 27 بالمئة من 36.5 مليون في عام 2006 وهو العام الذي سبق بداية الركود. وخلال نفس الفترة زاد عدد سكان الولايات المتحدة بنسبة 3.3 بالمئة، ويبلغ عدد سكان الولايات المتحدة حوالي 310 ملايين نسمة. ويعرف الفقر في الولايات المتحدة بأن يكون الدخل أقل من 22113 دولارا في السنة لعائلة من أربعة أفراد، وتستخدم الدراسة بيانات مكتب الاحصاء الامريكي لعام 2010 التي صدرت في العام الماضي بالاضافة الى أرقام حكومية أخرى. بحسب رويترز.

وكشفت الدراسة أن الفقر كان من المتوقع أن يزيد مرة أخرى في عام 2011 بسبب بطء وتيرة الانتعاش الاقتصادي واستمرار ارتفاع معدل البطالة وطول فترات البطالة، وقال التقرير انه برغم أن معدل البطالة الرسمي في الولايات المتحدة اخذ في الانخفاض فان هذا يرجع لحد كبير الى تنازل كثير من البالغين عن البحث عن وظيفة. وقالت الدراسة ان نسبة الذين يحصلون على عمل وهم في سن العمل قد تحسنت بشكل طفيف منذ انتهاء الركود في يونيو حزيران 2009.

وخلصت الدراسة الى انه اذا خسر العاطلون عن العمل لاجل طويل اعانات البطالة قبل أن ينتج الاقتصاد ما يكفي من فرص عمل مجزية فستواصل طبقات "الفقراء الجدد" الازدياد بشكل مطرد حتى عام 2017.

ما زال ضعيفا رغم تحسنه

في حين تؤكد الارقام الجيدة المتعلقة بسوق العمل في الولايات المتحدة نهوض الاقتصاد الاميركي بصورة تدريجية، لكنه يبقى ضعيفا ويتوقع ان يستعيد نشاطه بشكل بطيء ايضا في 2012، واعلنت وزارة العمل ان معدل البطالة في البلاد تراجع الى 8,5% في كانون الاول/ديسمبر الماضي، في ادنى مستوى له منذ شباط/فبراير 2009، وان الاقتصاد الاميركي وفر 200 الف وظيفة في خلال شهر، اي مرتين اكثر من تشرين الثاني/نوفمبر، وبعد ظهور عدد كبير من المؤشرات الاقتصادية الايجابية، تحمل هذه الارقام "ادلة اضافية على تحسن سوق العمل بما يتوافق مع تسارع الاقتصاد في النصف الثاني" من العام، كما لفت مايكل غابن الخبير الاقتصادي لدى باركليز كابيتال. لكن ما زال امام الولايات المتحدة تحديات عدة لمواجهتها، فتراجع البطالة يخفي واقع ان العديد من الاشخاص توقفوا تدريجيا عن البحث عن عمل في حين يفترض على عكس ذلك بعد نحو سنتين من بدء انتعاش سوق العمل رؤية عدد من العاطلين عن العمل ينضمون الى صفوف الفئات العاملة، اما بخصوص ايجاد وظائف، فقد اشار عدد من خبراء الاقتصاد الى انها ازدادت في كانون الاول/ديسمبر على الارجح بسبب التوظيفات الموقتة لنهاية العام. اما بالنسبة لكل الربع الاخير من السنة، فان تحسن سوق العمل تباطأ قياسا الى الفصل الثالث، واعتبرت جويل ناروف من مكتب ناروف ايكونوميك ادفايزرز ان "العمل هو لب المشكلة"، ولتأمين ما يعتبره خبراء الاقتصاد دورة النمو المثلى، يجب توفير عدد كبير من الوظائف وزيادة الاجور لحث الاميركيين على الانفاق. لكن في الوقت الحاضر لم يتوفر "الدليل على ان الاقتصاد هو على طريق توفير عدد اكبر من الوظائف"، كما قال نيغل غولت من مكتب "آي اتش اس غلوبال انسايت"، ويعتبر استهلاك الاسر المحرك التقليدي لنمو البلاد، لكنه يتعثر في استعادة هذا الدور بسبب استفحال التضخم ولان الاميركيين منشغلون في عملية تخفيف الديون بعد سنوات الاسراف التي ادت الى الازمة، ويعتبر مسؤولو الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي) ان هذه العملية ما زالت بعيدة عن الانجاز ويتوقع ان تستمر في اعاقة النمو في 2012. واذا كانوا يعولون على تباطوء ملحوظ للتضخم فان هذا التوقع لا يحظى بالاجماع. بحسب فرانس برس.

