الاقتصاد الأمثل في المنظور الاسلامي

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: لا ريب أن نجاح الاقتصاد لبلد أو أمة ما، يتطلب تخطيطا علميا سليما، مع توفير الآلية التنفيذية السليمة، لتحويل التخطيط الى منجز اقتصادي يُشار له بالبنان، فهناك نوع من الترابط بين عنصري التخطيط والتنفيذ في المجال الاقتصادي، وفي جميع الحالات يعود الامر لصنّاع القرار، أو القادة، فهم الذين يتحكمون بعمليتيّ التخطيط والتنفيذ، لاسيما فيما يتعلق بالافراد والعقول والكفاءات الصحيحة والمناسبة لانجاز هذا العمل أو ذاك.

الحاجة الى التطبيق السليم

 إن الجانب التنفيذي يحتاج الى قدرة على التطبيق الصحيح للفكر، بمعنى لو أننا أردنا تطبيق الفكر الاسلامي بخصوص الاقتصاد، لابد أن يكون التطبيق سليما، سواءا في الامور الصغيرة او الكبيرة، فالقضية تستند الى المبدأ وضرورة تطبيقه في جميع الحالات، لذا يقول سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (السياسة من واقع الاسلام) في هذا المجال: (كان أمير المؤمنين عليه السلام يطبق الإسلام تطبيقاً دقيقا في الأمور الصغيرة والكبيرة، لأن الأمر الصغير كبير إذا كان حكم الله، والكبير كبير لأنه حكم الله. فالمقياس حكم الله، وبحسابه يكون كل شيء منتسباً إلى الله تعالى كبيراً. بهذا المنظار الواقعي العميق كان أمير المؤمنين علي عليه السلام يقيم سيرته مع الناس وفي مختلف أدوار الحياة، كما كان عليه السلام هكذا دقيقاً وعميقاً في حياته الشخصية).

كذلك فإن العقل الاقتصادي وحده قد لا ينجز المهمة الاقتصادية المطلوبة بنجاح، اذا كان الفرد لا يحمل بعض الصفات المهمة والاساسية في التفكير والعمل، ومنها على سبيل المثال سمة الحرص التي يجب أن يتحلى بها رجل الاقتصاد او المسؤول السياسي الذي يوجّه القائمين على هذا الجانب تخطيطا وتنفيذا، بمعنى القائد الاعلى كرئيس الدولة أو رئيس الوزراء حسب نوع النظام السياسي، والحرص هنا يعني عدم التجاوز على المال العام مهما قل أو كبر حجم التجاوز. إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد بكتابه المذكور نفسه: (جاء في كتاب – المناقب-لابن شهر آشوب قدس سره عن ابن مردويه قال: «وسمعت مذاكرة: إنّه عليه السلام دخل عليه عمرو بن العاص ليلة وهو في بيت المال، فطفئ السراج، وجلس في ضوء القمر، ولم يستحلّ أن يجلس في الضوء من غير استحقاق» أترى كم كان يصرف من الزيت هذه اللحظات التي كان يكلّم فيها عمرو بن العاص؟ إنه شيء يسير جداً. ولكن علي بن أبي طالب عليه السلام أُسوة وقدوة، فإذا كان واقعياً دقيقاً إلى هذا الحدّ في أموال المسلمين، فلا تصل النوبة إلى ما وصل اليوم إليه بعض رؤساء بلاد الإسلام الذي يبذر المليارات.. وعشرات المليارات من أموال المسلمين اعتباطاً وسرفاً).

