شبكة النبأ: لا يزال المسلمون (طبقة
الجماهير) يخوضون صراعا مع أعدائهم، في الخارج والداخل، أما الخارج فهم
المستعمرون بمختلف أشكالهم وصورهم وأساليبهم المعروفة والخفية، ،اما
أعداء الداخل، فهم أذناب المستعمرين ونعني بهم الأنظمة السياسية
الفاسدة، التي تحكم باسم الشعب ولكنها تعمل لصالح القوى الكبرى التي
تستميت من اجل نهب وسلب خيرات المسلمين، فتعيش هي في ربيع دائم وعالم
مرفَّه، فيما يعيش المسلمون فقراء ضعفاء محرومين من أبسط حقوق الانسان.
سعة الصدر ومقارعة الاعداء
إن قراءة الواقع العالمي المأزوم، تتطلب رؤية عصرية ثاقبة، تتميز
بالواقعة التامة، بعيدا عن التخيّل او التوقعات غير الصحيحة، إذ ينبغي
التصدي لأعداء الاسلام انطلاقا من قاعدة واقعية بحتة، والتعامل مع
الامور بسعة صدر عالية، حتى تكون النتائج صائبة على جميع الاصعدة.
يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي
(رحمه الله)، في كتابه الثمين الموسوم بـ (الصياغة الجديدة): (يجب أن
تكون جماهير الأمة المؤمنة واقعية مع نفسها وفي رؤيتها ومنظارها إلى
الأحداث، وهذه الواقعية تكمن في أننا اليوم نخوض صراعاً مريراً لمواجهة
أعدائنا في العالم وعلينا أن نحسم المعركة لصالحنا بإعدادنا الجيد
لأنفسنا. إن بيننا وبين الإعداد حاجزاً سميكاً وهذا الحاجز يكمن في سعة
الصدر وضيقه فعلينا أن نربي أنفسنا على شرح الصدر: * ربي اشرح لي صدري*
- طه: 25-، وأن تكون قلوبنا منشرحة مع الأمة في العمل).
إن الصبر وسعة الصدر ينم عن قوة في الشخصية وايمان في الموقف
والمبدأ معا، ويدل على دربة ودراية في اساليب المقارعة المتنوعة، لذلك
تخشى الانظمة الفاسدة من الجماهير المدربة على نحو جيد على الصبر
واستقراء الواقع وحيثياته بصورة صحيحة، لذلك تبذل هذه الانظمة قصارى
جهودها لتفتيت لحمة الجماهير، لذا يقول الامام الشيرازي بهذا الخصوص: (إن
الأنظمة تخاف المجاهدين العاملين، وتخاف من الطلائع المؤمنة التي هي
طلائع الجيش الإسلامي المشيد لحكومة القرآن في العالم، فالأنظمة تعتبر
الأمة عدوها الأول والرئيسي فتحاول وفي كل يوم أن تفتت هذه الأمة. فعلينا
أن نستغل كل ساعة من ساعات حياتنا في مقاومة الباطل).
حماية عروش الطغاة
لذلك فإن الانظمة الفاسدة تستميت في حماية نفسها من السقوط، بغض
النظر عن الوسائل التي تلجأ لها، ناهيك عن اهدراها لمئات المليارات
كمصاريف للخبراء الاجانب وغيرهم، ولا تنفق هذه الاموال في مجالات
التنمية وتقليص مساحات الفقر وانتشال المحرومين من واقعهم المرير، بل
تذهب هدرا على مضاعفة السجون والزنازين وقمع الفقراء، لذا يقول الامام
الشيرازي: إن (الأنظمة تعمل الكثير في سبيل الحفاظ على عرشها إنها
تستورد الخبراء العسكريين، وخبراء الأمن، وخبراء التمييع والإفساد،
وخبراء التعذيب لمجتمعنا، وتبني السجون والمعتقلات لتحبس الثوار
المؤمنين).
