السياحة الاستكشافية... مغامرات تجمع المتعة والثقافة

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: تستأثر بعض المدن ذات الطابع العالمي في مجال السياحة باهتمام الساحين وهواة المغامرة ومحبي السفاري، وقد انفقت العديد من الدول على مدنها المميزة اموال طائلة من اجل استثمارها في قطاع السياحة الذي اصبح من الموارد المهمة في رفد ميزانيات الدول من خلال العوائد والارباح الكبيرة التي يدرها في كل عام.

وتوفر السياحة بالنسبة للسواح فرصة حقيقية للترفيه عن النفس والابتعاد قليلاً عن ضغوط الحياة العصرية واجواء العمل الروتينية، اضافة الى اكتشاف عوالم جديدة لم تخطر على بالهم من قبل، خصوصاً وان المغامرات بانتظارهم دائماً في غابات افريقيا وحيواناتها المفترسة او عند قضاء يوم في فندق من الجليد او الذهاب الى ارخبيل اندونيسيا المذهل.

من جهة اخرى فان السياحة لا تخلوا من مضار بيئية خطيرة لا يمكن تجاوزها او السكوت عنه، خصوصاً وان الجفاف والتصحر والكوارث البيئية قد ساهمت هي الاخرى في تقليص المساحات الخضراء وتهديد مناطق بيئية ذات طبيعة نادرة بالزوال، وقد شجعت الارباح الكبيرة من عائدات السياحة العديد من المستثمرين بأنشاء المجمعات والمرافق السياحية ومن دون الاكتراث بالطبيعة او حماية النباتات والحيوانات التي تعيش فيها.

بونتا ديل آيستي واحة للمستثمرين

فالفورة العقارية ومجيء النجوم جعلا من بونتا ديل ايستي المجمع السياحي الساحلي الرئيسي في الاوروغواي، ملاذا للمستثمرين والسياح الراغبين بالافلات من الازمة المالية الاوروبية في مطلع فصل الصيف في نصف الكرة الارضية الجنوبي، ويضفي الرياضيون وكوادر كبرى الشركات في القارة والنخب من الدول المجاورة وغالبيتهم من الارجنتينيين، على شبه الجزيرة هذه الواقعة على بعد 140 كيلومترا شرق مونتيفيديو، جوا من الترف والالق، ويقول عمر ميلار رئيس جمعية الوكالات العقارية في بونتا ديل ايستي لوكالة فرانس برس "حتى الان لم نشعر باثار الازمة العالمية التي تطال على سبيل المثال اوروبا. النصف الاول من الشهر الحالي شهد مجيء الكثير من الناس" الى المنطقة، ويؤكد عمر ميلار "من غير الممكن التكهن ببقية الموسم" الا انه يظهر تفاؤلا للاسابيع المقبلة، من جهته يؤكد لويس بورساري رئيس غرفة السياحة في الاوروغواي ان "الموسم جيد" من الان وان عدد الزوار مشابه "لعددهم العام الماضي"، لكن بورساري يشير الى ان "مستوى الانفاق اقل والسبب يعود جزئيا الى الاجراءات التي اتخذتها الحكومة الارجنتينية (نهاية تشرين الاول/اكتوبر) بهدف خفض اخراج العملات الصعبة" من خلال الحد من شراء الدولار في حين ان الارجنتينيون يشكلون تقليدا، غالبية السياح في شبه الجزيرة هذه، وفي خضم عملية توسع عقاري وعمراني كبيرة، تجذب المناطق المجاورة مثل لونا ديل سوسي (15 كيلومترا غربا) وخوسيه ينياسيو الانيقة جدا على بعد 40 كيلومترا شرق بونتا ديل ايستي، نجوم الفن وكبار رؤساء الشركات اصحاب الملايين الذين يشترون دارات ضخمة على شاطئ البحر. بحسب فرانس برس.

ويعتبر لويس بورساري ان احد اسباب هذه الفورة العقارية يعود الى الازمة في اوروبا "التي دفعت الذين لديهم رساميل الى الملجيء الى مكان يشعرون فيه بالامان" مالي، وترى صحيفة"ايل اوبسرفادور" ان المقاولين الخاصين يعتبرون ان قيمة المشاريع التي تنفذ في قطاع البناء حول بونتا ديل ايستي تبلغ 700 مليون دولار، وتشهد السيارات الفارهة واليخوت الكبيرة الراسية في المرفأ والطائرات الخاصة، على القدرة الشرائية الهائلة لهؤلاء الزوار، فإلى جانب سياح المنطقة وركاب الرحلات البحرية السياحية تستقبل المنطقة عددا متزايدا من النجوم العالميين مثل مؤسس موقع فيسبوك مارك زاكربرغ الذي اتى في كانون الثاني/يناير الى خوسيه ايناسيو والمغنية الكولومبية شاكيرا ومؤسس "نابستر" شون باركر ومغني فرقة "ميتاليكا" جيمس هيتفيلد، ويستمتع السياح بطقس جميل ويمكنهم الاختيار بين التوجه الى الشاطئ او ممارسة رياضة الغولف والبولو وكرة المضرب، كما تتوافر لهم فرصة زيارة غاليرهات فنية تعرض مثلا اعمال بول ساركوزي والد الرئيس الفرنسي نيكولا ساكروزي وتمضية السهرة بعد ذلك في اطار حفلات خاصة يحييها منسقو موسيقى عالميون مثل الفرنسي دافيد غيتا اخير، وفي العام 2011 تجاوزت عائدات السياحة الملياري دولار في الاورغواي على ما يقول وزير السياحة هيكتور ليسكانو الذي يعتبر ان القطاع "هو احدى قاطرات النمو الاقتصادي" في هذا البلد الصغير البالغ عدد سكانه 3،2 ملايين نسمة والذي استقبل في العام 2001 اكثر من ثلاثة ملايين سائح على ما تفيد الحكومة.