العلاقة بين السياسة والاقتصاد

ولعلنا ندرك أن نجاح الاقتصاد لبلد ما يؤدي الى سياسة ناجحة وبالعكس، بمعنى هناك جدلية متبادلة بين الجانبين السياسي والاقتصادي، لهذا يندر في الحكومات القمعية او المتخلفة وجود اقتصاد قوي، فحين تسوء السياسة يسوء الاقتصاد والعكس يصح بطبيعة الحال، لذا يستدعي الحال وجود نوع من التوازن الاقتصادي الداعم للسياسة الجيدة، وقد أثبتت تجارب المسلمين فيما سبق، على نجاح الدولة الاسلامية في القضاء على الفقر على الرغم من سعة أراضيها، لذا يذكرنا سماحة المرجع الشيرازي بقول للامام الصادق عليه السلام بهذا الخصوص: (قال الإمام الصادق عليه السلام : «الاقتصاد هو الكسب كله». إنّ الاقتصاد لـه الأهمية الكبرى في السياسة، وكلما كان التوازن الاقتصادي أقوى كانت السياسة أكثر سداداً ورشداً. فلننظر إلى الإسلام كيف جعل من الدولة الإسلامية البعيدة الآفاق، الشاسعة الأراضي، الكثيرة النفوس، أُمة غنية كاد أن يصبح الفقر فيها خبراً لكان).

وكمثال على نجاح التطبيق الاسلامي للاقتصاد الناجح، يأتي لنا سماحة المرجع الشيرازي بمثال عن افريقيا، التي ينخرها الجوع والمرض والتخلف حاليا، على الرغم من ثرواتها الهائلة، لكن وضعها في ظل الاسلام لم يكن كحالها اليوم، لقد كانت افريقيا الاسلام تنعم بالغنى، لا لشيء بل بسبب السياسة الاقتصادية الصحيحة للحكومة الاسلامية آنذاك، لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص: (القارة السوداء لا تزال حتى اليوم ـ رغم كل التقدم الاقتصادي في مختلف الميادين في العالم ـ ترزح تحت وطأة الجوع والفقر والبؤس، والتي يموت فيها المئات والألوف. هذه القارة التي تربض على مخازن الثروة الضخمة، والتي يسرق الطغاة في العالم ثرواتها دون أن يعطوها خبزاً وقمحاً يسدان الجوع. هذه القارة كانت ـ قبل أكثر من عشرة قرون ـ تنعم بالغنى والثروة نتيجة حكم الإسلام عليها).

الاسلام والقضاء على الفقر

إن الاقتصاد في المنظور الاسلامي، يهدف الى القضاء على الفقر كليا، من خلال التخطيط السليم من لدن الكفاءات المختصة العالية، والعقول التي تتمكن من اتقان العمل التخطيطي المناط بها، وليس كما هو الحال واقعا، حيث يهمّش ذووا الكفاءات ويسيطر الجهلاء على المناصب الكبيرة، مقابل تردي متواصل لأوضاع الامة اقتصاديا ثم سياسيا أو العكس، لذلك فالاقتصاد في المنظور الاسلامي يضع كل ذي موهبة وقدرة في مكانه المناسب، مع تنفيذ دقيق للخطط الموضوعة، لأن الرجال المكلفين، هم من الحرص ومخافة الله بحيث ينجحون في مهامهم نجاحا كبيرا، لذلك يتساءل سماحة المرجع الشيرازي بهذا المجال قائلا: (هل رأى العالم أو قرأ أو سمع نظاماً اقتصادياً يستطيع أن يقتلع جذور الفقر عن الناس حتى يكون من بواعث العجب والدهشة رؤية فقير واحد في طول البلد الإسلامي وعرضها، ولو كان ذاك مسيحياً غير مسلم؟ وهل استطاع العالم المعاصر، والتجارب الاقتصادية الكثيرة من وضع نظام اقتصادي كهذا؟ والجواب على ذلك كله: النفي طبعاً. فاليوم وقد بلغت الحضارات قمتها، والأنظمة الاقتصادية ذروتها، لاتكاد تجد بلداً واحداً إلا والفقر قد نشر أجنحته السوداء، والفقراء ملأ الأرض، والجوع والحرمان شملا الشرق والغرب والجنوب والشمال).

لذلك نلاحظ أن أغنى البلدان في العالم تنطوي على الفقر، ويوجد فيها فقراء، والسبب هو التطبيق الاقتصادي الخاطئ، ووضع الفوارق الطبقية بين شرائح المجتمع الواحد، أما الاسلام فهو يرفض الطبقية، ويدعو الى المساواة في الفرص وغيرها، ويؤكد على سلامة عقول ونوايا الافراد لتحقيق الهدف المنشود من التخطيط الاقتصادي الجيد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 29/آذار/2012 - 8/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م