شبكة النبأ: من ضمن المسارات الفكرية
التثقيفية والاصلاحية، التي ركّز عليها الامام الراحل، آية الله
العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، هي قضية الشباب
ومأساتهم المتمثلة في مواجهتهم لمشكلات العصر الراهن، فقد أكد الامام
على أن الشباب يواجهون مشاكل جمة تتعلق بمنظومة التفكير والسلوك، خاصة
أنهم عرضة للثقافات الغربية الوافدة وغيرها، لذا يتطلب الامر استعدادا
فكريا تثقيفيا منظمات ومستمرا، من أجل مساعدة الشباب على تجاوز هذه
المأساة الحقيقية، لذا يؤكد سماحته في كتابه القيّم الموسوم بـ
(الشباب): (مأساة الشباب في هذا القرن من أكبر المآسي.. حيث لم يعرفها
التاريخ المكتوب فيما سبق.. وذلك لأن الشباب قديماً لم يكونوا طبقة
مستقلة لا تستشير الكبار ولا تأخذ بنصحهم.. وإنما هم تبع لآبائهم
الناضجين.. فكانوا يوردونهم الحياة تدريجياً بنضج لابأس به حتى يسّدوا
مسد الآباء). وهذا يؤكد الدور الكبير للاباء ومسؤولياتهم الكبيرة في
مساعدة الشباب على تجاوز هذه المحنة الكبيرة.
حل مشكلات الشباب بأيدينا
يقول أحد الشباب في معرض اجابته عن المشكلات التي يعاني منها الشباب
العراقي على سبيل المثال: (إن المشاكل كثيره لكن الحل بأيدينا، أقصد
الحل بأيدي الشباب الصالحين الذين يمتلكون العقلية الصالحة، فبطرق
متعددة يمكنهم اصلاح هؤلاء الشباب ، واذا لم تتحرك انت وانا في كسب
واصلاح مثل هؤلاء، فتأكد بأنه بعد سنوات قليله لن يبقى إلا القليل
القليل من الشباب الصالحين). إن هذا الكلام ينطوي على شعور كبير
بالمسؤولية من لدن الشباب أنفسهم، ويدل على أنهم راغبون فعلا في تجاوز
المخاطر التي تفد مع الثقافات الدخيلة، لكن هناك مسؤولية جدية تتعلق
بدور الكبار وأعني بهم الآباء، وليس الامر محصورا بالآباء عائليا، بل
آباء الشباب الحكوميين والدينيين والمثقفين وكل من يعنيه أمرهم.
ومن الملاحظ أن هناك كثيرا من الاسباب التي تقف وراء تردي أحوال
الشباب المادية والفكرية، ومنها انخراطهم في بعض التجمعات المشبوهة،
ولكن ثمة فراغ قاتل وبطالة مستشريه واهمال لطاقات ومواهب الشباب كبيرا
جدا، ناهيك عن مناهج التثقيف والتدريس وما شابه، إذ يقول الامام
الشيرازي في هذا الجانب بكتابه المذكور نفسه: (المناهج العالمية في هذا
القرن أوجدت فاصلا حديدياً بين طبقة الآباء وطبقة الأبناء، وذلك بسبب
الجوّ الذي هيأوه للأبناء من المدارس والنوادي والجرائد والمجلات
والإذاعة والتلفاز والفيديو والسينما ومختلف المنظمات والتجمعات غير
الصحيحة.. كما اتهمت الآباء بالخرافة والرجعية وعدم الفهم وما أشبه
ممّا سبّب عزوف الأبناء عن الآباء وهذا أول الوهن).
إبعاد الشباب عن جادة الصواب
وهناك عمل يُبذل قصديا لابعاد الشباب عن جادة الصواب، وهو عمل منظّم
وينجح في الغالب في تحقيق أهدافه بسبب غياب العمل المضاد، وانتشال
الشباب من براثن الفراغ، وتركهم بمفردهم في مواجهة غول الثقافات
الوافدة، ناهيك عن تقصير الآباء في هذا الجانب، إذ يقول الامام
الشيرازي بهذا الخصوص: (إضافة إلى إبعاد الشباب ـ بمختلف الوسائل ـ عن
الله واليوم الآخر.. فلا رقابة ذاتية ولا أبوية ولا غيرها من الأسباب،
وبذلك أصبحوا في واقع الحياة قبل أن تعركهم التجارب، فأصبح الكثير من
القرارات التي اتخذوها لأنفسهم خاطئة). ويؤكد سماحته قائلا: (لقد
استغل جماعة من الصيادين ومن طلاّب المال والشهوات قدرة الشباب واخذوا
بأزمتهم فأوردوهم موارد الاستعمار ومناهل الفساد والانحلال، وتبعاً
لذلك جاءت المشاكل التي منها العنوسة والعزوبة .. فملأوا بهم المباغي
والملاهي والمراقص والنوادي الفاسدة .. وبذلك امتلأت بهم السجون ونصبت
لهم المشانق).