ارخبيل ام جنة موقتة

من جهة اخرى ومع مياه البحيرة الفيروزية اللون حيث تشرف الاكواخ المقامة على مجموعة اوتاد، على المرجان المتعدد الالوان يشكل ارخبيل رجا امبات جنة فعلية، لكن الى متى؟

يقع ارخبيل رجا امبات قبالة شواطئ بابوازيا وهو يوازي اهمية خليج هالونغ في فيتنام الا انه اوسع بكثير، فيتألف هذا الارخبيل من 610 جزيرة صغيرة منثورة على 4،5 ملايين هكتار و753 كيلومترا من الشواطئ الرملية "وهو يشهد على الارجح اكبر تنوع حيوي بحري في العالم" على ما اظهرت دراسة مرجعية اجرتها العام 2002 منظمة "كونسرفيشن انترناشونال" (سي اي)، والارخبيل المرشح للادراج على قائمة اليونيكسو للتراث العالمي هو "اخر جنة على الارض" على ما تؤكد مناشير هيئة السياحة، وقد يكون الامر صحيح، فالارخبيل جنة شبه عذراء لا تضم سوى سبعة مجمعات سياحية يضم كل واحد منها حوالى عشرة فيلات فقط، رجا آمات استقبلت العام الماضي 4515 سائحا اي زائر لكل الف هكتار، وهذه اللؤلؤة الاسيوية لا تزال مجهولة كثيرا وتبقى سرا يحافظ عليه حتى في فرنسا حيث يصور فيه مسلسل تلفزيون الواقع "كوه لانتا" على محطة "تي اف 1" الفرنسية الخاصة، وينبغي على الغربيين السفر لمدة 30 ساعة قبل ان يمارسوا رياضة الغوص في مياهها اللازوردية وهو الدافع الاساسي للزوار.

وتؤكد بام روث التي تمارس هذه الرياضة منذ 33 عاما "انه افضل مكان في العالم للغوص، احب المكان لانه بعيد عن كل شيء"، الا ان العمران يطل برأسه من وراء اشجار جوز الهند، فعند اخر درب مشقوق وسط الادغال عند خليج رائع كان معزولا تماما في ما مضى، يبنى مدرج طيران عند اقدام المياه الصافية، وبات هدير الات تقيطع الاشجار يطغى على زقزقات العصافير الاستوائية، وتقطع الاشجار او تقتلع لاقامة مطار يفتتح العام المقبل، ويقول يوسدي لاماتينغو وزير السياحة المحلي "نأمل بمجيء الكثير من السياح"، في المقابل يؤكد جيمي بريت مدير شركة "بابوا دايفينغ"، "اذا ارادوا ايجاد بالي جديدة فان السياح سيرحلون" في اشارة الى الجزيرة الاندونيسية التي غالبا ما تعتبر ضحية السياحية المكثفة، فالنظام البيئي الهش في الاساس بدأ يعاني على ما يقول هذا البلجيكي الذي يدير اول شركة فتحت مركزا سياحيا في رجا امبات في وسط التسعينات، ويقول بريت انه قام بعملية غوص في مضيق "باسادج" المعروف بمرجانه الجميل فتبين له انه "مكسو بالرواسب الناجمة من الطريق وورشة المطار". بحسب فرانس برس.

ويقر مارك اردمان المستشار لمنطقة اندونيسيا في منظمة "سي اي" ان العدد الحالي للسياح "متدن جد، الا ان مؤشرات السياحة المكثفة بدأت تظهر"، ويؤكد هاري انتورو درادجات المستشار الاول في وزارة السياحة الوطنية ان "الاهم بالنسبة لنا هو نوعية السياح وليس عددهم"، وفي مؤشر على حسن نيتها تشير السلطات الى اقرارها قانونا في تموز/يوليو يحد من عدد المجمعات السياحية والسفن السياحية الصغيرة المعروفة باسم "لايف بورد"، وقد تم انشاء سبع متنزهات بحرية تغطي 45 % من الشعب المرجانية والمانغروف، ولكن الحكومة رفضت التنديد باستغلال المناجم مع ان معلقا للنيكل في شمال الارخبيل ينتقد بانتظام على تأثيره السلبي على البيئة، ويقول درادجات "اننا نجني الاموال من المناجم اكثر من السياح"، ويقول هلموت هوشستيتر الالماني البالغ ستين عاما وهو يرتدي بزة الغوص "اظن انهم سيدمرون المكان، لذا يجب الاستفادة قدر المستطاع قبل ان يفعلوا ذلك".

واحة النخيل في مراكش مهددة بالزوال

على صعيد مختلف تواجه واحة النخيل الشاسعة في مراكش جنوب المغرب خطرا كبيرا، فالشح في المياه والزحف المديني والمشاريع السياحية الضخمة وملعب الغولف تهدد استمرارية الواحة التي يسعى برنامج طموح إلى الحفاظ عليه، وبعد عشرة قرون من إبصارها النور، تعاني واحة النخيل اليوم والتي تعتبر من أجمل المواقع في المغرب من بطش الانسان والمناخ مع، فالواحة الغنية بمئات آلاف أشجار النخيل التي كانت في ما مضى تشغل مساحة 16 ألف هكتار خسرت 30% من مساحتها في السنوات العشرين الأخيرة، بحسب الخبراء، إلى ذلك، فإن المشاريع السياحية الكبيرة التي أقيمت منذ بضع سنوات في قلب الواحة على حساب الطبيعة والتي "تضخ الكثير" من الماء تساهم في تدهور النباتات وزعزعة التوازن البيئي، على ما يقول الخبراء، ويوضح نور الدين الفتوحي وهو عالم جيولوجيا مائية في كلية العلوم في مراكش أن "المشاريع السياحية وعلى الرغم من حسناتها تستنزف الكثير من الماء، الأمر الذي يؤثر سلبا على التوازن البيئي"، ويضيف "أنا شخصيا أعتبر زيادة عدد ملاعب الغولف غير المنطقية جريمة". بحسب رويترز.

