مصر وإدارة ملف كهرباء غزة والانقسام

د. إبراهيم أبراش

حتى معاناة أهلنا في قطاع غزة تحولت لورقة يتم توظيفها من أطراف متعددة كل لغرض يرومه، إن كانت إسرائيل على رأس من يحسن التوظيف السياسي للعدوان على قطاع غزة وهو التوظيف الذي بدأ منذ خطة شارون للانسحاب من غزة عام 2005 والمتوصل حتى اليوم، إلا أن أطرافا فلسطينية وعربية وإقليمية توظف معاناة أهل غزة لخدمة سياساتها الخاصة والتي تتموقع الدوافع الإنسانية والوطنية في أدنى سلم اهتماماتها.

هذه الأطراف توظيف معاناة أهل غزة لخدمة سياسيات حزبية وفئوية، سياسات تعتقد أن الشعب جاهل وقاصر ويمكن التغرير به إلى ما لا نهاية تحت شعارات المقاومة تارة والتهدئة تارة أخرى والحصار مرة ثالثة، فيما الواقع يقول إنه يتم توظيف معاناة أهلنا في قطاع غزة من حصار وأزمة كهرباء وأزمة معابر وأزمة صحة الخ لتنفيذ مخطط فصل غزة عن الضفة وفلسطين وعن الكل الوطني والرمي بها كحالة سياسية قائمة بذاتها نحو مصر.

 آخر فصول توظيف معاناة الشعب في غزة هي مشكلة الكهرباء والوقود، حيث القطاع يعيش غالبية وقته في الظلام بالإضافة إلى أزمة المواصلات وأزمة تشل كل مناحي الحياة إلا حياة من بيده السلطة والسلطان. ما هو أكثر وطأة على النفس من قطع الكهرباء هو إحساس أهل غزة بالمهانة والقهر الداخلي لأن هناك من يتعامل معهم كجهلة أو قطيع من الأغنام الخانعين، حيث يتم توظف معاناتهم لمعاقبة كل الشعب الفلسطيني وتدمير ممكنات استنهاض حلمه الوطني بالمصالحة وإنهاء الانقسام.

أزمة الوقود في غزة مفتعلة ولا تنفصل عن المخطط المشبوه الرامي لتكريس فصل غزة عن الضفة وبقية فلسطين ورميها في أحضان مصر أو في المجهول مما يسهل على إسرائيل التفرغ للضفة والقدس وإيجاد صيغة ما لربط سكانهما بالأردن. فليس صدفة أو عبثا أن كل حديث عن أزمة الوقود وخصوصا الكهرباء خلال السنوات الماضية لم يكن له صلة بمصر وكان يتم ربط الأزمة بإسرائيل أو بسلطة رام الله أو بالجهات المانحة وكان النقاش حولها ومداخل حلها تتراوح ما بين مسؤولية رام الله ومسؤولية إسرائيل أو الجهات المانحة أو مسؤولية المواطنين الذين لا يدفعون فواتير الكهرباء.

مع أن هذه الأطراف برأت مسؤوليتها بنسب متفاوتة إلا أن المشكلة بقيت بدون حل لأن هناك من لا يريد حلها في إطار التوافق الوطني وبما يحافظ على ما تبقى من وحدة حال بين غزة والضفة، ولذا نلاحظ اليوم أن مشكلة الكهرباء باتت تدور بين قطاع غزة وحكومته من جهة ومصر من جهة آخري ودخل مجلس الشعب المصري ذو الأغلبية الإسلامية المؤيدة لنهج حماس على الخط ليناقش مشكلة الكهرباء في غزة. حكومة غزة وسلطة الطاقة بها تحمل مصر مسؤولية أزمة الكهرباء ويريدان من مصر حلها بمعزل عن الشرعية الفلسطينية والتوافق الفلسطيني، و هكذا لم تعد إسرائيل أو رام الله مسئولة عن كهرباء غزة ولا عن أهل غزة !

