أعلنت الحكومة البلجيكية الحداد الوطني العام على 28 شخصاً، بينهم
22 طفلاً، قضوا بحادث سير في أحدى المدن السويسرية أثناء عودتهم من
رحلة مدرسية، تسبب بمقتلهم مع مرشديهم. وتجدر الإشارة هنا الى أن معدل
القتلى بسبب حوادث المرور في سويسرا يبلغ 4.9 لكل 100 ألف نسمة، وهي
أقل نسبة في العالم أجمع، بينما في العراق فأن النسبة تبلغ 38.1 لكل
100 ألف نسمة!
ويوماً بعد يوم تتكشف حقائق كثيرة موضحة عن مآس كبيرة لحجم الكوارث
التي تتسبب بها الحوادث المرورية في العراق.. وحتى كتابة هذا المقال لم
تتوفر لدي إحصائية عن قتلى الحوادث المرورية في العراق لعام 2011 وعن
المصابين إلا إن أحد المواقع الإلكترونية كانت قد نشرت تصريحاً للسيد
وزير الصحة العراقي أوضح فيه أن 20 ألف مواطن قتلوا وأصيب نحو 80 ألف
بجروح مختلفة خلال عام 2010 بحوادث مرورية مختلفة في حين أن عام 2009
كان أقل نصيباً من دماءنا حيث قتل 21 ألف وجرح 75 ألف منهم الكثير ممن
أصيبوا بعوق دائم!
نتحدث هنا عن آلاف قد قضى نحبهم وعشرات الآلاف من الجرحى في الحوادث
المرورية ومن العراقيين في حين أن عدد شهداء العمليات الإرهابية لذات
العام بلغ 2792 شهيداً و 12 ألف جريح!! بما معناه أن قتلى الحوادث
المرورية أكثر من شهداء العمليات الإرهابية بسبعة أضعاف!! وعدد الجرحى
بستة أضعاف!!
المشكلة هنا بأن الجميع يشير الى أن اسباب الحوادث تكمن في عدم
التقيد بالضوابط المرورية في حين أننا، نكاد أن نكون جازمين، بأن السبب
الرئيس للحوادث المرورية لدينا هو ضعف الإجراءات المتخذة بحق المخالفين
مع ضعف النظام المروري بصورة عامة والمتضمن عدم وجود علامات الدلالة
كما أشار الى ذلك أحد مقدمي البرامج المرورية من رجال المرور قبل أيام
حين زار أحد الشوارع المهمة في أحد مناطق بغداد وبين أن الكثير من
المصدات والكتل الكونكريتية القاتلة التي لا تحتوي على علامات دالة أو
شارات مرورية فسفورية تنبه الى وجودها منعاً من الاصطدام بها بسرعات
عالية جداً.
كما أن ضعف تجهيز الشوارع الداخلية والخارجية بكاميرات المراقبة
وتجهيز سيطرات المرور بقارئات السرع مع تحديد السرع في الشوارع المهمة
والخطرة وبسرعات خاصة تجنب وتسهل عملية القيادة عليها تجنباً للحوادث
مع التنويه الى أننا لغاية اليوم لدينا شوارع باتجاهين وهذا أخطر ما
يواجهه سائقي العجلات في الشوارع الخارجية والتي لا تحتوي على معدات
إنارة كافية مع التلف الكبير في تلك الشوارع لكونها تستخدم لسير عجلات
النقل الكبيرة والتي تفوق حمولتها إمكانية تحمل الطريق مما تتسبب في
تدميرها حينها يتفاجيء مرتادوها بين الحين والآخر بتلك التغييرات
وتتسبب في إنحراف عجلاتهم عن الشوارع لتتسبب في مقتلهم وعوائلهم.
وفي مدينة الشعب لاحظ الكثيرون اللافتات التي تشير الى وفاة عوائل
كاملة أم وأب وابناء امتدت تلك اللافتات الى حي البنوك بسبب حادث مروري
على طريق كركوك أدى الى مقتل تلك العوائل التي كانت في طريقها الى
الاصطياف في الإقليم ولكن إصطيافها أضحى في مكان آخر، ولايمكننا مطلقاً
أن نلقي اللوم على أحد حتى السائق أو موثوقية العجلة إذا كانا قد حصلا
على شهادات تؤيد عن جدارة أهليتهما الكاملة!
كما ولا ننسى أن هناك طرقاً لدينا تسمى بطرق الموت، طريق الديوانية
ـــــ سماوة، وهي ليست لعبة من ألعاب البلي ستيشن، أنها حقيقية هذا
الطريق الجنوبي القاتل الذي يربط بعض محافظاتنا الجنوبية والذي ألتهم
الكثير من أرواح ابناء شعبنا.
والعاصمة أيضاً تفتقر الى العديد من مقومات الشوارع العالمية من حيث
علامات الدلالة والإرشاد المروري مع عدم وجود التحذيرات، الضوئية
والفسفورية، من النقاط الخطرة والتي تتمثل بنهايات الجزرات الوسطية مع
عدم إنتظام الشوارع ووجود العدد الكبير جداً من العجلات التي لا تحتوي
على أرقام وهي المرشحة للتجاوز على حقوق الأخرين والتسبب في الحوادث
ولا من سبيل لمنعها في حين أن من السهولة إصدار قراراً يمنع تجولها
بصورة مطلقة في كافة شوارع العراق ومصادرة كل العجلات بما فيها تلك
العجلات التي شوه سائقيها أرقامها بذكاء ليسهل لهم التجاوز وارتكاب
المخالفات مع أمور أخرى قد تصل الى حد الإرهاب! ناهيك عن قيام ((أطفال))
بقيادة السيارات الحديثة وسيارات النقل العام وأمام أعين رجال المرور
وبلا رد فعل يتناسب وحجم ما يتسببه أولئك (الزعاطيط) من إلحاق الأذى
بأبناء شعبنا.. هذا إذا ما تناسينا الكلف المادية الكبيرة المترتبة على
تلف العجلات.
ترى ما الفرق بين الإرهابي التكفيري القاتل وبين الإرهاب المروري
القاتل وما القياس الذي أعتمد في مكافحة الإرهاب عن تلك التي اتبعت في
مكافحة الحوادث المرورية القاتلة وما هي التخصيصات التي رصدت لمكافحة
الإرهاب عن تلك التي رصدت لمكافحة الحوادث المرورية.. شتان بين الأثنان
في حين أن التخصيصات التي يجب أن ترصد للحد من الحوادث المرورية يجب أن
تكون بسبعة أضعاف تلك التي تخصص لمكافحة الإرهاب!
نحن بحاجة لمؤتمر عام برعاية الحكومة وبحضور المعنيين بهذا الأمر
وخبراء أجانب في مجال تنظيم الطرق والإرشاد المروري والفضائيات
الحكومية والخاصة لمناقشة كل ما يعتري سير النظام المروري لدينا
والوقوف على أهم التحديات التي تقف أمام سلامة الشوارع العراقية
للتقليل من حوادث السير القاتلة المهلكة ولرصد التخصيصات التي تتناسب
وحجم مأساتنا التي نعاني منها أشد من معاناتنا من العمليات الإرهابية
المجرمة.
وقد يتساءل البعض، على الرغم من كل الذين استشهدوا والذين قتلتهم
الطرق الإرهابية، لماذا لم نعلن الحداد ؟ نقول نحن باقون في حداد دائم
وبعزاء دائم لا ينتهي حتى قيام الساعة لأننا.. كثيراً جداً ما نموت!!
zzubaidi@gmail.com |