وتعتبر مراكش المسماة "المدينة الحمراء" نظرا إلى لون بيوتها المميز، الموقع الأكثر استقطابا للسياح وللمغاربة، ويمتع عشاق الطبيعة نظرهم بالجبال المكسوة بالثلوج التي تحيط بمراكش ويمكن رؤيتها من وسط المدينة، ولكن مراكش تضم اليوم عشرة ملاعب غولف، اثنان منها في واحة النخيل والأخرى لا تزال تنتظر ترخيصا ولكنها تستهلك كميات كبيرة من الماء، ونظرا إلى النجاح الذي تحققه الواحة من الناحية السياحية، أنشئ فيها نادي "كلوب ميد" الشهير مع ثلاثة أحواض للسباحة وملعب غولف فباتت الواحة تعكس تباينا واضحا، ولا سيما أن اسم مدينة مراكش التي بناها ملك المرابطين الأول يوسف بن تاشفين سنة 1062 يدعو إلى الحلم، وتنبع كلمة "مراكش" من كلمة "أمور" البربرية التي تعني "بلاد" وكلمة "أكوش" التي تعني "إله" أي أن معناها هو أرض الله" أو "الأرض المقدسة"، ولكن المثير للمفارقة هو أن المدينة باتت اليوم تضم نحو مليون نسمة وعددا هائلا من الفنادق وأحواض السباحة والرياض (بيوت تقليدية تحيط بها باحة داخلية)، وبما أن المغاربة أو الأجانب الأثرياء اشتروا جزءا من الرياض ورمموه، وجدت الطبقات الأقل حظوة نفسها خارج المدينة.

ويثير هذا الواقع المرارة والحنين في نفوس سكان واحة النخيل الذين يقل عددهم يوما بعد يوم، ويقول بوجمعة أحد سكان واحة النخيل بأسى "كان النبع يمر من هنا حيث أقف، وكان هناك جدول في الماضي ونبع ماء ونبع آخر بالقرب منه، وكان المكان يعج بمنابع المياه ولكن ما إن بدأوا ببناء فلل وفنادق حتى اختفت المياه نهائيا"، وبغية حماية واحة النخيل، أطلقت السلطات المحلية برنامجا خاصا سنة 2007 يهدف إلى غرس 430 ألف شجرة نخيل بحلول العام المقبل، ويقول عبد الإله مديدش مدير برنامج الحفاظ على واحة النخيل الذي تديره مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة "بفضل مركز معالجة مياه الصرف الصحي الذي افتتح سنة 2010 والآبار التي تم تشغليها، سنتمكن من توفير كميات كبيرة من المياه"، ويجهد مئات العمال يوميا لغرس أشجار نخيل جديدة والاعتناء بالأشجار القديمة، ويقول مديدش "لقد غرسنا حتى اليوم 415292 شجرة نخيل صغيرة هي بحال جيدة وأوراقها خضراء"، ويوضح أنه "واقعي ولكن متفائل"، قائلا "أعرف أننا لا نملك الوسائل الضرورية ولا سيما الماء لنحول الواحة إلى بقعة خضراء، وينبغي أن نكون واقعيين، ولكن بفضل هذا المشروع، يمكنني أن أقول إننا سوف ننقذه، أنا متفائل".

مدينة بـ300 نسمة لكنها سياحية

من جهتها وفيما مضى لم تكن مدينة كولونيا دِل ساكرامنتو الواقعة في جنوب أوروغواي مقصداً سياحياً محبباً، حيث تقول المرشدة السياحية ذات الأصول الألمانية، كارين رايمر، إنه قبل أكثر من 20 عاماً كانت ترسو على ضفاف المدينة عبّارات تنقل حافلات سياحية قادمة من العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس التي تقع على بعد 45 دقيقة، ولكن السياح الأرجنتينيين كانوا لا يتوقفون في المدينة الواقعة في لسان نهر «ريو دي لا بلاتا» ليتفقدوا معالمها، وإنما كانوا يتخذونها محطة في طريق رحلتهم إلى الشواطئ الخلابة المطلة على المحيط الأطلنطي، أما اليوم فتشهد المدينة الساحلية الصغيرة، المعروفة اختصاراً بكولونيا، ازدهاراً سياحياً كبيراً، وذلك منذ أن أدرجت «اليونسكو» المدينة العتيقة بها على قائمة مواقع التراث العالمي عام 1995 لما تزخر به من كنوز ودرر الفن المعماري البرتغالي والإسباني، ووفقاً لإحصاءات مكتب سياحة المدينة، تم في عام 2009 وحده تسجيل نحو 2000 جولة سياحية في المدينة العتيقة التي يقطنها 300 نسمة فقط، وكان نصف هذه الجولات من نصيب السياح القادمين من الدول المجاورة، غير أن كولونيا أصبحت في الآونة الأخيرة مقصداً محبباً للرحلات القصيرة للسياح القادمين من مناطق أخرى بالعالم، حيث باتت المدينة الصغيرة التي تُعد أقدم مدينة أسسها الأوروبيون في أوروغواي، محطة أساسية في برنامج سياح الأرجنتين الذين يرغبون في القيام برحلة خاطفة إلى أوروغواي، واستفادت رايمر من هذا الازدهار السياحي دون قصد، حيث تحولت فجأة من ربة منزل إلى مترجمة فورية في الجولات السياحية قبل 16 عاماً، وذلك بفضل إتقانها للألمانية التي تعتبر لغتها الأم، وفي الوقت الحالي اتجهت رايمر إلى تنظيم هذه الجولات السياحية بنفسها، وهي تفضل بدء الجولات من عند البوابة القديمة لحصن المدينة المنيع. وشكلت أسوار الحصن، التي يتنزه السياح عندها اليوم، درعاً واقياً للمدينة لفترة زمنية طويلة، حيث شهدت المدينة صراعاً رهيباً استمر 100 عام بين إسبانيا والبرتغال اللتين كانتا آنذاك قوتين استعماريتين كبيرتين، وجدير بالذكر أن البرتغاليين أسسوا مدينة كولونيا عام 1680 لأسباب استراتيجية، حيث أرادوا أن تشكل هذه المدينة معبراً إلى الطرق البحرية التجارية في نهر «ريو دي لا بلاتا».  بحسب وكالة الانباء الالمانية.

