القمة العربية بين الشعوب والأنظمة السياسية

 

شبكة النبأ: المواطن العربي منذ أن بدأت القمم العربية بالانعقاد الدوري، بقي ينظر إليها على أنها توافقات ذات طابع بروتوكولي بين الانظمة السياسية، وغالبا ما تنحو الى الشكلية، لأنها لم تحقق للجماهير شيئا ذا فائدة ملموسة، وبهذا صارت القمم تعقد سنويا بصورة آلية ينظر اليها الناس على أنها لقاءات تجمع بين الرؤساء والملوك والامراء العرب، من دون أن تأخذ في حساباتها مصالح عامة الناس التي تتصدى للمصاعب الحياتية الكثيرة التي تجابههم.

قمة بغداد لم تبتعد عن هذا التصور في توقعات الناس، عراقيين او عرب، فالعراقيون كما صرحوا مرارا في وسائل الاعلام، أكدوا على نواقصهم الكثيرة وقالوا أن هذه القمة لا تمتلك العصا السحرية التي يمكنها ان تغيير حياتهم نحو الافضل بين ليلة وضحاها، فيما كانت لبعض المراقبين والمحللين آراء متضاربة بشأن انعقاد القمة في بغداد، فمنهم من أشّر ترفّع بعض الانظمة العربية على حكومة بغداد حينما شاركت بمستوى أدنى من التمثيل الدبلوماسي او السياسي، وكأنها بذلك تحاول أن تسيء للعراق بهذا السلوك المعد سلفا، إذ شاركت دول عربية بوزير أو ممثل لها في هذه المنظمة او تلك، في اشارة الى عدم اهتمامها بانعقاد القمة في بغداد، في الوقت الذي تعد هذه القمة - لو انها تستثمر بصورة صحيحة-  فرصة لرأب الصدع بين العراق وحاضنته العربية، لاسيما بعد عقدين من العزلة والابتعاد العراقي عن محيطه، بمعنى كان من المفترض أن يكون التمثيل أعلى لكي يدل على اهتمام اكبر.

بالاضافة الى ذلك كانت هناك اشتراطات مسبقة لبعض الدول كي تشترك في هذه القمة، وهو امر لا ينم عن سلوك سياسي رصين، بل يدل على نوع من الاستغلال السياسي، مثال ذلك، عدم طرح قضية البحرين كشرط لحضور بعض الدول، وكانت الحكومة العراقية قد اضطرت للقبول بهذا الحال لكي تنعقد القمة في بغداد، كذلك الحال بالنسبة للوضع في سوريا، وهكذا اجتمع الترفّع مع الاستغلال السياسي غير المبرر، الامر الذي يدل على الاوضاع غير المتوازنة التي سادت هذه القمة، والتي تدل على أنها قمة أنظمة سياسية وحكومات، وليست أنظمة شعوب.

يبرر بعضهم قبول هذه القمة في العراق، كونها تساعد هذا البلد على العودة الى لعب دور اقليمي عربي مهم، ويقول بعضهم ان هذه القمة تعطي العراق وزنا دوليا مضافا، وقد يساعد ذلك على حلحلة بعض الاستعصاءات في العلاقات العراقية مع بعض الدول العربية، مثل امكانية خروجه من البند السابع، بعد تحسن العلاقات مع الكويت والعرب عموما، لكن الامر هنا يشبه المقايضة غير العادلة، لأن وقوع العراق تحت طائلة البند السابع لم تتم بسبب تصرفات الشعب العراقي، بل بسبب تصرفات النظام السياسي السابق الذي كان مدعوما من الكويت نفسها، ودول عربية اخرى معروفة، حيث أمدته بالاموال والدعم السياسي العالمي والعربي، ولكن بعد أن تقاطعت المصالح المشتركة بينهما، قام النظام السابق (بتوريط غربي) بغزو الكويت، وأسباب هذا الامر واضحة للجميع، فالشعب العراقي ليس له دخل في قرار اجتياح الكويت، ومع ذلك لا تزال حكومة الكويت تصر على إيذاء الشعب العراقي من خلال تكبيله بالبند السابع، لذا لا يصح أن نجعل من عقد القمة سببا لمراجعة حكومة الكويت لسياساتها تجاه الشعب العراقي، لهذا فإن التقارب الذي سيحدث اثناء القمة وبعدها (اذا حدث) هو تقارب رسمي، بمعنى تقارب مصالح بين الانظمة السياسية، الامر الذي يدل على أن هذه القمة، هي قمة حكومات ولا علاقة للمواطنين العرب العاديين بها.

وخلاصة القول، يحتاج المواطنون العرب عموما، الى قمم تمثلهم فعلا وتقرّب بينهم، وترفع الحواجز عنهم وتنظر الى مصالحهم الجوهرية، ولا يحتاجون قط الى قمم برتوكولية تعقدها الحكومات العربية بصورة دورية، آلية وشكلية، لا تخدم القضايا الاساسية للمواطن العربي، وهذا هو الذي اعتاده المواطنون العرب في عموم الدول العربية من نتائج القمم الماضية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 31/آذار/2012 - 9/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م