خارطة الدولة الكردية والحقوق التاريخية

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: دائما ما تثار كلمات مثل (الحقوق التاريخية) او (سكان البلاد الاصليين) وغيرها من كلمات في معرض الحديث عن حقوق للاقليات في خصوماتها مع الاكثريات في اي دولة من دول العالم، او في معرض الحديث عن الاضطهاد العرقي والقومي والديني.

وكثيرا ما تختبيء خلف تلك الكلمات اهداف سياسية او ايديولوجية، او طموحات قومية، كما في حالة العرب مع امريكا حين يتم الحديث عن ان الهنود الحمر هم سكان امريكا الاصليين، والحديث عن ان العرب هم سكان فلسطين الاصليين، وهي كثيرا ما ترتبط بهذا الحيز من المؤامرة وهذه المساحة من الطعن في الشرعيات القائمة وغيرها من ارتباطات تكشف عن عمق الانحطاط في العقل السياسي والفاعلين السياسيين.

دعوة السيد مسعود البارزاني الاخيرة، لكنها المستمرة منذ العام 2003 واحدة من تلك التهريجات السياسية لانحطاط العقل السياسي في تنظيراته، او محاولة قسر الواقع لمتطلبات ذلك الانحطاط.

الدولة الكردية التي ينادي بها السيد مسعود البارزاني لا تخلو من الارتباطين اللذين ذكرنا (المؤامرة – الشرعية القائمة) وهي نوع من المناكفة السياسية التي يراد منها تحقيق مكاسب اضافية للاكراد على حساب الاخرين مع الوعي الدفين باستحالة تحقيق واقامة تلك الدولة حسب مقولة الحقوق التاريخية التي كثيرا ما ترد في الحديث عن حدود تلك الدولة وامتداداتها الجغرافية.

على مدار التاريخ البشري قامت الكثير من الامبراطوريات والدول، انهار ما انهار منها، وبقي مابقي منها بشكل مغاير لنشأتها وقيامها.

حسب هذا المنطق، يجب ان تعود امريكا الى الهنود الحمر ويتم تنحي اوباما عن سدة الرئاسة ويعتلي هندي احمر سدة حكمها، او يجب ان تعود امريكا الى المهاجرين الاوائل الذين استوطنوها والذين قدموا من بريطانيا ومن بعدهم وصل الفرنسيون ومن ثم الهولنديون والسويديون وغيرهم.. او تعود حسب الاسطورة البارزانية الى كولمبوس والى الاسبان تحديدا.

ابراهيم الخليل (ع) الاب الروحي لديانات العالم التوحيدية، عراقي الولادة والاصل ولا يستطيع احد ان يجادل بهويته العراقية، وقد بنى الكعبة المشرفة التي هي قبلة المسلمين في العالم ومهوى افئدتهم، بالمنطق البارزاني، يجب ان تعود الكعبة الى العراقيين بحكم الحقوق التاريخية للورثة الجغرافيين.. وقريبا من ذلك ان تعود مدينة الاسكندرية المصرية وعشرون اسكندرية اخرى بناها الاسكندر المقدوني الى اليونانيين.

وان تعود مصر باكملها الى الاقباط لانهم الاقدم وجودا فيها من المسلمين، وان تعود كثير من دول اوروبا وافريقيا الى تونس لان هانيبال القرطاجي قد حكمها في فترة من فترات التاريخ.. وان تعود اسبانيا الى دمشق عاصمة الخلافة الاموية لانها حكمت من قبل اخر اموي هارب.

وان تعود كثير من الدول تحت حكم بغداد الان لان الخلافة العباسية قد امتد حكمها الى الكثير من بقاع العالم... تبدو رحلة الحقوق التاريخية مشوشة لكثرتها ولعدم القدرة على الاحاطة بها.

نعود الى حديث الدولة الكردية والى الحلم الكردي بانشائها، والتي تنطلق من تلك المقولة (الحقوق التاريخية) والتي يعتقد السيد مسعود ان نواتها الاولى ستكون اقليم كردستان العراق وصولا الى حلم الامبراطورية الكردية الكبرى التي تضم اكراد العراق وايران وتركيا وسوريا.

