الاتربة النادرة تؤجج النزاع بين الدول الصناعية الكبرى

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: قفزت المعادن النادرة الى محور الاهتمام مؤخرا لسبب بسيط وهو زيادة الطلب عليها بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ويتوقع أن يزيد ذلك بشكل أكبر في السنوات القادمة، إذ  لولا بعض تلك المعادن لكان مستحيلاً إنتاج معظم الأجهزة والآلات المستخدمة في حياتنا اليومية كالهواتف الجوالة والشاشات المسطـَّحة والسيارات والطائرات وإلكترونيات التحكم بها، ولأصبح صعباً جداً الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة، ولهذا قدمت كل من الولايات المتحدة وأوروبا واليابان شكوى منذ وقت طويل تتهم فيها الصين بأن سياستها التجارية سبب تفاوت التنمية الاقتصادية الدولية. فإن السيطرة على تصدير منتجات عالية فى استهلاك الطاقة وعالية التلوث والموارد، له صلة بالجهود الصينية المبذولة من أجل تحقيق التوازن التجارة.

حيث شهدت أسعار الأتربة النادرة في السوق الدولية ارتفاع واسع النطاق بسبب الجهود التي تبذلها الصين لحماية الموارد النادرة وغيرها من الأسباب الأخرى، وإن الغرض الرئيسي من رفع أوروبا والولايات المتحدة واليابان دعوة قضائية ضد الصين هو إعادة سعر الأتربة النادرة إلى السعر الطبيعي، وبهذا تشهد المعمورة حربا من نوع جديد قد يفاقم من الوضع التنموي والاقتصادي في جميع انحاء العالم. لأن أن الصين تنتهج سياسية جديد في إنتاج وتصدير العناصر النادرة، فهل تستغل ذلك لصعود على عرش العالم؟

وخلاصة القول إن القيود التي فرضتها الصين على مواردها من المعادن النادرة، إلى جانب الزيادة غير المحددة في الطلب العالمي، قد تسببت بحدوث خلل جديد في الاقتصاد العالمي، ومن المرجح أن يستمر بالحدوث طوال السنوات القليلة المقبلة.

خلاف عالمي يهدد قطاع الإلكترونيات

فقد أقامت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان، دعوى تجارية ضد الصين بشأن القيود التي تفرضها على صادراتها من معادن الأرض النادرة، التي يهدد النزاع بشأنها قطاع صناعة الإلكترونيات، وتتهم الدعوى الصين برفع أسعار صادراتها من تلك المعادن مقابل خفضها في الداخل، ما يتيح مزايا غير عادلة للمارد الآسيوي الذي تقول الولايات المتحدة إنه يكدس هذه المعادن لاستخدامه الخاص، في حين تتهمه اليابان بخرق قوانين التجارة العالمية بمنحه تفضيلاً للشركات المحلية عبر تقييد صادراتها من المعادن، في إخلال بالتزاماته كعضو في منظمة التجارة العالمية، ومن جانبها قالت المفوضية الأوروبية إن القيود الصينية "انتهاك لقواعد التجارة الدولية، وأثارت القضية مراراً مع بكين لكن دون جدوى، وبدوره، قال الرئيس الأمريكي، باراك أوباما: "علينا السيطرة على مستقبل الطاقة لدينا .. لا نستطيع السماح بأن تتجذر صناعة الطاقة ببعض الدول الأخرى لأنه أتيح لها تجاوز القواعد، ودافعت الصين عن خطواتها بالقول أنها تتفق مع لوائح منظمة التجارة العالمية، وبأن القيود فرضت بسبب مخاوف بيئية، وتشمل المواد موضوع النزاع 17 نوعاً من المعادن ذات الخصائص المغناطيسية والموصلة وتدخل في صناعة معظم الأجهزة الإلكترونية، منها التلفزيونات المسطحة والهواتف الذكية والسيارات الهجينة، علاوة على الأسلحة، وهي في الواقع ليست معادن "نادرة،" لكن عملية إنتاجها تتسم بالصعوبة، ويوجد ثُلث مخزونات الأرض من تلك المعادن النادرة في الصين، التي تمكنت من تأمين إنتاج 97 في المائة من التجارة العالمية لمعادن الأرض النادرة التي تستخدم في إنتاج المنتجات عالية التكنولوجيا، مثل الشاشات المسطحة وبطاريات السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح والصواريخ، وفي عام 2010، حذر تقرير أمريكي من أن احتكار المارد الصيني له أبعاد مؤثرة، على المنظور الطويل، خاصة على البنتاغون، وفي يونيو/حزيران من العام ذاته، فرضت الصين قيودا على صادراتها من تلك المعادن برفع الضرائب وتقليص صادراتها للخارج، كما قامت بديسمبر/كانون الأول، بإيقاف شحناتها مؤقتاً لليابان ما أدى لارتفاع حاد في الأسعار، وبموجب إجراءات حل الخلافات التجارية بين الأعضاء بمنظمة التجارة العالمية، فسيتعين على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان إجراء مشاورات مع الجانب الصيني، وفي حال عدم التوصل لاتفاق في غضون 60 يوماً يحال الأمر الى لجنة تسوية بالمنظمة التجارة العالمية. 