ولكن العام الذي تأسست فيه المدينة شهد احتلالها من قبل الإسبان، وفي العامين 1704 و1705 وقعت حرب ضروس بين القوتين العظميين آنذاك تسببت في تدمير المدينة بالكامل، ولكن بعد ذلك بقليل أُعيد بناء المدينة. وعن تاريخ مدينة كولونيا تقول رايمر «كانت كولونيا محلاً للنزاع بين كلا القوتين الاستعماريتين منذ نشأتها»، وفي إطار هذا النزاع تبادل الإسبان والبرتغاليون السيطرة على المدينة باستمرار وخلّفوا وراءهم آثاراً تحمل طابع فنهم المعماري، حيث شيد البرتغاليون منازل منخفضة الارتفاع ذات نوافذ صغيرة ومحاطة بأسوار شاهقة، كما بنوا الطرقات الأسفلتية على النمط البرتغالي، حيث توجد مسارب الأمطار، في منتصف الطرقات، وتتجسد روعة هذا النمط المعماري في زقاق «كالي دي لوس سوسبيروس»، الذي يعني «زقاق التنهيد»، أما الإسبان فشيدوا منازل بديعة تحولت في الوقت الحالي إلى فنادق فاخرة، حيث تزخر هذه المنازل بزخارف حديدية وتضم بين جنباتها أفنية فخمة وحدائق صغيرة ونافورات مياه رائعة، ولم تعرف مدينة كولونيا طعم الهدوء والاستقرار إلا بعدما نالت جمهورية أوروغواي استقلالها عام 1828، واليوم يحرص غالبية السياح الذين يتوافدون إلى المدينة على تسلق الفنار ليحظوا بإطلالة بانورامية رائعة على النهر والحصن والكاتدرائية، كما يتنزهون عبر الأزقة والميادين المكسوة بنبات الدفلي والياسمين التي لم يتم تصميمها على نمط رقعة الشطرنج المعتاد، وإنما تم مواءمتها مع الموقع الجغرافي، حيث تصطف المعارض الفنية الصغيرة ومحال الهدايا التذكارية والمقاهي المريحة والمطاعم التي تفوح منها رائحة اللحم المشوي جنباً إلى جنب، ويتبدى فخر سكان كولونيا بإدراج «اليونسكو» لمدينتهم على قائمة مواقع التراث العالمي في كل مكان، حيث تعلق المحال التجارية «تي شيرتات» تحمل شعار «اليونسكو»، في حين تزين المطاعم موائدها بمفارش تزدان بشعار اليونسكو وبألغاز حول تاريخ المدينة، ويكمن سر احتفاظ المدينة العتيقة برونقها وعبقها إلى أنها ظلت لفترات طويلة حياً يسكنه الفقراء، إذ كان يتم تشييد المباني الحديثة التي يسكنها الأثرياء في المدينة الجديدة.

وفي الستينات من القرن الماضي بدأت أولى مساعي الحفاظ على التراث التاريخي للمدينة، ويرجع الفضل في ذلك إلى رجل أرجنتيني قام بشراء أحد المنازل ذات الطابع البرتغالي عام 1970 تقريب، وعن هذا الحدث تقول رايمر «قام الرجل آنذاك بتحديث المنزل، وفجأة شهدت المنازل الأخرى إقبالاً كبيراً»، وفي الوقت الحاضر يجد زوار كولونيا أماكن مبيت تناسب كل ميزانية، بدءاً من الفنادق البسيطة التي تستهدف السياح الرحالة إلى الفنادق الفاخرة التي تخاطب الأثرياء، وخلال السنوات الماضية شهدت مدينة كولونيا، التي يبلغ عدد سكانها زهاء 22 ألف نسمة، بناء فنادق جديدة بطاقة استيعابية إجمالية تقدر بنحو 2500 سرير، وعن تأثير الازدهار السياحي في المدينة تقول رايمر «لقد كانت السياحة بمثابة طوق النجاة لنا، فقبل بضع سنوات تم غلق مصنع النسيج الذي كان أكبر رب عمل في المدينة»، وأشارت المرشدة السياحية التي تنحدر من أصول ألمانية إلى أن معدلات البطالة تقترب في الوقت الحالي من الصفر بفضل النمو السياحي، مستشهدة على ذلك بالسيارات ذات مكبرات الصوت التي تجوب طرقات المدينة بحثاً عن عاملات في الغرف الفندقية.

مدينة يونانية تجمع الترفيه والثقافة

بدورها وفي الساعات الأولى من الصباح، تبدو المدينة القديمة في جزيرة ميكونوس اليونانية كما لو كانت مدينة بائدة، ومع سطوع أشعة الشمس الأولى تتلألأ المنازل ناصعة البياض ذات النوافذ الملوّنة، التي تختبئ في المنحدرات الجبلية القاحلة كمكعبات متشابكة مع بعضها بعض، وتضم المدينة القديمة بين أركانها أزقة ممهّدة لا يسمح عرضها غالباً سوى بمرور حمار يحمل حمولة، وتحتل جزيرة ميكونوس موقعاً راسخاً في الأساطير اليونانية، وتزخر «ميكونوس» بأطلال المعابد والمسارح وغيرها من المباني، التي تُعد شواهد على الحضارة الإغريقية القديمة، وبحلول الظهيرة تفتح أولى المحال التجارية الصغيرة أبوابها، ويتم تلميـع نوافذ العرض على أكمل وجه، ووضع المعروضات في أماكنها، وتعرض كثير من هذه المحال هدايا تذكارية رخيصة الثمن وقليلة الجودة، ولكن توجد أيضاً محال تجارية تبيع ملابس أنيقة مسايرة لأحدث خطوط الموضة، وكذلك حُلي ومجوهرات باهظة الثمن، وفي المطاعم والمقاهي، يقوم النادلون بوضع الطاولات والمقاعد في الشرفات التي تظلل عليها أغصان الكرمة، ومع بداية فترة العصر، على أقصى تقدير، ويجب أن يكون كل شيء جاهزاً تماماً، إذ يستيقظ في هذا الوقت عشاق الحفلات ويملأون الأزقة الضيقة، وحينما تحط إحدى السفن السياحية رحالها على شواطئ الجزيرة ويتدفق منها فوج سياحي لقضاء نزهة لمدة يوم واحد في الجزيرة، فإنه قلما يكون هناك موطئ لقدم، ويجد المرء صعوبة بالغة في المرور وسط هذه الحشود، وغالباً لا يتسع وقت سياح الرحلات البحرية سوى للقيام بجولة في مدينة ميكونوس، قبل أن يصعدوا مجدداً على متن السفينة ويتوجهوا إلى جزيرة أخرى. بحسب موكالة الانباء الالمانية.

