حلم البشرية بالقضاء على التمييز العنصري؟

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: التعايش حلم الشعوب جميعا، لاسيما تلك التي لا تزال تقبع في المراتب الأدنى من التحضَّر، ويعد التمييز العنصري بين فرد وآخر، أو بين جماعة وأخرى، من أخطر أسباب الفتن والصراعات بين مكونات المجتمع الواحد، ونظرا للخسائر الجسيمة التي تعرضت لها البشرية بسبب هذه الظاهرة الخطيرة، فقد خصصت الامم المتحدة يوما عالميا تذكّر فيها بالأضرار الجسيمة التي ألحقت بكرامة الانسان وحريته، حيث يحتفل العالم باليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري في 21 مارس من كل سنة. ففي هذا اليوم من سنة 1960، أطلقت الشرطة في جنوب أفريقيا الرصاص على متظاهرين شاركوا في تظاهرة سلمية، ضد قوانين المرور المفروضة من قبل نظام الفصل العنصري،  فقتلت منهم  69 شخصا.

ومع التطور الملحوظ الذي حققته البشرية في مجال مكافحة التمييز العنصري، إلا أننا لا نزال نلحظ تناميا هنا وهناك لهذه الظاهرة، كما يحدث ذلك في بعض الاماكن المحتقنة من العالم، حيث تتأجج بين حين وآخر، بؤر عنصرية تثير الصراعات والتصادمات هنا وهناك، لاسيما في بعض الدول العربية، بعد النتائج التي حققتها ثورات الربيع العربي، حيث بدأت الوقائع تفرز تصادمات بين بعض الاعراق والاثنيات والاقليات المختلفة، كما حصل ذلك في مصر، بين الاقباط والمسلمين على سبيل المثال.

إن مبدأ مكافحة التمييز العنصري، يقوم على تحقيق عنصرين أساسيين وينشرهما بين الجميع، هما المساواة وحفظ كرامة الانسان، إذ يرتكز (ميثاق الأمم المتحدة على مبدأي الكرامة والتساوي الأصيلين في جميع البشر، وأن جميع الدول الأعضاء قد تعهدت باتخاذ إجراءات جماعية وفردية، بالتعاون مع المنظمة، بغية إدراك أحد مقاصد الأمم المتحدة المتمثل في تعزيز وتشجيع الاحترام والمراعاة العالميين لحقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا، دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين). وقد تحققت إنجازات مهمة على هذا الصعيد، بعد أن بذلت الامم المتحدة والدول المعنية جهودا مرموقة في هذا المجال، إذ ورد في تقرير للامم المتحدة بهذا الصدد يقول (لقد ألغيت القوانين والممارسات العنصرية في بلدان عديدة، وتمكنا من بناء إطار دولي لمكافحة العنصرية يسترشد بالاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري. وتقترب هذه الاتفاقية الآن من مرحلة عالمية التصديق، بيد أنه لا يزال هناك في جميع المناطق أشخاص عديدون وجماعات ومجتمعات عديدة تعاني من الظلم والوصم بالعار الذين تسببهما العنصرية. وحسبما تؤكد المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فإن الناس جميعا يولدون - أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق-. ويذكرنا اليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري بمسؤوليتنا الجماعية تجاه تعزيز هذا المبدأ المثالي وحمايته). هذا التقرير يؤكد أن التمييز العنصري لا يزال حاضرا وفاعلا في مناطق عدة من العالم، والسبب الاساس الذي يغذيه ويقف وراءه، ضمور الوعي وتدهور المستوى الثقافي، مقابل ازدياد متواتر في التعصب والتطرف والاعتداد بالأنا الفردية والجماعية على حساب الانتساب للانسانية، وهذا يستدعي جهودا استثنائية لمعالجة التمييز بأشكاله كافة، لاسيما في المجتمعات التي تتمتع بثروات وموارد مالية كبيرة كما هو الحال بالنسبة للعراق ودول عربية اخرى، إذ تساعد الاموال على نشر الوعي والتثقيف ونشر مبدأ التعايش بين الجميع.

وقد تبلور الجهد الدولي بوضوح في هذا المجال عندما أُعلنت الإتفاقية الدولية للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري وقد ورد في هذه الاتفاقية، (يقصد بتعبير "التمييز العنصري" أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفصيل يقوم علي أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الاثني ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، علي قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة). ومن بنود هذه الاتفاقية: تتعهد كل دولة طرف بعدم تشجيع أو حماية أو تأييد أي تمييز عنصري يصدر عن أي شخص أو أية منظمة. وكذلك تتخذ كل دولة طرف تدابير فعالة لإعادة النظر في السياسات الحكومية القومية والمحلية، ولتعديل أو إلغاء أو إبطال أية قوانين أو أنظمة تكون مؤدية إلي إقامة التمييز العنصري أو إلي إدامته حيثما يكون قائما.

ومع ذلك لا يزال العالم يتطلع الى يوم يسود فيه التعايش بين البشرية جمعاء، ولا يزال السؤال مطروحا -على الرغم من تزايد العمل الدولي في مجال مكافحة التمييز العنصري- متى سيخلو العالم من هذه الآفة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 21/آذار/2012 - 27/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م