شلل الاتحاد الأوروبي

من جهته قال متحدث باسم مفوض الاتحاد الاوروبي للصناعة ان الاتحاد يخزن المعادن النادرة التي تعد حيوية لصناعات تكنولوجية متطورة عديدة لخفض اعتماده على الصين، وقال أندريا ماريسي المتحدث الصحفي باسم المفوض أنطونيو تاجاني "أولا نحن نعمل لتأمين امدادات من هذه المعادن من أنحاء خارج الاتحاد الاوروبي مثل أمريكا اللاتينية أو أفريقيا أو دول أخرى مثل روسيا. وثانيا نحن نكون مخزونات للاستفادة بشكل أفضل من المواد التي في حوزتنا في الاتحاد الاوروبي، وأضاف "نحاول تحسين مصادرنا وخفض اعتمادنا على الصين. بحسب رويترز.

في حين هدد مراقبون من ان انتاج الطاقة المتجددة وتطويرها في اوروبا ربما يدخل في مرحلة من الشلل المفاجئ نتيجة نقص خمس مواد اولية تعرف بالمعادن النادرة التي تتراجع كمياتها المتوافرة ومنها الانديوم والغاليوم والتيلوريوم التي تستعمل في انتاج الالواح الفوتوضوئية اضافة الى النيوديميوم والديسبروسيوم المستخدمتين في انتاج مراوح توليد الكهرباء بطاقة الرياح  ينوه خبراء الى ان التوترات الراهنة الناتجة عن ارتفاع الطلب على هذه المعادن لا تسبب زيادة في اسعارها وحسب بل تولد ازمة تسحب المواد من الاسواق في المدى المتوسط كما تعاني اوروبا مشكلة اخرى تتمثل في افتقادها للمناجم التي تحتوي على هذه المواد ويذكر ان الصين هي الابرز من حيث استخراج هذه المعادن وتخزينها عالميا.

فيما يجد الخبراء ان تصدير هذه الانواع من المعادن لا يحظى بموافقة الحكومة الصينية التي تستغلها كسلاح تجاري في وجه الدول الغربية. وتستفيد الصين من الفرصة للتوغل في افريقيا الغنية بالمناجم لاستخراج بعض انواع هذه المعادن ويتوقع الخبراء الاكثر تفاؤلا ان يتراجع إنتاج الصين من المعادن النادرة حول العالم الى ما دون 50 في المئة بحلول عام 2016.