أما من يرغب من السياح في البقاء بضعة أيام في الجزيرة، فيمكنه أيضاً زيارة شواطئ ميكونوس الخلابة، التي تقع أجملها على الساحل الجنوبي للجزيرة، وبفضل مياهها الصافية ذات اللون الفيروزي تعد هذه الشواطئ من أفضل الشواطئ المطلة على أرخبيل الكيكلادس، وأسهل طريقة للوصول إلى هذه الشواطئ هي استئجار سيارة، أو استقلال خطوط الحافلات المتجهة إليه، ويحظى شاطئ «بارادايس بيتش» الممتد بطول 500 متر تقريباً بشعبية كبيرة بين السياح، إذ يضم بين أركانه نادياً شاطئياً ومطاعم ومركزاً للرياضات المائية، وعلى خليج قريب تم إنشاء شاطئ إضافي يحمل اسم «سوبر بارادايس بيتش» يستلقي فيه السياح ويتمتعون بالراحة والاسترخاء، وفي ذروة الموسم السياحي يُعد هذا الشاطئ من أكثر الشواطئ المكتظة بالسياح في الجزيرة، إذ يستلقي السياح على الكراسي الشاطئية جنباً إلى جنب أسفل المظلات الشمسية، وفي المساء يُظهر كلا الشاطئين وجههما الثاني، إذ تصدح الألحان والنغمات من السماعات وتملأ أرجاء الشاطئين، وعلى أنغام الموسيقى يرقص عشاق الحفلات من جميع أنحاء العالم في الهواء الطلق حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي، ولا تنتهي الحفلة إلا مع شروق الشمس، وفي المساء التالي تبدأ الحفلة مجدد، وجزيرة ميكونوس تمثل مصدر جذب للفنانين من أمثال، مونيكا ديرباباس، التي تمتلك مع زوجها غاليري في الجزيرة. وتتذكر مونيكا حال الجزيرة حينما جاءت إليها قادمة من ألمانيا عام1968، وتقول: «كانت (ميكونوس) آنذاك لاتزال جنة بِكر، وكان يفد إليها عدد قليل من السياح، الذين كانوا يقدرون قيمة الحياة البسيطة على الجزيرة، على الرغم من المشقة التي يتحملونها للوصول إلى الجزيرة، إذ كانوا يستقلون عبّارات قديمة ويتركون السفن حينما تشتد الأمواج ويستقلون قوارب ليحطوا الرحال على شواطئ الجزيرة».

وعلى خُطى المليونير اليوناني ذائع الصيت أرسطو أوناسيس، الذي كان يحرص خلال الخمسينات من القرن الماضي على الذهاب إلى جزيرة ميكونوس للاستجمام، سار كثير من أثرياء أثينا وحرصوا على أن يتوجهوا بيخوتهم الفخمة إلى الجزيرة ليستمتعوا بالحياة البسيطة التي تنعم بها والهروب من إيقاع حياتهم اليومية المحموم، فهنا أُتيحت لهم الفرصة ليغسلوا همومهم ويصفوا ذهنهم، إذ كانوا يجلسون في استراحات مطلة على الميناء ويرقصون رقصة «سيرتاكي» الشهيرة مع الصيادين، ولطالما تغنت إليزابيث تايلور قطة هوليوود المدللة بجمال الجزيرة الذي لا يقاوم والسحر الذي يغلف الأزقة المتعرجة في المدينة القديمة لميكونوس، غير أن هذا الوهج لم يدم طويلاً ولم تعد الجزيرة قِبلة لطبقة الصفوة والنخبة، ففي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي احتل السياح الرحالة شواطئ الجزيرة بعدما توافرت لهم عبّارات أفضل ورحلات شارتر لنقلهم إلى الجزيرة، وفي أواخر التسعينات تم افتتاح فنادق صغيرة تتسم بالفخامة والأناقة، كما تم تشييد فيلات خاصة ونوادٍ واستراحات ذات تصميمات تحمل الطابع الطليعي، والكثير من المحال التجارية ذات التصميمات العصرية، وعن أفضل توقيت لزيارة الجزيرة تقول الفنانة مونيكا ديرباباس: «من الأفضل تجنب أشهر الصيف التي تمثل ذروة الموسم السياحي وزيارة الجزيرة قبل أو بعد هذه الفترة، إذ تعود الجزيرة إلى سابق عهدها تقريباً، كما تنخفض الأسعار بشكل واضح»، ويحيط نحو 200 شاطئ بجزيرة ميكونوس المليئة بالهضاب، التي تبلغ مساحتها 88 كيلومتراً مربعاً تقريب، وتنصح ديرباباس السياح الذين يبحثون عن الهدوء بزيارة شاطئ «أغيوس إوانيس»، وهو يضم العديد من الأماكن الترفيهية التي تقدم أشهى المأكولات المحلية بأسعار مناسبة، كما يمكن للسياح في المساء التمتع بمنظر الشمس وهي تغرب خلف جزيرة «ديلوس».