لذلك يتطلب الامر جهودا استثنائية لانقاذ المسلمين من واقعهم
المتردي، ولن يحدث هذا، ما لم تكن الجهود جماعية وفردية في آن واحد،
بمعنى على الفرد أن يطور قدراته المتنوعة بالاضافة الى الجانب النفسي
والتعوّد على الصبر وانتهاج سياسية سعة الصدر كونها السبيل الى تحقيق
الاهداف المرجوة، كذلك يتطلب الصراع مع الانظمة الفاسدة نوعا من
المطاولة والاستمرارية في المقارعة، لأنها لا يصح أن تتحدد بزمن معين،
فالصراع كما يبدو مفتوح زمنيا، وعلى المسلمين ان يتحلوا بالارادة
القوية والفعالة والمؤمنة التي حملها العديد من افذاذ المسلمين، لذلك
يقول الامام الشيرازي بهذا الخصوص: (على الفرد منا أن يقوم بجهود جبارة
وأعمال بطولية تساوي أعمال وبطولات العشرات من أبناء الشعب الآخر حتى
يكون هذا العمل الخالص لله ثمرة نجنيها بعد حين بإذن الله تعالى، قال
تعالى: * إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة
يغلبوا ألفاً* -الأنفال: 65-).
تجنب الحزبية الضيقة
إن مرحلة الصراع الراهن كما يراها الامام الشيرازي، تدعونا الى تجنب
الحزبية والنظرات الضيقة، وتتطلب تجاوزا للخلافات، ونوعا رصينا من وحدة
الافكار والافعال معا، إذ يقول الامام في هذا المجال بكتابه المذكور
نفسه: (في هذه المرحلة يجب أن نترك ونتجنب النظرات الحزبية الضيقة،
ونترفّع عن الخلافات، ولو كانت هناك خلافات بيننا فيجب أن تتحول إلى
سلاح لأجل التغيير في مواجهة الأنظمة، وأن تكون قلوبنا مفتوحة للآخرين،
وأن لا نفرق بين هذا وذاك وأن يكون المقياس هو - التقوى- و-حسن الإدارة-).
لذلك ينبغي بناء مجتمع وقاعدة جماهيرية تتمتع بأعلى درجات الصبر
والتحمّل، بسبب طبيعة الصراع مع المستعمرين واذنابهم المتمثلين
بالانظمة الفاسدة، لذا يقول الامام الشيرازي: (إن المجتمع الذي يمتلك
سعة الصدر ويبحث عن الكفاءات والمقاييس الصحيحة ولا يبحث عن العلاقات
والارتباطات الحزبية الضيقة، هذا المجتمع يتقدم على ذلك المجتمع الذي
يفكر فقط وفقط في مصالحه الشخصية الضيقة. ويضيف الامام قائلا
أيضا: ينبغي (تربية الإنسان لنفسه على سعة الصدر، والتفكير الجدي وفي
مصلحة الآخرين في مصلحة أمته والعالم وقبل كل شيء في إسلامه وقيمه من
الأمور التي يجب أن يتحلى بها أبناء شعبنا بجميع فئاته وفصائله ففي ذلك
خسران العدو واقتراب نهايته بإذن الله تعالى).
رؤية للمستقبل المشرق
لذا ينبغي تجاوز الرؤية القاتمة للحاضر او المستقبل، بمعنى لابد أن
تتسلح الجماهير بروح الامل للقضاء على آخر أذناب الاستعمار، واطاحة
الانظمة العميلة التي تخدم اهداف الاجنبي على حساب الشعب، ولسنا بحاجة
الى القول بأن الفقر المدقع الذي يعيش المسلمون فيه، ما كان له أن يكون
موجودا وبهذه الدرجة العالية، لو لا سلب ونهب خيرات الجماهير بواسطة
الانظمة التابعة، وتحويلها الى بنوك وارصدة أربابهم الذي يديمون وجودهم
على عروشهم التي اصبحت الآن خاوية وآيلة للسقوط الحتمي، لذا لابد أن
تتسلح الجماهير بروح الامل في مقارعة اعداهم، إذ يقول الامام الشيرازي
بهذا الخصوص: (إننا نتطلع إلى مستقبل مشرق، وهذا المستقبل يتطلب منا
الوحدة والتعاون والتنسيق بين طاقاتنا الفكرية وقدراتنا المادية،
وتسخيرها في خدمة القضية الأساسية، وأن يكون ولاؤنا للقيادة الإسلامية
المرجعية التي تتصدى قيادة الحركة ضد الأنظمة ولاءً إيمانياً تابعاً من
الشعور بالمسؤولية الإلهية. فلتكن نفوسنا صبورة ورؤانا بعيدة، ولتكن
أهدافنا وتطلعاتنا سامية، حتى تكون شخصيتنا قادرة على استيعاب المجموع
وتجميع طاقاته وقدراته). |