وتعتمد اوروبا في استراتيجيتها لتأمين الكهرباء على توليدها من الرياح والشمس والطاقة النووية وتأسيس شبكات ذكية لادارة الكهرباء وإذابة ثاني اكسيد الكربون في الجو ما يرفع حاجتها من المعادن النادرة في المقابل تتعدد الاستراتيجيات الاوروبية في مواجهة اي نقص في هذه الانواع من المعادن لكنها تبقى غير متكاملة وتشمل هذه الاستراتيجيات تكثيف الدراسات والبحث عن اتفاقات تجارية واعادة تدوير النفايات للعثور على معادن بديلة وفي سويسرا تسود الريبة قرارات التخلص من استعمال الطاقة النووية التي يصفها بعضهم بالانتحار الذي سيضع سويسرا تحت رحمة الصين.

اليابان تبحث عن بديل

من جهة أخرى دفعت المشاكل الاخيرة التي طرأت على تجهيزات عناصر التربة النادرة القادمة من الصين التجار والشركات اليابانية إلى قلب دوامة البحث عن مصادر بديلة، وبذلك خلقت فرصاً جديدة لكوساكا. هذه المدينة لا تعقد آمالها على العودة الى التعدين في جوف الارض، بل على ما تسميه اليابان بالتعدين الحضري، وهي عملية تدوير المعادن الثمينة من الخزين الاحتياطي الهائل من الاجهزة الالكترونية المستعملة: مثل الهواتف الخلوية والكمبيوترات، ويقول تيتسوزو فيوشيبا، وهو وزير اراض سابق وعضو حالي في أحد أحزاب المعارضة، والذي قام بزيارة للمدينة مؤخرا لمعاينة مصنع كوساكا لاعادة التدوير: “لقد اكتشفنا الذهب في الهواتف الخلوية بالمعنى الحرفي للكلمة، وقد اكتسبت المساعي الحثيثة التي تجريها كوساكا اهمية خاصة بالنسبة لليابان خلال الاسابيع الاخيرة. فقبل فترة قصيرة، وفي خضم الخلاف الدبلوماسي الذي نشب مع طوكيو، بادرت الصين فأوقفت صادراتها من عناصر التربة النادرة الى اليابان. وكان قرار منع شحن تلك المواد لا يزال ساريا، كما صرح بذلك مسؤول صناعي، ولو أن شحنات صغيرة على ما يبدو بقيت تتسرب نتيجة للتنفيذ غير المنتظم للحظر من قبل مسؤولي هيئة الكمارك في بعض الموانئ الصينية. وقد سمحت الصين بتصدير مغناطيس ارضي نادر صيني الصنع بالاضافة الى منتجات الاتربة النادرة الاخرى الى اليابان، ولكنها منعت تصدير المعادن النفيسة المستخلصة من خامات الاتربة النادرة نصف المصنعة التي من شأنها تمكين الشركات اليابانية من تصنيع المنتجات التي تريدها. أصاب قطع الواردات هذا الشركات الصناعية اليابانية بحالة من اليأس والحيرة، وهذا شمل كثيرين، من العمالقة مثل شركة تويوتا إلى صغار مصنعي الأجهزة الالكترونية، حيث ان هذه المواد الخام تعتبر ذات اهمية حاسمة لنطاق متنوع من المنتجات مثل السيارات الكهربائية الهجينة، وتوربينات الرياح وشاشات اجهزة الحاسوب.

وقد أعلن اكيهيرو اوهاتا، وزير التجارة الياباني، أنه سيطالب الحكومة بإدراج ما أسماه “ستراتيجية الاتربة النادرة” في ميزانيتها التكميلية لهذا العام، في كوساكا قامت شركة دووا القابضة، التي كانت تجري أعمال التعدين في نفس هذه المنطقة لمدة زادت على قرن من الزمان، ببناء مصنع للتدوير يقوم فرنه البالغ ارتفاعه 200 قدم بصهر القطع الالكترونية المستعملة ويحيلها الى مزيج متسيل متوهج تستخلص منه المعادن الثمينة. أما الأجزاء والقطع المنتزعة من الأجهزة المستعملة والمستهلكة فإنها ترد من سائر أنحاء اليابان ومن دول اخرى أيضاً بضمنها الولايات المتحدة.

