افغانستان... مفاوضات الثقة المعدومة

متابعة: المحلل السياسي

 

شبكة النبأ: فيما شن الجمهوريون حملة مناهظة لسياسة اوباما تجاه افغانستان واتهامه بخلق أزمة عندما حدد جدولا زمنيا ثابتا لسحب القوات الاميركية من افغانستان بنهاية 2014. دعت موسكو قوات حلف الاطلسي التي تقودها الولايات المتحدة عدم الانسحاب من افغانستان الا بعد ان تصبح القوات المحلية قادرة على ضمان الامن في البلاد.

وبعد اكثر من عشرة اعوام من الحرب، لا يزال نحو 130 الف جندي يقاتلون في اطار القوة الدولية للمساعدة على احلال الامن في افغانستان لدعم الحكومة الافغانية في مواجهة طالبان. ويتهم مراقبون الولايات المتحدة بفشلها، على الدول أن تتلمس خطاها بحذر لكيلا تُخَلِّف وراءها مزيدا من الفوضى وجثث القتلى.

حيث يقول الكاتب والمحلل السياسي الأميركي ديفد إغناتيوس إن بعض الأحداث التي وقعت مؤخرا في أفغانستان تشي بأن المهمة العسكرية الأميركية هناك تمر بأسوأ مراحلها، فمن تبول جنود على جثث قتلى من حركة طالبان وإحراق مصاحف إلى ارتكاب جندي مجنون مجزرة بحق مدنيين.

ويرى الكاتب أن المسألة بالنسبة لواضعي السياسة الأميركية لا تكمن في طبيعة الحرب، بل في كيفية وضع حدٍ لها. وهنا ربما تكون ردود الأفعال الفورية والقوية على ما حدث هذا الأسبوع مضللة لما قد تسفر عنه من قرارات متسرعة تودي بحياة مزيد من المدنيين.

ومهما يكن من أمر فإن انسحابا تحت وابل من النيران ينطوي على قدر من الخطورة، لا سيما إذا كان متعجلا ولا ينسجم مع خطط سابقة للانسحاب. ويرى الكاتب انه من المفيد عند التفكير في كيفية إنهاء الحرب بافغانستان النظر في ثقافة الخصوم، بحسب تعبير إغناتيوس. فقبائل البشتون يحسنون إشعال الحروب، لكن لهم طقوسهم كذلك لإيقافها، فالمقاتل منهم يذهب إلى منزل خصمه ليُسَوِّي الخلاف معه.

لقد ظل مبعوث أوباما الخاص إلى المنطقة مارك غروسمان يُجري مباحثات سرية مع حركة طالبان لأكثر من عام. وبدت الأمور حتى الأحد الماضي تسير في الاتجاه الصحيح نحو قبول طالبان بفتح مكتب لها في دولة قطر والدخول في مفاوضات سلام حقيقية. غير أن هذا المسار ستكتنفه بلا أدنى شك صعوبة بعد حادثة الأحد الماضي، والتي منحت المتشددين من طالبان حججا جديدة لمقاومة تلك المفاوضات.

كما دأب غروسمان على التباحث مع دول الجوار الأفغاني بخصوص إقامة بنية تحول دون تفتت أفغانستان في المستقبل. ولا يزال هذا الإطار الإقليمي ممكنا على ما يبدو، حتى لو ثبت عدم جدوى التفاوض مع طالبان.

وخلص إغناتيوس إلى أن الخيارات الدبلوماسية غير مضمونة النتائج، تماما مثل العمليات العسكرية الأميركية على الأرض. لكنها مع ذلك تظل جزءاً من إستراتيجية انسحاب تبدو منطقية تماما حتى بعد مأساة الأحد في قندهار.

ويرى محللون سياسيون ان قندهار تعيش حالة مأساوية تحتم على جميع الأطراف الجلوس إلى طاولة المفاوضات باستثناء تنظيم القاعدة، وهذا يشمل بالطبع حركة طالبان.

ويرى مراقبون أن التفجير القاتل الذي أودى بحياة ستة جنود بريطانيين الأسبوع الماضي أعاد الحرب المنسية في أفغانستان إلى صدر الصحف البريطانية. كما أن مذبحة المدنيين البشعة التي جرت أول أمس الأحد تعني أنها ستلقي بظلالها على زيارة رئيس الوزراء ديفد كاميرون لواشنطن.

ومن الصعب تصور سبب إقدام جندي على قتل مدنيين. لكن الضرر الواقع على مهمة حلف شمال الأطلسي ناتو هائل، فالثقة بين السكان المحليين أغلى سلعة في أي عملية عسكرية أو سياسية ضد المتمردين. وليس هناك طريقة أضمن لفقد تلك الثقة من قتل النساء والأطفال، ربما باستثناء حرق المصحف.