ليلة في فندق جليدي

الى ذلك فانها تشبه غرفة عادية في اي فندق اخر في زفولي في شمال شرق هولندا مع سريرها المربع والبراد الصغير والخفين والمناشف الا ان الحرارة فيها ثماني درجات تحت الصفر وكل شيء فيها مصنوع من الجليد، وتوضح آنيت فان ليمبورغ مديرة اول "فندق جليدي" هولندي للنزلاء "عندما تستحمون قبل الخلود الى النوم تأكدوا من ان شعركم جاف والا فانه سيتجمد، لا تتحسوا الكثير من الخمر ولا تأكلوا مأكولات يصعب هضمها ولا تبدلوا ملابسك في مكان بارد"، ويضحك لوك فان خايست ومايا زانع (42 عاما) بتوتر وهما يستعمان باهتمام الى هذه النصائح، وقد حملا في حقيبتهما الكثير من السراويل وعدة كنزات والقفازات والقلنسوات، ويقول لوك الذي اتى من فيغيل (جنوب) التي تبعد ساعة ونصف الساعة بالسيارة "كلا لست خائفا ! الا اني متوتر بعض الشيء، وجئت لاعيش هذه التجربة واشعر كأني طفل صغير"، القصر الجليدي هذا الذي بني بمناسبة مهرجان المنحوتات على الجليد في زفولي تديره بلدية المدينة ويضم ثلاث غرف اقيمت في مخزن-براد حيث تراوح الحرارة دوما بين ست وثماني درجات تحت الصفر بحسب عدد النزلاء، وتقول آنيت فان ليمبورغ انها المرة الاولى التي يقام فيها فندق من الجليد في منطقة جنوبية الى هذا الحد في اوروب، الفكرة آتية من الشمال فاكبر فندق من نوعه في العالم يضم لموسم 2011-2012، 47 غرفة وهو مقام في يوكاسيارفي في السويد. بحسب فرانس برس.

وتوضح فان ليمبورغ "عندنا الفندق غير مقام في وسط الطبيعة كما هي الحال في لابلاند او كندا حيث ينام النزلاء بدرجة حرارة عشرين تحت الصفر!"الجدران الجليدية المقامة بين الغرف الثلاث تبلغ سماكتها مترا وقد نحتت عليها رسوم تجريدية او تمثل شخصيات تحيط بابواب المدخل المغلقة بستارة سميكة، اما الاسرة فمصنوعة من كتلة جليدية واحدة وتسلط عليها اضواء زرقاء او زهرية او خضراء وضعت في الجليد، واستمر بناء الغرف الثلاث حوالى عشرة ايام وهي متوافرة من الثالث من كانون الاول/ديسمبر الى 29 كانون الثاني/يناير، ويبلغ سعر الغرفة لليلتين مع وجبة الفطور 199 يورو، وتقول آنيت فان ليمبورغ لزبونين "اذا كان الشخص في صحة جيدة فالامر ليس خطيرا"، وقد حجزت لهما غرفة في فندق عادي يمكنهما ان يتوجها اليه مجانا في سيارة اجرة في حال غيرا رأيهما خلال الليل، وبعد هذه الليلة القطبية اكد لوك ومايا انهما لم يعانيا كثيرا من البرد، وقال لوك ضاحكا "لقد نمت مع ثلاثة سروايل سميكة لقد شعرت بالحر حتى"، واضاف "كانت تجربة ممتعة لكن يجب ان تقتصر على ليلة واحد، فهذا الامر ليس لعطلة طويلة ونحن لا ننوي السفر الى لابلاند بات ذلك امرا مؤكدا!".

جزر فلوريدا

في سياق متصل تتميز ولاية فلوريدا كأحد المقاصد السياحية الرائعة، بمزيج يجمع بين البيئة الساحلية بهوائها المنعش والبيئة الطبيعية الخضراء حيث الأدغال وأشجارها الوارفة، فهناك تنمو أشجار المانغروف في قاع البحر وتتدلى فروعها لمستوى منخفض قريب من سطح الماء، لذلك فعلى راكبي زورق الكياك فوق مياه البحر الاحتراس من الاصطدام بأي من هذه الأشجار التي تنتشر في كل مكان يميناً ويساراً، وينادي جريج ليبوك مرشد الرحلة البحرية المتجهة من مدينة بيج باين بي إلى جزيرة نونيم كي على السائحين المرافقين، بقوله «نحن نقوم الآن بيوغا الكياك، وهذا معناه التجديف وتمديد القدمين وتحريك الرأس وكذلك تحريك اليد من فرع شجرة مانغروف إلى فرع آخر»، وأحيانا يأخذ الزورق وضعاً يشتبك معه حتى ذوو الخبرة من الرياضيين المائيين في جذوع وجذور أشجار المانغروف، وعندما يميل الزورق على أحد جانبيه يتطلب ذلك عضلات ذراع قوية لإعادة التوازن إليه، ويصيح جون قائلا «إن هذا الأمر لا يستغرق طويلاً حتى يعود الأمر إلى طبيعته»، وها هي الرحلة تتجاوز المرحلة الأكثر صعوبة، فبعد بضعة انحناءات يصبح التيار أقل حدة، ويعود التجديف مرة أخرى بين أشجار المانغروف.

ومن مطار ميامي تستقل سيارة أجرة أو إحدى الحافلات التي تعمل بين المدن إلى الجزر، وتستغرق الرحلة من ميامي إلى جزيرة لارجو، أول جزر فلوريدا الكبرى نحو ساعة، فيما تستغرق الرحلة من جزيرة لارجو إلى منطقة زيرو مايل ماركر، في جزيرة وست نحو ساعتين، ويمتاز مناخ الجزر بأنه مناخ استوائي وغالباً ما تهطل الأمطار لوقت قصير بعد الظهر، ويبلغ متوسط الحرارة في هذه الجزر 28 درجة مئوية، وتتميز مياه الجزر بالدفء، وتقل رطوبة الجو بفصل الشتاء في الفترة بين نوفمبر حتى مايو، أما في الصيف فإن رطوبة الجو تكون عالية، وبعد نحو ساعة من هذه الرحلة البحرية المثيرة، يصل ركاب الزورق إلى جزيرة «نونيم كي» الصغيرة وهي عبارة عن منطقة تزخر بطبيعة فريدة من نوعها حيث تجتمع فصائل مختلفة من الطيور مثل مالك الحزين وطيور الغاق وأبومنجل لتعيش في بيئة بكْر، ولا يقتصر سحر المنظر عند هذا الحد، بل تقع عيون الزائرين على الأسماك الاستوائية وهي تتراقص في المياه الضحلة وكذا الأصداف وقد التصقت بأشجار المانغروف، وفوق هذا كله ينتظر زائري الجزيرة شيء خاص للغاية تكتمل به روعة المنظر الطبيعي الخلاب في هذه الجزيرة، ألا وهو غزال الجزيرة، إذ إن هذا الحيوان المهدد بالانقراض لا يعيش إلا في أقصى أعماق الولاية الأميركية، ومن يحالفه الحظ يمكنه رؤية هذا الحيوان من فوق الزورق.