يعد السوق العالمي للاتربة النادرة ضئيلاً حسب معايير التعدين، حيث بلغت قيمة تلك السوق 1.5 مليار دولار فقط في العام الماضي، ولو أن قيمتها آخذة في التصاعد بسبب الارتفاع الكبير في الاسعار نتيجة القيود التي فرضتها الصين على تصدير تلك المعادن. وتتسع رقعة القلق بشأن اكتناز الصين للاتربة النادرة إلى أن تصل الولايات المتحدة. فرغم أن الصين لم تحظر شحن هذه العناصر على أية دولة أخرى غير اليابان فإنها قد قامت بالفعل بتقليص اجمالي الكميات المصدرة إلى الخارج، وقد صرح وزير التجارة الياباني مؤخراً بأن الحكومة تنظر في الشروع بتخزين احتياطي من المعادن النادرة كإجراء وقائي ضد ما يحصل من توقفات تجارية، كذلك حفز تصاعد الاهتمام بالمصادر البديلة على وضع خطط تهدف لإعادة افتتاح المناجم القديمة، أو تاسيس مناجم جديدة، للاتربة النادرة في عدد من الدول حول العالم من بينها جنوب افريقيا واستراليا وكندا، بالإضافة الى الولايات المتحدة، حيث تنوي شركة موليكورب توسيع المنجم في جبل باس في ولاية كاليفورنيا. وتتفاوض شركة سوجيتز التجارية اليابانية حول حقوق التعدين في منجم للمعادن النفيسة في فيتنام، بينما تخطط مؤسسة سوميتومو الكبرى المؤلفة من تجمع لعدد من الشركات بالعمل مع حكومة دولة كازاخستان لاستعادة العناصر الارضية النادرة من بقايا خام اليورانيوم.

من جهة أخرى تضغط اليابان باتجاه ايجاد أساليب جديدة في الصناعة لا تتطلب استخدام معادن التربة النادرة. ويشير شيباتا الى أن من الممكن للصناعة اليابانية الإفادة من البدائل التي توفرها الابحاث في مجال الاتربة النادرة وكذلك من طرق تطوير عمليات التدوير، مبيناً كيف ان الازمات النفطية التي وقعت في عقد السبعينيات من القرن الماضي ساعدت في النهاية على جعل اليابان رائدة في تقنيات الإرتقاء بكفاءة استخدام الوقود، حاولت شركات رائدة عديدة تدوير الاتربة والمعادن النادرة في اليابان، فقد بدأت شركة هيتاشي في العام الماضي تجارب لاستخلاص الاتربة النادرة من المغناطيس الموجود في الاقراص الصلبة لاجهزة الكمبيوتر القديمة، ولكن الشركة المذكورة تشير بأن من غير المتوقع ان يجري العمل بالمشروع حتى عام 2013.

نزاع أمريكا والصين ينتقل إلى التجارة العالمية

الى ذلك حذرت بكين واشنطن من أن الشكوى التجارية المتوقعة من جانب الولايات المتحدة بشأن قيود الصين على صادرات عناصر التربة النادرة يمكن أن “يأتي بنتائج عكسية” ويضر بالعلاقات الاقتصادية. كانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان أعلنوا أمس الاحتكام لمنظمة التجارة العالمية في نزاع بشأن صادرات عناصر التربة النادرة من الصين التي تسيطر على حوالي 95% من الإنتاج العالمي منها، وذكرت وكالة أنباء “شينخوا” الصينية الرسمية أن “من التهور وغير العدل بالنسبة للولايات المتحدة أن تمضي قدما في دعوى ضد الصين أمام منظمة التجارة العالمية التي قد تضر بالعلاقات الاقتصادية بين أكبر اقتصادين في العالم”. وأضافت أنه “في مواجهة مثل هذه الاتهامات غير المقبولة وغير العادلة، فلن تتردد الصين في الدفاع عن حقوقها الشرعية في النزاعات التجارية”. بحسب وكالة الانباء الالمانية.

