العراق يكتب.. العراق يطبع.. العالم يقرأ

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: مشروع الكتابة وطبع الكتب وتوزيعها يستدعي توافر مقومات وقدرات معروفة، فإذا توافرت وتم التعامل معها بذكاء ومهنية وإصرار مسبق على النجاح، ستكون النتائج مضمونة حتما، من هذه المقومات، القدرة المالية، والقدرة التأليفية، والقدرة على الطبع والتوزيع، على أن يتم ذلك وفق تخطيط دقيق من لدن كفاءات متمرسة وخبيرة في هذا المجال.  

في العراق تتوافر هذه القدرات، وطالما أن الأزمنة والعصور والاحقاب تتغير، فإن ما يطبع تلك الاحقاب من شؤون وأفكار وشجون يتغير أيضا، وحينما شاعت في منتصف القرن الماضي المقولة ذائعة الصيت (مصر تكتب، وبيروت تطبع، وبغداد تقرأ) ربما كانت بعض مقومات الكتابة والطبع محدودة في العراق، لهذا السبب كانت بغداد سوقا رائجة للكتاب العربي أولا ثم الاجنبي، أما اليوم فلا يصح أن تبقى رؤى ومقولات الامس جاثمة على صدر الواقع الثقافي في العراق، بمعنى أوضح مطلوب استثمار المقومات المذكورة أعلاه، لاسيما أننا في العراق نمتلك المقومات المطلوبة لصناعة الكتاب والمؤلِّف معا.

الاموال المراد رصدها في هذا المجال موجودة بوفرة، الافكار الابداعية أو سواها موجودة ايضا، ويدخل ضمن الافكار، امكانية استقدام الطاقات الفكرية والادبية والابداعية عموما، من العالمين العربي والاجنبي عبر مشروع رصين خاص بالترجمة، ولكن يبقى اعطاء الأولوية للمؤلف أو الكاتب العراقي، وليس في هذه السياسة أيما ضير، كما أن نشر الكتاب وترويجه داخل العراق لابد أن يتمتع بالأولوية ايضا.

من الواضح أن مشروعا ينطوي على هذا الحجم من الضخامة، لا يستطيع القيام به أفراد أو منظمات صغيرة، ولابد لجهد الدولة المنظَّم أن يتقدم الجهود المعنية بهذا المشروع، ومن الأفضل أن يشترك الجميع في هذا الجهد، أهليون ورسميون، ولكن يبقى جهد الدولة المنظَّم والمسؤول واضحا في هذا المضمار، كما أننا لا ننسى أهمية دور القطاع الخاص وضرورة نهوضه بدوره الاستثماري في مشروع ضخم كهذا.

إن وضع تصورات أولى لتطبيق مقولة (العراق يكتب، العراق يطبع، العالم يقرأ) في هذا المقال، يمكن أن تكون بداية صحيحة للنهوض بهذا المشروع، فعالم اليوم كما نتفق لا يحتمل هدر الوقت ولا الافكار، وعالم اليوم محكوم بالعلم والادب ورواج الثقافة العالية، لاسيما أننا نعيش عصر معلوماتي لم يسبق له مثيل، وحينما يتلاقح العلم والفكر والادب مع سرعة التوصيل، فإن القاعدة العلمية الثقافية التي يرتكز إليها المجتمع سوف تتمتع بالقوة، وستكون اكثر انتشارا وأسرع وصولا الى الجميع، لهذا تبدو الحاجة الى تعاضد الجهدين الرسمي والاهلي للشروع بتحقيق مضمون المقولة أعلاه، ماسّة، بل واساسية، على أن يتقدم التخطيط  والدقة والمهنية وإناطة الادوار بصورة صحيحة، جميع الادوار الاخرى.

إن الطاقات الابداعية المتنوعة التي يزخر بها العراق، هي الحافز الاول لطرح مثل هذه التصورات، كما أن التسارع في تطور المجتمعات يفرض على العراقيين، (الحكومة والجهات المعنية، والنخب كافة) أن تفكر في ما يتناسب وسمات العصر الراهن، وطالما أننا بلد غني (بالاموال والابداع والفكر) فإن الارادة القوية والذكاء العملي والاخلاص للنفس، هو الذي ينقصنا لتحقيق مشاريع ضخمة من هذا النوع، وقد يقول قائل عندما نستكمل ترميم البنى التحتية والخدمات وما يحتاجه الانسان العراقي البسيط، يمكننا أن نفكر بمشاريع كالتي يطرحها هذا المقال، هذا الكلام صحيح وهو تساؤل مشروع، ولكن من دون بناء منظومة ثقافية فكرية راسخة يصعب تحقيق الهدف المادي الأول، فالتطور المادي وحده لا يبني مجتمعا ناجحا، لذا لابد أن تتقدم المشاريع الثقافية على غيرها أو يسيران معا في خطوات متوازنة ومتزامنة، وكلنا نتفق على أن الكتاب هو الوسيلة الاسرع لتحقيق التطور الثقافي، واعطاء العراق مكانته التي يستحقها عربيا وعالميا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 3/نيسان/2012 - 12/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م