هل يمكن اقامة مثل تلك الدولة؟

فريد أسسرد، القيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني ومدير مركز الدراسات الاستراتيجية في إقليم كردستان العراق، ومقره السليمانية، يرى أن فكرة تشكيل أو إقامة دولة كردية كبرى مستقلة تضم الأجزاء الأربعة من كردستان ما برح أمراً نظرياً.

ويؤكد أن مقومات بناء مثل هكذا دولة ما برحت غير متوافرة على أرض الواقع في الوقت الراهن إطلاقاً. ويمضي إلى القول (أعتقد أن تلك المقومات الأساسية لبناء أية دولة سوف لن تتوافر حتى في المستقبل البعيد أيضاً لجملة من الأسباب لعل أبرزها هو أن العالم سيشهد تحولا في العقود القليلة المقبلة يجعله معتمداً على الجغرافيا الاقتصادية عوضاً عن الجغرافيا السياسية كما هو الحال الآن).

ويؤكد أسسرد، الذي أجرى أبحاثاً عديدة في هذا الميدان، أن فكرة إقامة الدول الكبرى المستقلة أثبتت فشلها بالنسبة للعديد من الشعوب التي سبقت الكرد في ذلك الاتجاه مثل الأتراك الذين فشلوا في إقامة الإمبراطورية التركية العظمى من الصين إلى البحر المتوسط وغيرهم لتضم العرق التركي في كل مكان.

ويتابع أسسرد (في منتصف التسعينات من القرن الماضي قدمت بحثاً بخصوص الجغرافيا السياسية لكردستان أوضحت فيه أن إقامة دولة كردية مستقلة على أرض إقليم كردستان العراق أمر عسير جداً، لأنه يتطلب تغيير خارطة مهمة من العالم، كما أن الدولة المذكورة حتى لو أقيمت فإنها ستكون معزولة عن العالم لعدم امتلاكها منافذ على البحر).

ويعرب أسسرد عن اعتقاده ببروز دويلات كردية عديدة في أجزاء كردستان الأخرى، ولكن على المدى البعيد لا سيما أن الخطوة الأولى قد اتخذت في ذلك الاتجاه ممثلة بالكيان السياسي والإداري القائم في إقليم كردستان العراق والذي هو أشبه بدويلة مستقلة في مضمونها وجوهرها، لكنه يؤكد أن عامل الربط بين تلك الدويلات الكردية على الصعيد الاقتصادي مستقبلا سيكون ضعيفاً جداً، وستبقى تلك الدويلات مرتبطة بالأنظمة المركزية في كل من طهران وتركيا وبغداد. ويعرب أسسرد عن اعتقاده بأن السياسة في العالم أجمع ستخضع خلال العقود القليلة المقبلة لمنطق وحكم الاقتصاد، فالدويلات الكردية إن نشأت ستكون بلا شك دويلات فقيرة اقتصادياً، وتلك ستكون أبرز وأهم مشكلاتها، ناهيك عن جغرافيتها السيئة التي سترجح دوما كفة جيرانها، مما يجعلها خاضعة باستمرار لإرادة وتأثيرات دول الجوار، وبتعبير أدق ستبقى فكرة إقامة الدولة الكردية المستقلة مجرد حلم غير قابل للتحقيق.

اما سامي داود الباحث المعرف في مؤسسة (سردم) الثقافية السورية فيؤكد أن تأسيس الدولة الكردية مرتبط بالجغرافيا في المقام الأول، بمعنى أن الأمر يتطلب أولا تحرير الرقعة الجغرافية الكردية ليقام عليها الكيان المستقل.

ويرى أن الطبيعة الجغرافية في المناطق الكردية بسورية لا تسمح إطلاقاً بخوض الكفاح المسلح كما في أجزاء كردستان العراق وتركيا وإيران، إلى جانب الشرط السكاني أو الكثافة السكانية لكل من الأقاليم الأربعة. وفي ضوء تلك المعطيات يعتقد داود أن أي محاولة من جانب الكرد لامتلاك دولتهم سيجابه بمعارضة شديدة من جانب دول المنطقة ليس حباً في إبقاء الأكراد ضمن أطر تلك الدول قسراً بل لأن منابع المياه والطاقة تكمن معظمها في أرض كردستان بأجزائها الأربعة ـ على حد تعبيره.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 26/آذار/2012 - 5/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م