شبكة النبأ: بالرغم من التكلفة
الباهظة التي تكبدها العراق لتأمين انعقاد القمة العربية في بغداد، الا
ان تلك المناسبة تبدو محط اهتمام وضرورة لابد منها لدى أغلب العراقيين،
مراهنين على ذلك في عودة عربية دام انقطاعها لعقود خلت.
ويأمل العراقيون ان ينعكس كرم الضيافة وعلامات الترحيب بالوفود
الدبلوماسية المشاركة في اعمل القمة سببا في تجاوز اشقائه العرب الحاجز
النفسي والاجتماعي لعقدة ما بعد التغيير السياسي الذي حدث في عام 2003،
سيما ما يتعلق في تولي الاغلبية الشيعية قيادة الدولة العراقية التي
حكمها السنة منفردين منذ بداية تأسيس العراق.
فعلى الرغم من التأكيدات المتلاحقة التي تبديها القيادات الشيعية في
أكثر من مناسبة حول اشراك جميع مكونات المجتمع العراقي في أدارة السلطة
في العراق، لا يزال العرب يرون عكس ذلك، فيما لعبت التوترات والازمات
السياسية المستمرة في تعزيز ذلك الشعور.
وأبدت السلطات العراقية تفاؤلها بانعقاد القمة على الرغم من انخفاض
التمثيل الدبلوماسي للحكومات العربية، حيث رجح مشاركة عشر زعماء عرب في
اعمال القمة، فيما تأكد مشاركة جميع الدول المعنية فيها باستثناء سوريا
بعد تعليق عضويتها.
العراق يختبر عضلاته
وسيسعى رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لاظهار عودة بلاده
دبلوماسيا الى المنطقة عندما يجتمع زعماء في اول قمة عربية ببغداد منذ
عشرين عاما والقمة الوحيدة التي يستضيفها حاكم شيعي.
ومع انحسار العنف الناجم عن الحرب وانسحاب القوات الامريكية من
اراضيه يحرص العراق على تقديم نفسه كدولة اكثر استقرارا واعادة تأكيد
نفوذه في منطقة اغضب فيها صعود الحكومة التي يقودها الشيعة في العراق
جيرانه من دول الخليج العربية السنية.
وستهيمن الاضطرابات في سوريا على اعمال القمة التي تستمر ثلاثة ايام
بين القادة العرب المنقسمين بشأن كيفية الرد على العنف بين القوات
الحكومية والمعارضين الذين يحاولون الاطاحة بالرئيس بشار الاسد.
وسيتعين على بغداد الحذرة بشأن التركيبة الطائفية الدقيقة في
المنطقة ان توازن بين انفراجة ناشئة في العلاقات مع العرب السنة
المتشككين بشدة من علاقات العراق بايران ودعوات لها لاتخاذ موقف اشد ضد
سوريا الحليف العربي الرئيسي لطهران.
وتنعقد القمة أيضا في وقت حساس بالنسبة للمالكي الخارج من ازمة هددت
بافشال اتفاق تقاسم السلطة في العراق بين السنة والشيعة والاكراد وجددت
المخاوف بالمنطقة من احتمال انزلاق العراق مجددا الى العنف الطائفي.
وستطلع الشخصيات الكبيرة الزائرة على لمحة عن عراق انحسر صراعه
الطويل لكنهم سيرون ايضا عضو منظمة اوبك الذي لا يزال سكانه يكافحون
التهديد اليومي للتفجيرات ونقص الكهرباء وتداعي البنية الاساسية بعد
تسع سنوات من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة له.
وحولت الاجراءات الامنية المشددة بغداد الى متاهة من نقاط التفتيش
وحواجز الطرق مع نشر الاف من القوات الاضافية في محاولة لضمان عدم
اضرار المسلحين بالقمة من خلال التفجيرات او الهجمات بقذائف المورتر.
ويريد العراق تسليط الضوء على حضور المسؤولين حتى اذا لم يكونوا من
كبار القادة من دول سنية مثل السعودية وقطر في اشارة على التقدم في
العلاقات مع دول جوار حذرة منذ فترة طويلة من صعود الاغلبية الشيعية في
العراق منذ سقوط صدام.
وقال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري في بيان ان وجود دولة مثل
السعودية في بغداد امر بالغ الاهمية. واضاف ان ذلك يمثل تغيرا كبيرا
وقفزة كبرى بالنسبة للعراق. وارجأ توتر العلاقات مع الجيران السنة
القمة مرتين خاصة بشأن حملة لحكام البحرين السنة على المحتجين الشيعة
عندما ارسلت السعودية والامارات قوات للمساعدة.
وخلال الاسابيع التي سبقت الاجتماع قام العراق بحملة لتحسين
العلاقات مع الدول الخليجية. وعينت السعودية اول سفير لها في عشرين
عاما وتوصلت الكويت الى اتفاق بقيمة 500 مليون دولار لانهاء ازمة ترجع
لحرب الخليج بشأن الديون ودفعت بغداد 408 ملايين دولار للعمال المصريين
الذين فروا بعد اندلاع الحرب.