وقالت إن الصين تؤيد حل النزاع :”من خلال المفاوضات بدلاً من تدويل القضية”. وعناصر التربة النادرة عبارة عن 17 عنصراً يشمل استخدامها الرئيسي المغناطيس عالي القوة والتعقيد والذي يتم استخدامه في المحركات الكهربائية والتوربينات. كان مياو وي، وزير الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصيني، قال الأحد الماضي إن حصة صادرات عناصر التربة النادرة للبلاد للعام الجاري ستكون نفس مستوى حصة العام الماضي، ونقلت صحيفة “تشاينا ديلي” عن مياو قوله إن إجمالي الصادرات بلغ النصف فقط لحصة العام الماضي البالغة 30,184 ألف طن. وقال إن ضعف الصادرات يعود إلى تراجع الاستهلاك من جانب الشركات الأجنبية بعد أن تسببت “القواعد الأكثر صرامة وتوقف التنقيب غير القانوني” في خفض الإنتاج ودفع الأسعار للارتفاع. وجاء في تعليق وكالة “شينخوا” أمس أن الصين بالغت في استغلال عناصر التربة النادرة في العقود الماضية وباعتها “بأسعار بخسة جداً” وأدت إلى “مشاكل بيئية جسيمة”. وأضافت :”بالتالي فإن السياسة الحالية للصين بتطبيق سياسة حصص التصدير على عناصر التربة النادرة معقولة تماماً.

تبرير سياسة التصدير

من جهته قال شين دانيانج، المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية، إن القيود التي تفرضها الصين على صادرات المعادن النادرة مبررة وتتفق مع قواعد منظمة التجارة العالمية. يأتي ذلك بعد يومين من تقديم كل من الولايات المتحدة واليابان والاتحاد الأوروبي شكوى إلى منظمة التجارة العالمية ضد القيود الصينية على صادرات هذه المعادن، ونقل عن دانيانج قوله إن السياسة الصينية “تهدف إلى حماية الموارد والبيئة وتحقيق التنمية المستدامة. والصين ليس لديها أي نية لتقييد التجارة الحرة ولا حماية الصناعات المحلية من خلال تشويه تجارتها الخارجية”. وأشار المتحدث الصيني إلى استعداد بكين للتعامل مع النزاع الحالي وفقا لقواعد منظمة التجارة العالمية. وكان كارل دي جوشت، المفوض التجاري الأوروبي، قد صرح في وقت سابق بأن “القيود الصينية على المعادن النادرة وغيرها من المنتجات تنتهك قواعد التجارة الدولية ويجب إلغاؤها، في المقابل، تعهد الرئيس الأميركي باراك أوباما بضمان المنافسة العادلة للعمال والشركات الأميركية إذا ما تعرضت المنتجات الأميركية لأي عقبات مثل الرسوم الجمركية أو الحواجز التجارية على الصعيد الدولي. وقال “أن نتمكن من إنتاج بطاريات متقدمة وسيارات هجين داخل الولايات المتحدة هو أمر حيوي ويجب أن نتصدى له ولا شيء غير ذلك”. إلى ذلك، قالت وزارة التجارة إن الصين اجتذبت استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 17,7 مليار دولار خلال شهري يناير وفبراير بانخفاض قدره 0,56% عن الفترة نفسها من 2011، وأضافت الوزارة أنه في فبراير وحده اجتذبت الصين استثمارات أجنبية مباشرة قيمتها 7,7 مليار دولار منخفضة 0,9% عن الشهر نفسه من العام الماضي. وكانت التدفقات الاستثمارية إلى الصين قد سجلت قفزة قوية خلال الأعوام التي أعقبت انضمام العملاق الآسيوي إلى منظمة التجارة العالمية خلال 2011. بحسب وكالة الانباء الالمانية.