فيما يظهر دور الفقر والمرض والجهل والاهمال الحكومي وسواه جليا، في
هذا الميدان، حيث تتضاعف مشكلات الشباب في ظل هذه الاخطاء الجسيمة التي
يرتكبها الكبار، إذ يقول الامام الشيرازي في هذا الصدد: (إضافة إلى
المشاكل الأخرى التي غطت حياة الشباب، من البطالة والفقر والمرض
والتسيّب والقلق وغير ذلك.. ممّا لم يفرق في ذلك شرقاً عن غرب .. وغرباً
عن شرق .. ومسلماً عن غير مسلم .. وبنين عن بنات.. فالكل فيه سواء).
المسؤولية جماعية نحو الشباب
أما الحل فيتمثل بصحوة عامة ومستديمة لجميع المسؤولين عن الشباب،
ابتداءا من العائلة، الاب والام، ولا ننسى الدور الحكومي الرئيسي في
هذا المجال، من خلال القضاء على فراغ الشباب بوسائل معاصرة، وتوفير
التعليم والعمل والترفيه، وما الى ذلك من امور قادرة على امتصاص طاقات
الشباب بصورة سليمة وصحيحة، يقول الامام الشيرازي في هذا الشأن: (من
الضروري على العقلاء من العلماء وغيرهم أن يهتموا بمسألة الشباب
ومشاكلهم فيأخذوا بالشباب في تنظيمات صحيحة حتى لا ينخرطوا في أحزاب
الغرب والشرق أو جماعات الفساد، فإن الشباب بطيبة أنفسهم وعدم تجاربهم
لمناهج الحياة سهل الانقياد.. وخصوصاً أن طموح الشاب المتزايد وشهواته
العارمة يوجبان له الاندفاع في كل اتجاه يتصوّر أنه يؤمِّن له هذين
الأمرين).
إذن لابد أن نتفق بأن تخفيف مأساة الشباب أو القضاء عليها تستدعي
جهودا جماعية كبيرة، أهلية ورسمية، يشترك فيها الكبير والشباب، الأب
والابن، الام والبنت، الاستاذ والطالب، رجل الدين والمثقف وغيرهما، فهي
مسؤولية جماعية كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي قائلا: (هناك مسؤولية
كبيرة على عاتق الجميع .. فإن تملك زمام الشباب لا يكون إلاّ بجذب
بنّاء صحيح في العقيدة والعمل بحيث يوفّر للشباب من الجنسين العمل في
قبال البطالة، والعلم والدراسة في قبال الجهالة، والسكن والمسكن
والعلاج الصحي والحماية وغيرها في قبال عدمها).
وكلنا نتفق على أن الحياة تنطوي على صعوبات ومخاطر وتعقيدات كثيرة،
يجهلها الشباب في أوائل أعمارهم، هنا يأتي دور التوعية والتثقيف،
بالاسلوب المحبب للشباب والقريب من وعيهم ومستوياتهم الفكرية وذائقتهم
ايضا، لذا يؤكد الامام الشيرازي في هذا المجال قائلا: (من الضروري بث
التوعية في صفوف الشباب حتى يعرف كيف يسلك سبل الحياة الآمنة؟ إن سبل
الحياة متشعبة وصعبة وشائكة ـ خصوصاً في هذا العصر ـ فاللازم أن يؤخذ
بأيدي الشباب علماً وعملاً حتى يعرف كيف يمكنه أن يسير في هذا الضنك
بسلام؟ في الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعائلية
وغيرها.. وكيف يتمكن أن يحلّ مشاكله؟).
وأخيرا يقول أحد الشباب بشأن المشكلات التي يواجهونها في العصر
الراهن: (مشكلة الشباب حاليا أنهم منقسمون الى جزئين: الاول عنده هدف
يريد تحقيقه ولكن لا شيء يساعد على تحقيق الاهداف ولا يوجد جهة تتبنى
افكار ومشاريع الشباب الستراتيجية. والثاني لا يعرف ماذا يريد و هي
الاغلبية العظمى!). |