ويرى محللون أمريكيون ان الولايات المتحدة تدفع ثمن هيمنة الأساليب العسكرية على الإستراتيجية السياسية. وبدون تغيير عاجل للمسار، فإن الأمور ستزداد تعقيدا. وتعهدت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بأن الحكومة الأميركية ستزيد الثقل السياسي لإنهاء الصراع الأفغاني.

فبعد عام وافقت حركة طالبان على فتح مكتب للتباحث في قطر، لكن هذا التقدم قزمه الخلاف البغيض للحكومات الغربية التي قررت بشكل أحادي سحب قواتها بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، وفساد الحكومة الأفغانية، وعدم الاستقرار في باكستان وعلاقتها بأميركا، والآن الوعود بالثأر للمذبحة التي راح ضحيتها أبرياء في قندهار.

وقال ميليباند إن مقاتلي طالبان يريدون العودة إلى وطنهم ونحن كذلك، ومن ثم فهذه هي الفرصة لتسوية سياسية. والحقيقة هي أن أفغانستان لم تُحكم أبدا من قبل حكومة مركزية قوية، ولم تحتكر الدولة الرسمية العنف أبدا.

ويرى مراقبون أن حلا أفغانيا دائما يتمثل في صيغة بسيطة: جميع شعوب أفغانستان يشاركون، وجميع الجيران أيضا، وتبقى القاعدة خارج اللعبة. ومع أن الكلام أسهل من العمل فإنه ليس مستحيلا، فهذا لصالح جميع الأطراف.

وبما أن الثقة شبه معدومة فنحن بحاجة ملحة إلى وسيط مستقل يعينه مجلس الأمن كما يفعل كوفي أنان الآن في سوريا. وبالنسبة لأفغانستان يجب أن يكون شخصا من العالم الإسلامي. وقد قام وزير الخارجية الجزائري الأسبق الأخضر الإبراهيمي بهذه المهمة للأمم المتحدة بين عامي 2001 و2002. ويرى محللون سياسيون ينبغي أن يكون الوسيط منوطا بإنشاء مسارين تفاوضيين:

الأول من أجل تسوية داخلية مبنية على حكومة غير مركزية. والثاني من أجل تعهد إقليمي من كل الدول بما في ذلك إيران التي لديها سبب وجيه لتخشى عدم الاستقرار وتجارة المخدرات على حدودها الأفغانية.

كما أن الغرب بحاجة إلى تحديد أسبابه الحقيقية، ونحن نحتاج أن نكون منصفين لمصالحنا الثابتة في المستقبل وإرث أفعالنا في الماضي. ويرى محللون أن من الأفضل وجود مجلس للاستقرار الإقليمي يضم كل الجيران إلى جانب الولايات المتحدة وروسيا. وان الناتو بحاجة إلى إستراتيجية خروج من أفغانستان مؤطرة حول تسوية سياسية تكون هي السبيل الوحيد لتوفير استقرار دائم وآلية لتنفيذها، وهذا هو ما ينبغي أن يكون في صميم زيارة كاميرون لواشنطن هذا الأسبوع.

وتحدثت انباء عن التفاصيل الأخيرة بشأن العملية الانتحارية تظهر أن بانتيا كان في خطر أكبر مما أقر به المسؤولون بادئ الأمر.

وكان المسؤولون بالدفاع قللوا بداية من أهمية الحادث بمعسكر باسشين بولاية هلمند جنوبي أفغانستان، ولم يكشفوا مباشرة عن تلك التفاصيل حين قالوا إن طائرة بانيتا قد حطت على المدرج قبل وقوع الحادث، رغم أنهم لم يكشفوا عن مدى قرب الطائرة بالشاحنة المسرعة.

غير أن أحد المسؤولين أقر بأنه لو أن الهجوم تأخر خمس دقائق، لكان من المحتمل أن يكون بانيتا في مسار الشاحنة المسرعة بالمدرج.

وأشار مسؤولون بالبنتاغون إلى أن المترجم الأفغاني كان يستهدف بشاحنته مجموعة تشمل اللواء تشارلز غورغانوس من مشاة البحرية وهو أعلى قائد بهلمند ونائبه العميد البريطاني ستيوارت سكيتس.

يُذكر أن هذا الهجوم يأتي بعد ثلاثة أيام من إقدام جندي أميركي على قتل 16 أفغانيا، بينهم تسعة أطفال بولاية قندهار بالجنوب، وهو ما أثار سخط الأفغان وأدى إلى تدهور العلاقات بين واشنطن وكابل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 20/آذار/2012 - 26/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م