وفي الوقت الذي يتأكد فيه تباطؤ الاقتصاد العالمي كما اعلنت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، فان وضع الولايات المتحدة ما زال يبدو هشا. ولفتت في هذا الصدد اليزابيث ديوك وهي من حكام الاحتياطي الفدرالي، الى ان "الانعكاسات المحتملة لازمة الديون العامة في اوروبا تبقى مصدرا لقلق كبير"، وتفيد التحقيقات الاخيرة للاتحاد المهني اي اس ام ان الارتياب المحيط باوروبا يلقي بظلاله على قرارات الشركات بشأن الاستثمار، وبالتالي على الانتعاش الاقتصادي، ويأتي الخطر ايضا من الداخل خصوصا وان الكونغرس عاجز عن التفاهم على التدابير بهدف انعاش الاقتصاد والتي يعتبرها البنك المركزي ضرورية. وقد شدد الاحتياطي الفدرالي هذا الاسبوع على ان يقوم المسؤولون بمساعدة سوق السكن التي ما زالت صعوباتها تؤثر على الاقتصاد، والى كل ذلك، تضاف مشكلة "مثيرة للقلق الشديد" تتمثل في انتشار البطالة الطويلة الامد، كما قالت بيتسي ستيفنسون البروفسورة في جامعة برينستون ان انتعاش الاقتصاد الاميركي هو اليوم مثلما كان "طوال العام الماضي (...) ضعيفا".

الاقتصاد بحالة مزرية

في سياق متصل بعد ثلاث سنوات على الأزمة المالية التي دفعت بالولايات المتحدة إلى ركود عميق، يعتقد عدد كبير جدا من الأميركيين، (نحو 90 في المائة منهم) أن اقتصاد بلادهم لا يزال في حال سيئة، وفي استطلاع جديد للرأي أجرته شبكة CNN بالتعاون مع مؤسسة "أو آر سي،" يعتقد 90 في المائة من الشعب الأمريكي أن الأوضاع الاقتصادية لا تزال سيئة، وهي أعلى نسبة منذ تولي الرئيس باراك أوباما السلطة، والنظرة المتشائمة المستمرة، تشير إلى أن الأمريكيين يشعرون بالصعوبات الجمة، فنسبة البطالة عند 9.1 في المائة، والنمو الاقتصادي لا يكاد يتعافى، وسوق الإسكان لا تزال كسيحة، وعندما سئل المشاركون في الاستطلاع عن الإدارة الأمريكية المسؤولة عن الأوضاع، أجاب 52 في المائة منهم إن اللوم يقع على الإدارة الجمهورية السابقة برئاسة جورج بوش، بينما رأى 32 في المائة منهم أن السبب هو أوباما والديمقراطيين، وفي مواجهة تدني شعبيته وانتقادات الجمهوريين وحملة إعادة انتخابه، تحدى أوباما الكونغرس لوضع مصلحة البلاد فوق مصلحة السياسية، من أجل تمرير خطة ضخمة للوظائف. بحسب السي ن ان.

وقدم أوباما الخطة التي تتكلف 447 مليار دولار، وتتضمن تخفيضات ضريبية وإنفاقا جديدا لإنعاش سوق العمل الراكدة، ومواجهة البطالة التي وصلت معدلاتها 9.1 في المائة، وأمام جلسة مشتركة لمجلسي الكونغرس قال أوباما "إن شعب هذا البلد يعمل بجد لتلبية مسؤولياته، والسؤال هو ما إذا كنا سنلبي مسؤولياتنا.. السؤال هو ما إذا كان يمكننا التوقف عن السيرك السياسي والقيام بشيء لمساعدة الاقتصاد.

رفع سقف الاستدانة

الى ذلك اقر مجلس النواب الاميركي قرارا رمزيا يعارض رفع سقف الاستدانة في الولايات المتحدة الذي يطالب به الرئيس الاميركي باراك اوباما تفاديا لتخلف عن سداد ديونها بعد مهلة 27 كانون الثاني/يناير، واعطى النواب موافقتهم باغلبية 239 صوتا مقابل 176 على "قرار الرفض" لرفع سقف الدين المحدد حاليا ب15194 مليار دولار، وطلب الرئيس رسميا من الكونغرس رفع سقف الاستدانة لانه لم يتبق سوى مئة مليار دولار كهامش مناورة قبل بلوغ السقف المحدد، وبعد اسابيع من الجدل بين الجمهوريين في الكونغرس والبيت الابيض، ادى "قانون ادارة الميزانية" الى رفع اول لسقف الميزانية 400 مليالار دولار. وطرأت زيادة ثانية ب500 مليار دولار في ايلول/سبتمبر، ومن المتوقع اقرار رفع ثالث ب1200 مليار دولار للسماح للحكومة الفدرالية بتمويل نفقاتها حتى نهاية العام 2012 اي الى ما بعد الانتخابات الرئاسية، وقام مجلس النواب برفض هذه الخطوة. الا ان اوباما سيفرض الفيتو على قرار مماثل. وهذا القرار لن يحصل في كافة الاحوال على موافقة مجلس الشيوخ ذي الغالبية الديموقراطية. بحسب فرانس برس.

