التعسف الذكوري في المجتمع العراقي

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: تتسم الشخصية الذكورية في المجتمع العراقي بالتعسف في التعامل مع المرأة، الوقائع والأدلة المثبتة تؤكد هذا الاستنتاج أو الرأي، فشخصية الرجل تنطوي على خليط من النرجسية والاعتداد والسلطوية التي تُسهم بالنتيجة، في صناعة شخصية ذكورية دكتاتورية متعالية، ترى في أفعالها وأقوالها وآرائها معيارا صائبا في التعامل مع المرأة، وتحديد حركتها وأفكارها، الامر الذي يؤدي الى مسخ شخصيتها وتحويلها الى تابع لا رأي له.

من الامور التي يفرضها الرجل العراقي على المرأة، أنها لايجوز لها التنقّل إلا بعلمه، بمعنى اوضح، لا يجوز لها الخروج من البيت إلا بإذنه، ولا يجوز لها التحرك في أي اتجاه إلا بعد أن تحصل على موافقة الرجل، ولا يُشترَط هنا أن يكون الرجل زوجها، بمعنى حتى لو كان الأب أو الأخ أو الابن  أو ولي الامر، فهم جميعا يتعاملون مع المرأة بالطريقة نفسها، الطريقة التي تشي بعدم الثقة بها، بمعنى حين يمنع الزوج أو الاب أو الاخ أو الابن، المرأة من التحرك والتنقّل بحرية خارج البيت، فإن هذا المنع يعطي مؤشرا لا يقبل الدحض بفقدان الثقة بالمرأة، وبهذا تتحول الى كائن ضعيف خامل مسلوب الارادة والتفكير والابداع.

هذه الظاهرة التي لا يستطيع احد إنكارها، تنم عن حالة من التعسف الذكوري المرفوض جملة وتفصيلا، ولعل زيادة نسبة الانفصال والطلاق التي تؤكدها الارقام الواردة من دوائر الاحوال الشخصية، دليل على البون الكبير الذي يفصل بين المرأة والرجل، كما أننا قرأنا وسمعنا عن حالات هروب النساء العراقيات اللواتي يعشن في الغرب من رجالهن أو عوائلهن، بعد أن وجدن القانون الذي يحمي المرأة وخياراتها من سطوة الرجل، هذه الحالة نقلها أكثر من شخص يعيش في الغرب، وهي دليل على فقدان التوافق بين الطرفين، فإذا كانت المرأة تعيش داخل العراق في كنف الرجل وتحيط بها ممنوعات المجتمع، فإنها هناك في الغرب لا تعترف بذلك.

إن محاكم الطلاق في العراق دقت ناقوس الخطر بشأن هذه الظاهرة، فالمرأة حين لاتجد في الرجل عنصر رحمة وحماية لها، سوف تبحث عن أقرب الوسائل البديلة، وقد تلوذ بأصعب الحلول وهو الطلاق، حيث يغيب أحيانا عنصر التكافؤ بين الزوج والزوجة، كالمستوى الثقافي، أو اختلاف البيئة، ريفي ومديني، أو اختلاف الدخل، فقرا وغنى، وهكذا، ناهيك عن طبيعة الشخصية المتغطرسة للرجل، الذي لا يحسن التعامل مع المرأة وتركيبتها الرقيقة.

هناك مشكلة اخرى ترتبط  بدكتاتورية الرجل ومسخه لشخصية المرأة، وهي عدم اعطاء المرأة حقها في العلاقات الجنسية، نحن نعلم أن الطرفين غالبا ما يفتقدان الى الثقافة الجنسية، وطالما أن الرجل يتعامل بسلطوية مع المرأة، فإنه يلجأ الى أسرع وأقصر الطرق لتحقيق شهواته واشباع رغباته، وغالبا ما يأتي هذا الامر على حساب حق المرأة في هذا المجال، وقد تدفع المنظومة الاجتماعية والاعراف السائدة بالمرأة الى كبت حاجتها الجنسية، فتغض النظر قسرا، عن تقصير الرجل في هذا الجانب، إذ هناك الخجل والحياء والخوف من نظرة المجتمع لها فيما لو طالبت بحقوقها، يعاضد ذلك اعتداد أخرق للرجل بشخصيته، وتمسك أعمى بسلطته الذكورية من دون التنبّه الى خطورة سلب المرأة حقوقها الجنسية وسواها.

بعضهم يبحث عن حلول لهذه الظاهرة، ومنهم من يطالب بإثارتها ودراستها بصورة جدية وواسعة، فهناك على سبيل المثال منظمات المجتمع المدني الخاصة بالمرأة أو الحرية، أو سواها من المجالات الاخرى، لكن كلنا نتفق على ان هذه المنظمات لا تأثير لها في هذا المجال أو حتى غيره، لأنها أصبحت مصدر اعتياش وتحصيل للمال، من دون القيام بدورها الرقابي على السلطة، والتثقيفي للمرأة وغيرها.

المجتمع العراقي يحتاج الى مسارات جديدة للسلوك والافكار التي تعطي للمرأة قيمتها الحقيقية، وتساعدها على بناء شخصيتها القوية الفاعلة، قد يتحقق هذا في حالة واحدة، اذا آمن الرجل قولا وسلوكا بقدرات المرأة، ومنحها الثقة المطلوبة، وتخلى عن التعامل التعسفي معها، وهذا الامر يتطلب بدوره مساعٍ وجهود كبيرة لاعادة صياغة شخصية الرجل العراقي، بما يطفئ فيه سلطة الأنا والاعتداد الأخرق، والغطرسة الزائفة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 18/آذار/2012 - 24/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م