وستعقد القمة في وقت يزداد فيه تنافس القوى السنية وايران الشيعية
على النفوذ في الشرق الاوسط المنقسم على اساس طائفي بشأن الازمة في
سوريا والعقوبات الغربية على طهران. بحسب رويترز.
وقال ممثل السودان في الجامعة العربية كمال حسن علي ان من غير
المتوقع صدور قرارات كبرى في قمة بغداد لكن اكبر المكاسب هي عودة
انعقاد القمم العربية بشكل دوري بعد توقفها العام الماضي وأيضا عودة
العراق الى الساحة العربية.
وانفقت السلطات مئات الملايين من الدولارات على القمة الامر الذي
اغضب بعض العراقيين الذين لا يزالون يعيشون في ظل خدمات اساسية ضعيفة
وعدم انتظام امدادات الكهرباء ما يجبرهم على الاعتماد على المولدات.
واعلنت الحكومة عطلة مدتها خمسة ايام بسبب القمة لتخفيف الزحام
المروري. لكن متاهة نقاط التفتيش التي تغلق المدينة فعليا تجبر
الكثيرين على المشي بدلا من ركوب السيارات ويحبط حتى من اعتادوا على
التعامل مع المتاعب الامنية.
ولا يزال الامن مبعث قلق رئيسي حتى مع اغلاق المدينة. فجناح القاعدة
في العراق الذي لا يزال قادرا على شن هجمات رغم الانتكاسات التي تعرض
لها اعلن مسؤوليته عن عشرات الهجمات في انحاء البلاد الاسبوع قبل
الماضي قتل خلالها 52 شخصا بهدف تقويض امن القمة.
وتمنح القمة المالكي فرصة لدعم وضعه بعدما خرج من اسوأ ازمة سياسية
تمر بها البلاد خلال عام. وظهرت الازمة بعد ايام فقط من انسحاب اخر
جندي امريكي من العراق في ديسمبر كانون الاول.
وتفجر الخلاف بعدما سعى المالكي الى الاطاحة بأحد منافسيه السنة
وتهميش اخر في اجراء اعتبره كثير من العرب السنة محاولة لتعزيز سلطة
الائتلاف الشيعي الذي يقوده رئيس الوزراء على حسابهما.
وتراجعت حدة الازمة منذ ذلك الحين وتتفاوض الكتل السياسية الشيعية
والسنية والكردية بشأن اجتماع في الشهر المقبل بشأن حل الحلافات
المتعلقة بتقاسم السلطة والنزاعات على الاراضي والسبيل الامثل لاقتسام
ثروة البلاد النفطية.
وقالت جالا رياني المحللة في مؤسسة كونترول ريسكس "اذا تمكنوا من
انجاز هذا (حل الخلافات) فسيكون ذلك دعم كبير لشرعية الحكومة. هناك ضغط
كبير على الحكومة وهناك سخط كبير بين العراقيين العاديين."
حفل تعارف لكن لا احد ينام في بغداد
الى ذلك يرى محللون ان الاولويات على جدول اعمال القمة تغيرت لكن
احتمالات الخلاف بين الزعماء باقية بما يقلل فرصة اتخاذ قرارات حاسمة
ويجعل مجرد الحفاظ على الاستقرار انجازا.
وقال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري ان عدد الزعماء المؤكد
حضورهم يتراوح بين ثمانية و12 زعيما عربيا. وقالت السعودية ان مندوبها
لدى الجامعة العربية سيرأس الوفد السعودي في القمة.
وكان من المقرر عقد القمة الدورية الثالثة والعشرين العام الماضي
لكنها تأجلت بسبب الانتفاضات التي اجتاحت عددا من الدول العربية. ويقول
المحلل السياسي الفلسطيني سمير عوض ان القمة "ستكون حفلة تعارف لان
الوجوه التي كانت تأتي من ثلاثين سنة تغيرت. هناك وجوه جديدة."
واطاحت انتفاضات الربيع العربي منذ مطلع العام الماضي بزعماء تونس
ومصر وليبيا واليمن وفتحت الطريق امام صعود تيار الاسلام السياسي. وفي
المغرب فتح الملك محمد السادس نفسه الطريق امام حكومة اسلامية لتولي
السلطة في البلاد.
ويرى المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية المغربي منار السليمي
ان جدول الاعمال سيشهد ملفات صعبة في ظل هذه التغيرات الدولية
والاقليمية. وقال "أعتقد أن قمة بغداد هي من أصعب القمم التي تواجه
العرب على اعتبار تغير خارطة النظام الدولي والتحديات الاقليمية... ثم
التحدي المتعلق بمتغيرات الربيع العربي. "سيكون هناك تحد مطروح عن
كيفية اجراء بعض الاصلاحات السياسية داخل العالم العربي."
واضاف "من مخاطر هذه القمة أن تقع خلافات حول الزعامة.. نلاحظ هناك
قطر التي تريد الزعامة.. السعودية.. مصر التي تعود الى الزعامة..ولهذا
الاختلاف مخاطره. "انها قمة اما أن يولد معها عالم عربي جديد أو تنشأ
عنها مجموعة من الكتل."