 وتضررت بشدة أثناء التباطؤ الاقتصادي العالمي قبل ان تعاود الصعود، وذكرت وزارة التجارة أن بكين في سبيلها للحفاظ على تحقيق فائض تجاري خلال العام الحالي رغم استمرار انخفاضه. وقال المتحدث باسم وزارة التجارة إن نسبة الفائض التجاري الصيني إلى إجمالي الناتج المحلي ستواصل تراجعها خلال 2012، وسجلت الصين عجزاً تجارياً بلغ 31,49 مليار دولار خلال فبراير. وهو الأكبر شهرياً خلال أكثر من 10 سنوات. وأرجع المتحدث العجز بصفة أساسية لعوامل موسمية، حيث تتجه شركات التجارة الخارجية المحلية إلى زيادة وارداتها في أعقاب عطلة عيد الربيع. ونقلت وكالة أنباء الصين الجديدة “شينخوا” عن المتحدث قوله: “ لا يمكن للبيانات التجارية لأول شهرين في العام ان تعكس اتجاه العام بأكمله. وستتبنى الوزارة إجراءات لضمان تجارة خارجية مستقرة”. وصل العجز التجاري الصيني إلى 4,15 مليار دولار خلال أول شهرين من 2012.

تنمية الاتربة النادرة

حيث إن جوهر النزاع في تجارة التربة النادرة حاليا تكمن في تحديد سعرها، إذ أن الصين لم تستغل جيدا معادن الأتربة النادرة في العقود الماضية بسبب المنافسة الشرسة بين المصدرين المحليين و التصدير غير المنضبط، وبيعها بأسعار رخيصة،لا يتعدى سعرها سعر الملفوف.وعلى الرغم من أن الصين حدد حصة الصادرات من الاتربة النادرة في وقت لاحق، إلا أنه لم تؤثر كثيرا في احتياجات أوروبا والولايات المتحدة واليابان.على سبيل المثال ، حتى شهر نوفمبر من عام 2011، بلغ إجمالي الصادرات الصينية من الاتربة النادرة 14750 طن فى ذلك العام ، ما يعادل 49 % فقط من إجمالي حصة الصادرات السنوية الإجمالية. وبعبارة أخرى، فإن مشاريع أوروبا والولايات المتحدة واليابان لم تتأثر بسبب نظام حصص الصينية بل بسبب الطمع المتزايد.

الصين تحتاج على المدى الطويل إلى إقامة إستراتيجية للتنمية المستدامة للاتربة النادرة طويلة الأجل.أولا،ينبغي على الصين تسريع عملية الاندماج والاستحواذ،وتغيير معضلة شركات الأتربة النادرة الصينية الصغيرة أو الكبيرة لكن غير قوية.ثانيا، يتعين على الصين الاعتماد على التشريعات في تعزيز إدارة تكنولوجيا التعدين والمعالجة، إدارة تقييم الأثر البيئي، تحسين نظام إدارة الوصول إلى السوق.ثالثا، من الضروري أن تتعلم الصين الدروس من تجارة المواد الخام العالمية، وتشجيع على إنشاء جمعيات جديدة للصناعة لها دراية بقواعد المنافسة الدولية.إيجاد الحل النهائي للقضايا المنافسة غير المنظمة في عملية الإنتاج والتجارة، ومما لا شك فيه تحديد سعر منتجاتها، وباختصار، فإن النزاعات التجارية الدولية الخاصة بعناصر الأتربة النادرة، وأي " نظرية مؤامرة"، والمشاعر القومية لا جدوى لها حاليا.يجب على الصين العمل بنشاط أمام دعوة منظمة التجارة العالمية، وفي نفس الوقت توضح أهداف الصين السياسية ووضع برنامج شامل وإستراتيجية الأتربة النادرة طويلة الأجل في وقت مبكر.وطالما أن الصين أخذت التدابير المناسبة،فليس هناك أي سبب للتشاؤم.