وكأن هناك إصرارا على أن غزة لم تعد خاضعة للاحتلال وباتت كيانا مستقلا وعلى مصر وبقية العالم أن يتعاملوا مع حكومتها على هذا الأساس، الأمر الذي ترك ارتياحا كبيرا عند الإسرائيليين لأن هذا ما يريدونه.

إدارة أزمة الوقود في غزة اليوم تعيد سيناريو أزمة المعابر وخصوصا معبر رفح البري، حيث كان الحديث بعد سيطرة حماس على القطاع يدور بأن حل أزمة المعبر يجب أن تتم عبر التوافق الوطني وفي ظل وجود السلطة بما يضمن وجود حرس الرئاسة أو تواجد دولي لتأكيد أن القطاع ما زال محتلا وحتى لا يتم تكريس فصل غزة عن الضفة وتمكين إسرائيل من مخططها الذي بدأه شارون بانسحابه من غزة، إلا أن حركة حماس أصرت على رفض وجود حرس الرئيس أو ما له علاقة بالسلطة وكذلك رفضت وجود مراقبين دوليين، ونجحت حركة حماس في ذلك وبات معبر رفح معبرا (غزاويا) مصريا، ويا له من انتصار!.

للأسف لا تقتصر سياسة توظيف معاناة غزة على خدمة رغبوية لفئات تراهن على دولنة غزة بل يتجاوز الأمر ذلك إلى توظيف إسرائيل قطاع غزة من خلال تحويله إلى حقل رماية لتختبر أسلحتها ولتختبر ردود فعل المسلحين الفلسطينيين ودول عربية وإقليمية ولتختبر كذلك قدرة حماس على ضبط الأمور في غزة بما يخدم المخطط المرسوم.

إلا أن أسوء توظيف هو استخدام إسرائيل لعدوانها المتواصل على قطاع غزة لإبعاد الأنظار عما يجري من استيطان وتهويد في الضفة والقدس حيث المعركة الأساسية، ويوما بعد يوم تنجح إسرائيل في ذلك بحيث بات الحديث عن حصار غزة والعدوان على غزة حتى أزمة كهرباء غزة يهيمن ويغيب الحديث عن الاستيطان والتهويد ومجمل القضية الوطنية.

وهكذا، خطوة من إسرائيل وخطوة من حركة حماس وعجز وصمت من السلطة في رام الله وتكيف إكراهي مع الواقع من الشعب، وألا مبالاة وأحيانا تواطؤ من العرب والمسلمين المنشغلين بهمومهم الداخلية، يتم قطع صلة القطاع شمالا بفلسطين المحتلة ودفعه جنوبا باتجاه سيناء ومصر، ولا ندري إن كان ربط قطاع غزة بمصر في هذه المرحلة الانتقالية التي تشهدها مصر والمفتوحة على كل الاحتمالات، يخدم القضية الفلسطينية أم يرمي بها إلى المجهول؟.

نتفهم الدوافع النبيلة للاهتمام المصري – شعبا وحكومة ومجلسا عسكريا وبرلمانا- بقضية غزة وبمعاناة أهل غزة وحرص الجميع على حل مشكلة الوقود في غزة، ولكن نتمنى أن يكون الاهتمام المصري بهذا الموضوع غير منقطع الصلة بالقضية الفلسطينية بشكل عام وأن يتم التعامل مع القطاع باعتباره جزءا من فلسطين ما زال يخضع للاحتلال ولو نسبيا، وأن يكون التعامل من منطلقات عقلية وقومية وليس على أساس أيديولوجي، وكلنا ثقة بالمجلس العسكري وبالحكومة المصرية حيث لا نعتقد أنهما سيسجلان على أنفسهم وعلى الشعب المصري جريمة أنهم ساهموا وساعدوا في تدمير المشروع الوطني الفلسطيني وفي تكريس الانقسام.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 22/آذار/2012 - 28/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م