الحاجة ام الرغبة؟ وتائر الاستهلاك المتصاعدة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: حين سقط ماركوس دكتاتور الفلبين وتكشّف حجم الاموال التي غنمها لنفسه على حساب شعبه، اقترنت صورة زوجته بعدد الاحذية التي عثر عليها في خزائنها وقدرت يومها بالفي زوج من الاحذية، اضافة الى ممتلكات اخرى لم يتبق منها شيء في الذاكرة.

وحين بدأ الحديث عن الفساد في السلطة الفلسطينية تم تسليط الضوء على ما كان يرتديه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وهو حذاء ايطالي يبلغ ثمنه حسب ما قيل عشرون الف دولار.. وحتى قبل فترة قليلة عند هروب الحاكم التونسي زين العابدين بن علي الى السعودية عثر التونسيون على الكثير من الاحذية لزوجته من ماركات متنوعة الا انها جميعها من مناشيء عالمية راقية.

لا اعرف لماذا يقترن الحديث عن الفساد بعدد الاحذية؟ ربما للرائحة النتنة التي تشترك فيها الاحذية مع الفساد.. ثمة سؤال اخر: لماذا تلك الاعداد الكثيرة من الاحذية؟

هل هي الحاجة الى ارتداء ما يقي القدمين من اصابات؟ ام انها الرغبة بالتميز والاقتناء ولا شيء غيرها؟ ام هي الاثنان معا؟

حين تكون حافيا ثمة حاجة الى شراء حذاء جديد.. بعد الحذاء الاول لديك الرغبة في زوج اخر من لون او موديل مختلف او الحاجة الى التناوب في ارتداء الحذائين.. مع الزوج الثالث من الاحذية، الرغبة وحدها هي التي تحدد الدافع للشراء وكذلك ما يتعلق بالزوج الرابع فصاعدا.

واذا استمرت تلك الرغبة فانها تتحول الى هوس مرضي باقتناء الاحذية او اي سلعة اخرى، مثلما قرانا عن زوجة فرديناند ماركوس او زوجة زين العابدين بن علي او غيرهن من زوجات وازواجهن.

وحتى فيما يتعلق بالاحتجاج على الرؤساء او الوزراء او الشخصيات العامة نتيجة سياساتهم او سلوكياتهم او بعض اكاذيبهم، فالناس تنسى سريعا حوادث رميهم بالطماطة الفاسدة او البيض الفاسد لكنها لاتنسى رميهم بالحذاء، ربما لقابلية الاحذية على ان تعمر طويلا.

في العراق اختلف الوضع كثيرا، فالناس ليست معنية بعدد الاحذية التي وجدت في خزائن صدام حسين او زوجته او ابناءه، ربما لان احدا لم يستطع الوصول اليها وتصوير فرهودها مثلما تم تصوير بقية حوادث السلب والنهب التي وقعت على القصور الرئاسية، فقط حادثة واحدة بقيت في الاذهان فيما يتعلق بالاحذية، وهي حادثة الفرهود التي تعرضت لها مباني اللجنة الاولمبية العراقية حيث خرج الالاف وهم يحملون الاحذية الرياضية او يرتدونها.

قلت لم يتم الحديث عن الاحذية او الملابس او المجوهرات التي كانت موجودة بحوزة العائلة الحاكمة، بل كثر الحديث عن رزم الدولارات والقصور الشامخة والسيارات ذات الماركات الشهيرة، وهو مايؤشر بدوره الى نمط ثقافي معين يتميز به المجتمع العراقي في حالات الغنى والثراء.

تتشابه مناشيء البضائع في منازل العراقيين فهي اما صينية او تركية، والنوعان هما من درجات متوسطة ان لم تكن رديئة.. وهناك بعض المشتركات في بيوت العراقيين الغنية منها والفقيرة وهي مبردات الهواء الايرانية او مصابيح الشحن الصينية وغيرها الشيء الكثير.

ماهي المساحة المتميزة التي يتحرك فيها الاغنياء ليبتعدوا فيها عن الفقراء؟ طالما ان الملابس الرجالية او النسائية او الاحذية وكثير من المستلزمات متشابهة؟

يمكن تلمس ذلك في عدد من الامور منها:

-  اماكن التسوق

- اماكن الترفيه

في اماكن التسوق، مثل الكرادة او شارع الربيعي او شارع فلسطين يتردد الكثير من الاغنياء على تلك المناطق لشراء ما يحتاجون اليه.. وليس بالضرورة ان تكون تلك المناطق تتميز ببضاعة فريدة من نوعها او غير موجودة في اماكن اخرى او من مناشيء لا توجد في بقية المناطق، انها تتميز باختلاف ثمن السلعة لا اكثر ولا اقل.. هذا التمايز في الاسعار لايخضع لاي منطق اقتصادي، حتى المنطق الرأسمالي نفسه.

ومثل اخر على ذلك ما رواه لي احد الاصدقاء عن بعض الامور في سفرته الاخيرة الى شمال العراق، وعن جحيم الاسعار الحارق هناك.. وضرب لي عددا من الامثلة، عن سلع يبيعها في محله بثلاثين دولارا واذا هي في احد المولات بمائتي دولار او اربعمائة دولار وحتى الف دولار.

ومثل اخر عن اسعار صياغة الذهب التي هي بحدود الاربعة دولارات في بغداد ولكنها في الشمال بعشرين دولارا.. وحدّث ولا حرج عن اسعار الطعام في مطاعم لا ترتقي الى الدرجة الخامسة، من حيث النظافة او الخدمة او نوعية الطعام والتي تقدر فيها الوجبة لشخص واحد بخمسين دولارا.

ورغم تلك الاسعار الا ان هناك من يشتري ويدفع كنوع من التباهي الاجتماعي والتفاخر في مجالس الصفقات والنميمة.

الاقبال على الشراء من تلك الاسواق والمناطق ليس لتلبية حاجة ملحة تجاه السلعة المشترات بقدر ما هو رغبة في شرائها واقتنائها بغض النظر عن الحاجة الفعلية لاستخدامها ووظيفتها.. وهي رغبة تكشف عن عدد من الدوافع النفسية المكبوتة، كالبحث عن التقدير الذاتي، او البحث عن امان مفقود، او البحث عن نوع من الطمأنينة النفسية تجاه الوحدة او الاحساس بالدونية او الحاجة الى الشعور بالتفوق او غيرها من اسباب يبرع التحليل النفسي في اكتشافها ومحاولة تسليط الضوء عليها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 15/آذار/2012 - 21/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م