مشروع أسترالي مثيرا للجدل في ماليزيا

كما منحت ماليزيا تصريحا مؤقتا لشركة تعدين أسترالية لتشغيل مشروع مثير للجدل لإنتاج المعادن النادرة في شرق ماليزيا رغم المخاوف البيئية والصحية المحيطة بالمشروع، وأعرب معارضو المشروع الذي تصل استثماراته إلى 200 مليون دولار عن مخاوفهم من الإشعاعات الناجمة عن مخلفات الثريوم الناتجة عن المصنع والتي يمكن أن تؤثر على صحة الناس والبيئة المحيطة، من ناحيته قال مجلس ترخيص الطاقة النووية الماليزي إنه وافق خلال اجتماع أمس على تشغيل مشروع شركة ليناس كورب لإنتاج المعادن النادرة في مدينة كوانتان بولاية باهانج (195 كيلومتر) شرق العاصمة كوالالمبور، وقال السكرتير التنفيذي للمجلس عبد العزيز راجا عدنان في بيان إنه بناء على قرار اجتماع المجلس فإنه تمت الموافقة على طلب الترخيص المؤقت الذي تقدمت به الشركة مع وضع عدة شروط بحيث يتم تعليق الترخيص أو إلغائه إذا انتهك أي شرط منها. بحسب وكالة الانباء الالمانية.

ينتج المشروع معادن تستخدم في مجموعة واسعة من المنتجات مثل الشاشات المسطحة والمصابيح الموفرة للطاقة وتروبينات الرياح والسيارات الهجين.

هل فوتت الصين فرصة نادرة في تجارة العناصر النادرة ؟

فيما أصبحت العناصر النادرة، المكونة من 17 عنصرا، متطلبا أساسيا لصناعة المنتوجات عالية التقنية، وأصبحت تلعب دورا متزايدا في حياتنا اليومية، حتى وإن لم ندرك ذلك، عنصر "اليوروبيوم" مثلا مهم من أجل استحضار اللون الأحمر على شاشات التلفزيون. كذلك تدخل بعض العناصر الأخرى في إنتاج أقراص الدي في دي والهواتف النقالة والتلفزيونات ذات الشاشات المسطحة وأشياء أخرى نستخدمها بشكل يومي، وتعتبر الصين أكبر منتج للعناصر النادرة في العالم، وتستحوذ على حصة تبلغ 95 في المئة من السوق العالمي.

ويتوقع أن يزيد ذلك بشكل أكبر في السنوات القادمة، وقد ارتفعت الحاجة الى العناصر النادرة في العقد الأخير حتى بلغت 125 ألف طن متري سنويا، ويتوقع المحللون أن يتجاوز الرقم 200 ألف طن متري بحلول عام 2014، لكن الصين حددت الانتاج السنوي بـ 93800 طن متري لعام 2011 وقالت انها ستقلص التصدير بنسبة 10 في المئة هذه السنة، مما يعني أن العالم مقبل على حالة من عدم التوازن بين العرض والطلب.

وقد اتهمت الصين بمحاولة استغلال السوق، خاصة أن الأسعار شهدت ارتفاعا قدره 600 في المئة مؤخرا، لكنها تقول انها تقوم بتقنين الانتاج بهدف حماية البيئة، وهو ما يتفق معه بعض المحللين، ويقول الخبير مات أندرسون إن عملية انتاج العناصر النادرة تلوث البيئة بشكل كبير.

ومهما كان سبب التقنين الصيني فان ذلك سبب قلقا للشركات التي تحتاج العناصر النادرة، كذلك أثار تحذير أصدرته "رابطة المعادن المغناطيسية الأمريكية" مزيدا من القلق، حيث ورد في التحذير أن الاستهلاك المحلي للعناصر النادرة في الصين سوف يفوق الانتاج بين عامي 2012 و 2015، وأدى توقف الصين عن تصدير العناصر النادرة الى اليابان بسبب نزاع حدودي العام الماضي الى هلع الشركات اليابانية التي تستخدمه في صناعة الكثير من السلع، من الهواتف الذكية الى أجهزة التلفاز الى المحركات الهجينة للسيارات، وقد ردت اليابان التي تستورد 65 في المئة من الانتاج الصيني بالبحث عن مصادر بديلة، وأعلنت اليابان عن اتفاق عقدته مع منغوليا حيث ستساهم شركات يابانية في التنقيب عن العناصر النادرة وتعدينها، وأفادت تقارير أيضا أن اليابان ستقدم دعما لكازاخستان للمساعدة في تعدين العناصر النادرة هناك.

