تعمل الدول بشكل دائم في اتجاه تمتين جبهتها الداخلية بالتزامن مع
انتهاج سياسة خارجية متوازنة حتى تحقق اهدافها المرسومة على الصعيدين
الاقليمي والدولي.. لكن العراق اليوم ما زال يعاني مشاكل داخلية؛ تتعلق
بتأجيل اللقاء الوطني واستمرار خلافات الكتل السياسية بالتزامن مع
استحقاق انعقاد القمة العربية ببغداد وتوليه رئاستها الدورية، مما يشكل
اخلالا بقاعدة تحقيق الاهداف.
عليه يجب الفصل تماما بين الملف الداخلي وخلافات الكتل السياسية من
جهة وبين ملفي السياسة الخارجية والقمة العربية من جهة اخرى ؛ طريقا
وسبيلا لإنجاح رئاسة العراق للقمة وابراز ثقله الجغرافي والسكاني
والموضوعي الذي يليق به ويحقق اهدافه في العودة الى محيطه العربي من
خلال القمة التي رصدت لها الاموال والجهود منذ اكثر من عام (450) مليون
دولار العام الماضي و100 مليار دينار اضافية في العام الحالي)، ولتؤجل
بقية الملفات والقضايا الداخلية الى ما بعد القمة.. لتعالج بلغة الحوار
العقلاني الهادئ.
السؤال الذي يطرح نفسه ما الفائدة التي سيجنيها العراق من القمة حتى
يؤجل ملفاته الداخلية.. لأجل عينيها؟
ان خلافات الكتل السياسية هي ليست مشاكل ومعاناة المواطن اليومية،
لذا فانها لا تعتبر استحقاقا يسبق القمة الا اذا ظهرت قبيل انعقادها،
والجميع يعلم ان هذه الخلافات والاختلافات تأصلت في الممارسة السياسية
العراقية وهي تقترب من ربيعها السنوي الثاني.
كما ان فائدة القمة لا تحتسب هنا بالقيمة المادية بل المادية
والمعنوية ايضا، فالعراق عضو في الجامعة العربية واحد مؤسسيها ويطبق
فقرة تنص على تداول انعقاد القمة بين اعضائها وفقا للتسلسل الابجدي،
هذا من ناحية.
من ناحية ثانية، يمثل انعقاد القمة ورئاسة العراق لها استحقاقا
تمارسه الدول في اطار العلاقات الاقليمية وحتى الدولية.. ناهيك عن رغبة
العراق بتغليب لغة الحوار البناء بين الاشقاء؛ ومساعدته في الخروج من
طائلة البند السابع.
يضاف الى كل ذلك الجوانب المتعلقة بالتمثيل الدبلوماسي والاتجاه
الايجابي على مستوى العلاقات الثنائية وعوائد الاتفاقات الاقتصادية
وبالذات المتعلقة بإيجاد منافذ تصديرية جديدة للنفط العراقي عبر البحر
الاحمر او اعادة العمل بخط الانابيب السعودي المعطل منذ عام 1990،
والربط الكهربائي او السكك الحديدية وغيرها مما يعود بالنفع العام
والايجاب على مجمل الاوضاع السياسية والامنية والاقتصادية في البلاد
ودوام استقرارها.
ان اهمية قمة بغداد ليست في انها حق يعود للعراق بعد غياب دام اكثر
من ثلاث سنوات.. فمنذ تحويل موعد انعقاد القمة في مؤتمر الدوحة عام
2009 من بغداد الى سرت الليبية عام 2010.. والموضوع يشكل عائقا امام
تمتين علاقات العراق مع محيطه العربي واعادتها الى ما كانت عليه او
ازالة اسباب الجفاء التي طبعت توجهات اغلب الدول العربية تجاه النظام
الديمقراطي في العراق.
ان اهمية القمة لا تتوقف عند ذلك؛ بل تنطلق في انها اول لقاء يجمع
القيادات العربية بعد الاحداث التي اجتاحت معظم الاقطار واسقطت اعتى
الديكتاتوريات التي كانت تتحكم بمصائر شعوبها وشعوب المنطقة، لذا فان
تمثيلها ليس تمثيل الحكام؛ مثلما كانت باقي القمم؛ بل نزولا عند رغبة
الشعوب وتطلعاتها بعد غلبة ارادتها على تعنت الحكام وسياساتهم القمعية
والاستبدادية.. وهذا المردود هو المطلوب والمرجو من قمة بغداد التي
ينتظر منها ان تعكس صورة مغايرة لجميع القمم العربية السابقة.. يكون
فيها المواطن وتطلعاته هم القمة ومحورها.. لا العكس.
|