مشروع انبوب نفط عملاق

من جهته رفض الرئيس الاميركي باراك اوباما مشروع انشاء انبوب النفط العملاق "كيستون اكس ال" المثير للجدل بين الولايات المتحدة وكندا محملا خصومه الجمهوريين مسؤولية هذا القرار الذي تطالب به جمعيات بيئية، الا ان مجموعة "ترانس كندا" صاحبة المشروع اعلنت على الفور انها ستقدم نسخة جديدة لانبوب النفط، واعلن رئيس المجموعة روس غيرلينغ "سنقدم طلبا جديدا"، معربا عن امله في بيان في ان "تتم معالجة الطلب بسرعة بحيث يمكن بدء العمل في انبوب النفط في اواخر 2014"، من جهته، اعرب رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر عن "خيبة امله" للرفض الاميركي، وذلك في اتصال هاتفي مع اوباما، بحسب مصادر في مكتبه، وقال اوباما في بيان ان "هذا الاعلان ليس مرتبطا بخصائص الانبوب بحد ذاتها بقدر ما يتعلق بالمهل العشوائية التي تعيق وزارة الخارجية عن جمع المعلومات الضرورية للموافقة على المشروع"، وتحت ضغط انصار البيئة، اجلت الادارة الاميركية هذا المشروع الى العام 2013 لاجراء دراسة اضافية حول البيئة. لكن نهاية كانون الاول/ديسمبر، صوت الجمهوريون في الكونغرس على قانون ملزم لاتخاذ قرار حول هذا المشروع قبل نهاية شباط/فبراير، واضاف اوباما في بيانه "من المؤسف ان يكون الجمهوريون في الكونغرس وراء هذا القرار، لكن هذا الامر لا يغير التزام ادارتنا ازاء طاقة يتم انتاجها في الولايات المتحدة وقادرة على ايجاد وظائف والحد من اعتمادنا على النفط".

وكان من المفترض ان يغطي الانبوب مسافة 2700 كلم بين مقاطعة البرتا الكندية وخليج المكسيك بكلفة سبعة مليارات دولار. ومن شأن المشروع ان يستحدث 20 الف وظيفة وان يضخ 20 مليار دولار في الاقتصاد الاميركي، حسب مجموعة "ترانس كندا". لكن الجمعيات البيئية اعترضت على مثل هذا الانبوب مشيرة الى المخاطر البيئية التي يسببها، بالاضافة الى مصدر النفط الذي سيتم نقله والذي سيتطلب اعمال تنقيب تستهلك طاقة كبيرة وتنبعث عنها كميات كبيرة من غازات الدفيئة، ورد رئيس مجلس النواب الجمهوري جون باينر ان "هذه المعركة لن تنته بهذا الشكل، يمكنكم ان تطمئنوا الى ذلك. بحسب فرانس برس.

واضاف خلال مؤتمر صحافي ان "الشعب الاميركي لا يزال يطرح السؤال نفسه: اي الوظائف؟ لقد كان امام الرئيس فرصة لايجاد 20 الف وظيفة مباشرة،  واكثر من 100 الف بشكل غير مباشر لكنه رفض. لن نستسلم"، من جهته، اعتبر ميت رومني الذي يعتبر الاوفر حظا للفوز بتسمية الحزب الجمهوري من اجل خوض السباق الرئاسي في الولايات المتحدة ان هذا القرار "يثير الصدمة لكنه يكشف امورا ايضا". واضاف في بيان ان "الرئيس لا يبدي جدية كافية (في الجهود) من اجل الحد من البطالة واعادة النهوض الاقتصادي وتحقيق الاستقلالية في مجال الطاقة"، اما رئيس هيئة الدفاع عن الموارد الطبيعية وهي منظمة غير حكومية فاشار الى ان المشروع "رفض لاسباب وجيهة".واضاف في بيان ان "الرئيس اوباما وضع صحة وامن الشعب الاميركي ونوعية الهواء والتربة والماء ومصالحنا القومية فوق مصالح الصناعة النفطية".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 5/نيسان/2012 - 14/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م