أسعار المعادن النادرة

على صعيد متصل تضاعفت أسعار المعادن النادرة بالعالم في الثلاثة أسابيع الأخيرة بسبب تخزين الصين لها مما أثار مخاوف إزاء الإمدادات العالمية، ويشكل إنتاج الصين أكثر من 90% من إنتاج العالم من هذه المعادن التي تمثل 17 عنصرا تستخدم في السيارات الهجين ومصابيح الإضاءة، وفي استخدامات تكنولوجية أخرى، وقالت صحيفة فايننشال تايمز إن القيود التي فرضتها بكين على مناجم إنتاج هذه المعادن وعلى الصادرات تسببت في خلق فوضى بالأسواق، وتعتبر أسواق الولايات المتحدة واليابان الأكبر عالميا بالنسبة لهذه المعادن. وقد عبر البلدان عن انزعاجهما للصين وازداد قلق دول أخرى، وخفضت الصين صادراتها من المعادن العام الماضي بنسبة 40%، وأوقفت صادراتها إلى اليابان مؤقتا بعد نزاع سياسي بين الجانبين، وارتفعت أسعار المعادن بصورة كبيرة هذا العام، وعزا محللون بالصين ذلك إلى عمليات التخزين لدى الشركات الصينية توقعا لزيادة مستقبلية، وقد ارتفع سعر التيربيوم أوكسايد الذي يستخدم في السيارات الهجين وأجهزة السونار المستخدمة في الملاحة إلى عشرين ألف يوان للكيلو (ثلاثة آلاف دولار) من 8750 يوانا في أقل من ثلاثة أسابيع، وخلال شهادة بالكونغرس مؤخرا، حثت شركة جنرال إلكتريك الأميركية الحكومة على تأمين إمدادات المعادن النادرة للمستوردين بالبلد، ويعتقد مراقبون أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد يرفعان قضية احتكار ضد بكين إلى منظمة التجارة العالمية التي تقوم حاليا بالنظر في القيود التي تفرضها الصين على صادراتها من المواد الخام، وقال مسؤولون صينيون إن مخاوف بيئية كانت السبب الرئيس وراء عملية إعادة هيكلة هذه الصناعة بالبلد. وتستهدف إعادة الهيكلة إغلاق بعض المناجم غير القانونية مما يؤدي إلى خفض الإنتاج ووضع القطاع تحت إدارة ثلاث مؤسسات وطنية رئيسية، ونقلت فايننشال تايمز عن محللين قولهم إن خطة حكومية بدأت عام 2010 قد تؤدي في النهاية إلى تخزين مائتي ألف طن من المعادن النادرة أي نحو ضعف إنتاج البلاد، وقال تجار إن عمليات الاستثمار السريعة والمضاربات بالقطاع زادت في وقت هبطت فيه الكميات المنتجة، وقال المحلل بمؤسسة إنتيكي الاستشارية يين جيانهوا إن أكبر الشركات الصينية المنتجة بهذا القطاع باعت ألف طن من معادن الأوكسايد بالربع الأول من العام الحالي مقابل إنتاج ما يصل إلى أكثر من 50 ألف طن سنويا، وقالت الصحيفة إن القيود التي تفرضها الصين جعلت المستثمرين الأجانب يبحثون عن المعادن النادرة خارج الصين. ويتوقع المحللون زيادة في الإنتاج العالمي خلال بضع سنوات، واستطاعت الصين احتكار إنتاج هذه المعادن لعدة عقود بعدما يسرت القوانين البيئية المرنة إنتاجها في البلاد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 22/آذار/2012 - 28/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م