متى تكون الكلمة الفصل للدستور العراقي؟

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الدستور وثيقة موضوعة، تنظّم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، على أن تستمد شرعيتها من الشعب، لكي يتجسد مبدأ حكم الشعب لنفسه فعليا، إذ يستدعي هذا المبدأ إلتزاما كليا وحرفيا بمضامين الدستور، من لدن القادة السياسيين بمختلف مناصبهم ومسؤولياتهم.

المشكلة الكأداء التي كان يعاني منها العراق عبر الحكومات التي تعاقبت على حكمه، تتمثل بغياب الدستور الأصيل وحلول الدستور البديل أو (المؤقت)، ليفصل بين الحاكم والمحكوم وينظم العلاقة بينهما، فغالبا ما كان قادة العراق يحتكمون الى دستور مؤقت، يضعونه بأنفسهم، أعني يكتبه تابعون لهم، وفقا لتصورات القادة ومصالحهم التي تصب في حماية عرش السلطة أولا وأخيرا، لهذا كان الشعب العراقي معرضا لحالات انتهاك الحقوق والحريات، من دون أن يجد مجيرا أو شفيعا له في الدستور أو في غيره، إذ كانت أمزجة الحكومات ورؤسائها تتحكم ببنود الدستور المؤقت، فتحذف منه وتضيف له ما ترغب وما يصب في صالحها.

بعد نيسان 2003 إستبشر العراقيون خيرا بكتابة بنود دستورهم الدائم، وظهرت علامات تشير الى القضاء على مشكلة (الدستور المؤقت)، وصار الجميع يأملون ببداية عهد دستوري جديد، يستند الى وثيقة دستورية شاملة ودائمة، تنظم شؤون السياسة والحياة عموما بين الشعب العراقي وحكومته، وكان الامل يحدو الجميع بجعل الدستور العراقي الدائم، صاحب الكلمة الفصل في معالجة وتنظيم شؤون العراقيين، والنظر إليه كمعيار دقيق، لحل جميع المشكلات والاختلافات التي قد تحدث بين هذه الأطراف أو تلك.

ونظرا لموافقة الشعب على الدستور، ووصفه بالدستور الدائم، فقد اصبح ذا شرعية لا يجوز المساس بها، وعلى جميع مكونات الشعب العراقي وقادته السياسيين احترام هذه الشرعية، والاحتكام الى هذا المعيار الدقيق، ولكن لو أننا سألنا المعنيين، بل حتى بسطاء الناس من الشعب، هل التزم السياسيون وقادة العراق بمختلف مكوناته ببنود الدستور العراقي الدائم، لحل الخلافات القائمة والعالقة بينهم؟ وهل أزيحت العقبة الكأداء فعلا، والمتمثلة بإشكالية الدستور المؤقت؟.

إن الاجابة عن هذا السؤال يمكن أخذها من الوقائع التي تحدث أمام الابصار والبصائر، حيث الجميع يتحدث عن ضرورة الاحتكام الى مضامين الدستور العراقي الدائم، وحل جميع المشكلات استنادا إليه، لاسيما السياسيون، فرقاء أو أصدقاء، حيث يعلن الجميع عبر الفضائيات والبيانات المتواترة، عن تمسكهم بالدستور وبنوده واللجوء إليه لحل المشكلات العالقة، ولكننا يمكن أن نؤشر بوضوح، تفوّق الكلام والتصريحات والبيانات على التنفيذ الفعلي، فمن كتب الدستور بنفسه ووفقا لتصوراته ثم وافق عليه، نجده يتهرَّب أحيانا من الالتزام به.

والمشكلة أن معظم قادة العراق، (قادة الكتل السياسية والاحزاب) صاروا يحملون الدستور كسلاح يوجهونه بعضهم ضد البعض الآخر، فالكل يُظهر نفسه على أنه متمسك بالدستور، وملتزم به، ولا يمكن أن يتجاوزه، لدرجة عالية من الضبابية، تختلط فيها الاوراق، وتضيع معها الحدود، وتتداخل فيها الامور مع بعضها، وهكذا يبقى العراقيون في حيرة من أمرهم، وهم يتابعون الاشكالات العالقة والمستجدة بين السياسيين الذين يعلنون تمسكهم بالدستور، من دون العمل بهذا القول بصدق وإخلاص، لذا بات المواطن العراقي يلحّ في معرفة الفائدة الفعلية التي جناها من دستوره الدائم والبديل عن الدستور المؤقت.

ويتساءل المواطن العراقي بإلحاح أيضا: متى تكون الكلمة الفصل للدستور؟ ففي الوقت الذي يطلب فيه القادة السياسيون من الجميع، ضرورة التمسك بوثيقة الدستور كحل ناجع لجميع المشكلات التي يواجهها العراق، نلاحظ أنهم هم أول من يخرق هذا التوجيه السليم، ولا يلتزمون به، فكيف بالآخرين؟!.

مطلوب وقفة حقيقية الى جانب الدستور العراقي الدائم، وأولنا، وقفة السياسيين جميعا، نريد كعراقيين أن نلمس فعليا ونشعر بقوة ووضوح، أن الكلمة الفصل في جميع الامور تعود الى الدستور، ولا يتحقق هذا مطلقا، إلا حين يلتزم القادة بهذا المبدأ، قبل الجميع.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 24/آذار/2012 - 30/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م