وتجدر الإشارة إلى أن جزيرة «نونيم كي» مأهولة بالسكان، غير أن أهلها يستطيعون العيش دون كهرباء ومرافق مياه، ويقول المرشد جريج إنه يوجد نحو 36 منزلاً في هذه الجزيرة، وتتسم طبيعة حياة أهل كل منزل من هؤلاء بالبساطة الشديدة، بشكل مغاير للحياة في مدينة «بيج باين كي» التي تتشابه فيها الحياة بوجه عام مع طبيعة الحياة في الولايات المتحدة، إذ يوجد بها الشوارع الواسعة والعشرات من لافتات المرور ومحال التسوق والموانئ والحانات مثل حانة «نونيم بوب»، وهي عبارة عن مبنى مظلم مرت به تغييرات كبيرة على مدار عمره المديد، ويقول كيفين تشكوسكي مدير الحانة إن «نونيم بوب» فتحت أبوابها في عام1936، وتتميز الحانة بأن سقفها وجدرانها تغطيها صور للدولار. بحسب وكالة الانباء الالمانية.

تشتهر جزر فلوريدا بنوع من الحلوى لا تجدها في أي مكان آخر، ويعرف هذا النوع من الحلوى باسم «كي لايم بي»، وهي عبارة عن فتات كعك ممزوج بالبيض والحليب المجفف وعصير الليمون الحامض، وتطلى الطبقة العلوية لهذه الحلوى ببياض البيض المخفوق، وأشارت بابارا كوكرهام صاحبة مطعم ماس فيش كامب في منطقة إسلامورادا، إلى أن عصير الليمون الحامض هو الذي يعطي النكهة المتفردة لهذه الحلوى، أما عن السر في استخدام الحليب المجفف في هذه الحلوى، فتقول إن هذا الأمر يرجع إلى الفترة التي كان لا يوجد في جزر فلوريدا حليب طازج لصعوبة تربية الأبقار آنذاك، ويستطيع الزوار الذين يلتهمون الكثير من هذه الحلوى بشكل دائم الحفاظ على لياقتهم من خلال ممارسة الرياضة، وفي هذه الجزر تتوافر كل أنواع الرياضة المائية المفضلة بداية من الصيد في أعالي البحار إلى السنوركلينغ وحتى الغطس إلى الشعاب المرجانية التي تملأ كامل الجانب الشرقي من الجزر بدءاً من جزيرة «لارجو» وحتى جزيرة «وست»، وتعتبر الرحلة البحرية بالقارب من الأحداث غير العادية التي تنتظر زائري حديقة جون بنيكامب الوطنية.

بالنسبة للزائرين الذين يفضلون مشاهدة الحيوانات في بيئة جافة، وتعلم شيء عن الجزر فيتوافر أمامهم إمكانية الاختيار بين التوجه إلى مستشفى السلاحف في مدينة ماراثون والاستماع إلى شرح من علماء البيولوجيا حول نوعيات السلاحف التي تعيش على ساحل فلوريدا، وكذلك معرفة المخاطر التي تواجه هذه السلاحف، أو التوجه إلى مركز أبحاث الدلافين والاطلاع على الرعاية التي تتلقاها الدلافين هناك، وفي حديقة «ثيتر أوف ذا سي» أو مسرح البحر بجزيرة اسلامورادا بولاية فلوريدا، تعيش العديد من أنواع الحيوانات مثل الدلافين وأسود البحر والببغاوات والسحالي والسلاحف البحرية، وكثير من هذه الحيوانات مريض أو مصاب، وأوضحت ماورين لا مارا حديقة «ثيتر أوف ذا سي»، أن الدرع الواقية لإحدى السلاحف البحرية أصابها التشوه، وأصبحت تسرب الهواء، مشيرة إلى انعدام فرص بقاء هذه السلحفاة في الحياة البرية على قيد الحياة، إذ إنها صارت تنقلب على ظهرها خلال السباحة، وأضافت أن أن أحد القائمين على رعاية الحيوانات في الحديقة تفتق ذهنه عن فكرة لإنقاذ هذه السلحفاة، وتمثلت هذه الفكرة في الاستعانة بسترة سباحة من الرصاص، ومنذ ذلك الوقت والسلحفاة سعيدة وتدير أطرافها في فرح داخل البركة.

سفاري جنوب إفريقيا

من جانبها تمثل الحياة البرية في الغابات المفتوحة حجر الزاوية في عوامل الجذب السياحي لجنوب إفريقيا، فبوسع زائريها تحقيق الحلم والعودة بالزمن إلى الوراء لمعايشة حياة الإنسان الأول، من خلال الاقتراب بشدة من الأسود والنمور والأفيال والجاموس الوحشي ووحيد القرن، حتى إن عشاق السفاري من نزلاء فنادق منتجع «سابي ساند جيم ريزيرف» يقفون أمام هذه الحيوانات التي تُسمى بالخمسة الكبار وجهاً لوجه، ويقع هذا المنتجع داخل حديقة كروغر الوطنية، وهي أكبر وأشهر حديقة عامة في جنوب إفريقي، وربما كانت مظاهر الخطر تمثل في الوقت نفسه مبعثاً للتشويق والإحساس بروح المغامرة بالنسبة للقادم إلى السفاري في جنوب إفريقيا، الذي عليه أن يلزم الحذر الشديد في هذه المناطق، فربما كانت رحلة السفاري هذه هي الأولى والأخيرة بالنسبة له جراء انقضاض بالقدمين الأماميتين أو عضة في العنق من أنياب هذه الوحوش الضارية التي لا يفصلها عن الزوّار سوى بضعة أمتار، وعندما تستقل سيارة «اللاندروفر» مكشوفة لتستطلع المكان المبهر، تبدو كأنك وجبة طعام موضوعة على متن السيارة، لكن لحسن الحظ فإن ملك الحيوانات ليس لديه شهية، إذ تراه مستلقياً في هدوء وسكينة أسفل إحدى شجرات منتجع سابي ساند جيم ريزيرف، الذي شهد تطور سياحة السفاري في جنوب إفريقيا منذ ما يزيد على 60 عاماً. بحسب وكالة الانباء الالمانية.