ومن المؤكد ان تغير الاحداث المتلاحقة في المنطقة من ترتيب جدول
اعمال القمة. ويقول نبيل بومنصف المحلل السياسي والكاتب في جريدة
النهار اللبنانية "اصلا قبل الربيع العربي كان الصراع العربي
الاسرائيلي بدأ يغيب لمصلحة الصراع العربي الايراني والان لا الصراع
العربي الاسرائيلي ولا الصراع العربي الايراني حاضران في اولويات هذه
الشعوب."
وكتب طلال سلمان رئيس تحرير صحيفة السفير اللبنانية "تدل السوابق أن
مؤسسة القمة قد فقدت وظيفتها كاطار استثنائى جامع لاهل النظام العربى..
فلم يعد العرب عربا. ولم تعد القواسم المشتركة قائمة ومعتمدة ولو بحدها
الادنى.
"صار الاسلاميون بأنواعهم اخوانا وسلفيين وأصوليين قد يلامس بعضهم
حدود "القاعدة".. أكثرية نافذة وتجاوزوا بمبادئهم وطروحاتهم القومية (أى
العروبة) ولسوف يحاولون بالتأكيد أخذ القمة الى سياق اخر مختلف عما
كانت تشهده رحابها من تجاذبات.
"ومن أسف أنه لم يعد ممكنا اعتبار القمة ساحة صراع بين العروبة
والاسلام السياسى.. فالعروبة مهزومة والاسلاميون على صهوة جواد
الانتصار وربما خطر فى بال المؤتمرين أو بعضهم تغيير التسمية ذاتها او
وظيفة الجامعة ومن ثم القمة."
ويقول المفكر والكاتب السياسي الكويتي محمد الرميحي ان "اهم الملفات
محاولة لعودة العراق الى الفضاء (العربي) وهي مشروطة بالوفاق الداخلي
في العراق."
وانفقت الحكومة العراقية ملايين الدولارات على الاستعدادات للقمة
وفرضت اجراءات امنية مشددة حولت بغداد لما يشبه قاعدة عسكرية تحسبا لاي
هجمات من الجماعات المسلحة الحريصة على التشكيك في قدرة السلطات على
القبض على زمام الامور بعد تسع سنوات من الاطاحة بصدام.
لكن اوضاع العراق ربما كانت سببا ضغط على جدول الزعماء الذين
سيستغرق اجتماعهم انفسهم نصف يوم الخميس القادم. وقال مسؤول لبناني
كبير طلب عدم ذكر اسمه "القمة وقتها قصير لدرجة ان احدا لن ينام في
بغداد."
وقال "والارجح أن تظل محركات الطائرات حاملة الضيوف شغالة." وسيسير
المالكي على خط دقيق اثناء القمة بين دول عربية تريد دعما اكبر
للانتفاضة في سوريا وبين موقف ايران التي يرتبط معها بعلاقات جيدة في
حين تدعم طهران الرئيس السوري. ولم توجه الدعوة لسوريا للمشاركة في
القمة.
وقال الرميحي "لن تتخذ قرارات حاسمة في اي ملف لان مستوى الوفود من
الدرجة الثانية والثالثة وبالنسبة لسوريا لن تكون هناك نتائج بسبب
الضغط الايراني على العراق الذي لا يريد ان يفقد الوفاق الايراني قبل
ترتيب وضعه عربيا."
وقال كمال حسن علي سفير السودان بالقاهرة ومندوبها الدائم لدى
الجامعة العربية واحد افراد وفد السودان في القمة "خلافات المعارضة
السورية تجعل الكثير من الدول العربية مترددة في الاعتراف بالمجلس
الوطني السوري كممثل للشعب السوري."
وتوقع حسين هريدي مساعد وزير الخارجية المصري السابق ان "التوقعات
بشأن الوضع في سوريا لن تخرج عن دعم القمة لجهود كوفي عنان كممثل مشترك
للجامعة العربية والامم المتحدة بشأن الازمة السورية والدعوة لوقف
العنف وتوصيل المساعدات الى المدن السورية."
وعلى الصعيد الفلسطيني توقع المحلل جورج جقمان ومقره رام الله "ليس
هناك مبادرات فلسطينية حالية نحن الان في فترة فراغ سياسي... بانتظار
الانتخابات الامريكية... الان مرحلة استقطاع للوقت فلسطينيا من منظور
القيادة الفلسطينية على الاقل."
وتساءل المحلل السياسي عماد جاد من مركز الدراسات السياسية
والاستراتيجية بصحيفة الاهرام المصرية عن "أي نجاح يمكن أن يكون للقمة.
انتهت حقبة الدول العربية التي كان يمكن أن تكون سببا في نجاح قمة
عربية. "نجاح القمم كان يعتمد على توافق الكبار وهو غير موجود الان.
مصر مشغولة بأوضاعها الداخلية. سوريا نفس الشيء ومشتبكة مع دول عربية
أهمها السعودية." وتابع "هذه الدول الثلاث هي التي كانت تتسبب في
النجاح النسبي للقمم العربية. هناك اجمالا حالة عجز عربي عام." |