في ذلك الحين كان هناك 14 من ملاك الأراضي والضيعات في جنوب افريقيا يعتمدون على رحلات السفاري بغرض التصوير بدلاً من رحلات السفاري بغرض الصيد، وكان من بين رواد رحلات السفاري وليم كامبل المعروف ببارون السكر، الذي يُعدّ معسكره المعروف باسم «مالا مالا» أول محمية طبيعية خاصة للحيوانات في جنوب افريقيا، وكذا عائلة «لوندولوزي والبايلس»، التي تمتلك فندق «سينغيتا لودجس»، ويقول مدير الفندق مارك ويتني «في البداية كان يجب على الزائر أن يبدي امتنانه لوجود سرير رديء وطعام متوسط المستوى، لكن مع حلول عقد الثمانينات أصبحت الإقامة في تلك الفنادق مريحة بشكل أكبر»، ومنذ عقد التسعينات يوجد في منتجع «سابي ساند جيم ريزيرف»، الواقع على الحافة الجنوب غربية لحديقة كروغر الوطنية التي أنشئت في عام 1926، منازل تشبه الفنادق الفاخرة الصغيرة، وتقع الفنادق وسط الغابة، حيث كثيراً ما يرى نزلاؤها القرود وأفراس النهر والتماسيح والأفيال، غير أن مقدار الخطر يكون على أشده بالنسبة لنزيل هذه الفنادق داخل الغابة من دون مساعدة مرشدي الغابة والخبراء المختصين في تحليل أثر الحيوانات، وأثناء جولة السفاري الأولى التي يقوم بها مجموعة من السياح، بعد مغيب الشمس بين المناظر الرائعة في محمية «سينغيتا» الطبيعية، وقعت عيونهم على نسور تحلق في الهواء، الأمر الذي أثار ذعر الزائرين، وهنا يطمئنهم المرشد المرافق الذي يحمل بندقية لأية طوارئ، بأن هذه النسور لا تنتظرنا، فلا داعي للخوف، كما أن محمية «سينغيت»ا لم يسجل بها أي حالة لقتل حيوان بإطلاق نار عليه.

يتسم المرشدون في هذه الغابات بالقدرة على قراءة وتحليل سلوك وإشارات الحيوانات، وبسرعة بطيئة تسير سيارة «اللاند روفر» التي يقودها أحد المرشدين وتقل ستة من مبتدئي السفاري المبهورين، وتصل السيارة إلى قطيع من الأفيال ثم تسير على بعد أمتار قليلة من حيوان وحيد القرن، وتنطلق لتقترب من قطيع من الجاموس الوحشي، ثم تمر بمجموعة من أفراس النهر تسبح، وينعم زائرو المكان بالاقتراب من هذه الحيوانات على نحو لا يحدث في حدائق الحيوانات التقليدية، وتتيح مثل هذه الجولات عبر الأدغال معايشة الجو الحقيقي لرحلات السفاري، كما تتيح لهم مشاهد نادرة ربما لن يرونها في أي مكان آخر كأن تقع أعينهم على اثنين من الأسود خلال عملية التزاوج، حتى إن مرشد الرحلة صارح مرافقيه، قائلاً «وأنا أيضاً أرى مثل هذا المشهد لأول مرة»، وتقترب السيارة من الأسدين أكثر حتى تقف على مسافة لا تتجاوز الخمسة الأمتار، ورغم هدير أصوات التقاط الصور عبر كاميرات التصوير للزوار الفضوليين، فإن الأسدين لم يدعا هذه الجلبة تفسد عليهما هذه اللحظات الحميمية، وأوضح المرشد للزائرين أنه على الرغم من أن السيارة التي تقلهم مفتوحة إلا أنهم آمنون «فالحيوانات تشمّ رائحتنا وتسمعنا، وتدرك وجودنا داخل السيارة، بيد أن تلك الحيوانات لا تميزنا بوصفنا آدميين، لكنها ترانا مجرد صندوق كبير لا يشكل مصدر خطر عليها»، ومع غروب الشمس توقف المرشد عند منطقة خالية من الأشجار، ومدد مائدة صغيرة على مقدمة «اللاند روفر» ودعا الحضور لمشاركته، ومع حلول الظلام تزداد أصوات الحيوانات علواً، ويسمع السياح بشكل أكثر وضوحاً زئير الأسود، وصراخ القرود والفيلة، وأصوات الطيور ما بين تغريد ونعيق، وفي هذا الجو يصبح كل حفيف مصدر فزع لأفراد المجموعة، لكن لحسن الحظ فإن جو الجماعة يضفي جواً من الهدوء على زائري الأدغال، ونظراً لأن الفندق الصغير غير محاط بأسوار حماية، فعلى المرء الحذر والتزام المرافقين، فالقطط الكبيرة والحيوانات الضخمة نادراً ما يكون مجيؤها للزيارة، وتقول مرشدة من فندق «ليبمبو لودج» بحديقة كروغر الواقع على حدود موزمبيق إن «حماراً وحشياً عندنا اقتحم الفندق ذات مرة خلال فراره من أسد سقط في حمام السباحة».

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 17/آذار/2012 - 23/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م