انها دعوة في زمن شُحّ فيه القراء والتبست علينا أمور الثقافة
العامة والثقافة الخاصة وابتعدنا كثيراً عن عالم الكتب الجميل وعن
المكتبات وعن عقولنا التي نسينا غذائها بعدما أتخمنا كروشنا بأنواع
الأطعمة.. وحتى الفاسدة منها !
خلال جولاتي في شارع المتنبي أجد، دائماً، أكواماً من الكتب مختلفة
الأنواع والتخصصات تتناغم وحجم ما في عقولنا من جفاف مطلق للعلوم
المختلفة.. أكوام من الكتب سعرها الواحد منها يعادل اربعة صمونات أو
بعضها بسعر كيس النفايات أو حتى بسعر كيلو بصل وقد تصل إحياناً لسعر
ثلاثة شدات من الخضار..
الكتاب هناك مصلوب على أرصفة الشارع الثقافي، يقلبه عدد قليل من
أولئك الذين أشتعل رأسهم بالشيب وغارت سني عمرهم الى أرذلها.. وغريب
جداً، وهم ذاهبون، يتمتعون بتلك القابلية على الجلوس والبحث في أكوام
الكتب عن كتاب يسدون به رمق عقولهم وهو أخرها.. وشباب كثر ترى في
عيونهم عدم المبالات يتقافزون هنا وهناك كالبلهاء يبحثون عن هدايا عيد
الحب، دب أحمر أو وردة حمراء !
على الرغم من أن المفارقة طبيعية جداً في زمننا هذا إلا إن ذلك لا
يمنع مطلقاً من البدء بحملة وطنية كبيرة للتوعية بأهمية القراءة
والتعلم فالعالم ينطلق بسرعة كبيرة لايمكننا أن نجاريها بعقول ناقصة
تغذيتها محدودة.. وحياتنا في طريقها، إذا ما كانت كذلك، الى التعقيد
وهي بحاجة الى غذاء روحي وفكري مهم ليواجه مكابداتها الكبيرة
ومتناقضاتها الروحية والفلسفية المختلفة وظهور موجات متعاقبة من الفتن
المختلفة هيء لها نقص فهمنا لحقيقية ما يجري بمساحة مختلفة من العلوم
تستوعب بسهولة حجم المتغيرات..
انها دعوة يجب أن تصل لكل أب أسرة ولكل شاب وشيخ في مجتمعنا ولكل
النساء فكتاب واحد في الشهر أو في السنة قد يحدث تغييراً كبيراً في
عقولنا ويمدنا بدفقة من العلم قد توزاي فائدتها فائدة ما يملئ كروشنا..
لنحاول أن نزيد من وزن عقولنا لا أن نزيد من وزن شحمونا.
حملة وطنية، قد تكون غريبة، تشمل الكل طلاب المدارس والموظفين وقواه
الداخلية والجيش تقوم بها وزارة الثقافة والتربية والمرأة والبيئة
واتحادات المجتمع المدني غير الحكومية والحكومية وعلى كل الوزارات أن
تضع خطة تثقيفية موزونة هدفها إغناء عقول موظفيها بما يكفل إضافة روح
جديدة بعيداً عن تلك الأرواح المحطمة التي دأب التخلف والإرهاب على
الإيغال في إيذائها ولا من منجد لذلك.
واستذكر هنا قول للكاتب الإنكليزي جراهام جرين " احياناً أفكر أن
حياة الفرد تشكلت بواسطة الكتب وأكثر ما ساهم البشر انفسهم في تشكيل
هذه الحياة".. فالكتب والقراءة يمثلان نموذجاً حياً لإغناء الفكر
البشري ولهما القابلية على البدء بغلق نوافذ التخلف في كل المجالات
وتساعد على سرعة النضوج الفكري للشعوب على إختلافها فالقراءة هي ممارسة
مكتسبة ومتاحة لكل الأفراد بعكس بقية المهارات البشرية الأخرى التي
يتعين على الراغب بتعلمها السعي لها بجد وتعب وتدريب ومطاولة.
كتاب واحد فقط وكتاب لكل فرد من أفراد اسرتك عن علم أو اخلاق أو
نظام حياتي معين يكفل لنا طريقاً واضحاً للنهضة الفكرية الجديدة، فغرفة
بلا كتب مثلها مثل جسد بلا روح، كما يقول الكاتب الإنكليزي جي كيه
شسترتون..
وما يخفى على أكثرنا أن اول كلمة بدء بها كتاب الله المجيد..
"أقرأ".. فحسبنا كتاب الله وما أعظمه من كتاب.
فكوا الحصار عن الكتاب العراقي
كثيرة هي القوانين والتشريعات القديمة التي وضعت لأسباب سياسية
الغرض الرئيس منها هو الدفاع عن الأنظمة السابقة تحديداً، ولم تمثل في
حينها كسباً للشعب العراقي أو للعراق حتى، ومن أهمها ما يخص "الكتاب
العراقي" هو القانون ذي الرقم 30774 لعام 1993 والذي يقضي بمنع
الناشرين من تصدير منشوراتهم – العراقية- الى خارج العراق !
الغريب في وجود مثل هذا القرار لغاية يومنا هو التطور التكنولوجي
الكبير الذي رافع ظهور الشبكة العنكبوتية بمحركاتها العملاقة والتي
جعلت من الكتب بل والمكتبات العالمية الكبيرة تنقل إلكترونيا والطبع قد
يتم في إي مكان من المعمورة دون الحاجة الى حصول الموافقات وبأرقى
المطابق العالمية ولكن مشكلتنا إننا نهدد الكثير من الناشرين العراقيين
في إعمالهم فكتب عراقية لكتاب معروفين على مستوى العالم تطبع في لبنان
وتوزع في العالم أجمع ولم يساهم القرار المجحف إلا في خمول طباعة الكتب
وتطورها على مدى أكثر من عقد ونصف من الزمن.
وبعد التغيير الذي حصل في العراق بعد 2003 نرى أن إلغاء هذا القرار
أصبح ملزما لحاجة القائمين على النشر لتطوير العمل الثقافي والطباعي في
البلد ولتطوير دور النشر العراقية لتأخذ دورها الحقيقي في زيادة مساحة
النشر للكتاب العراقي، ونحن مقبلون على قفزة ثقافية كبيرة حررها من
قيودها التغير الكبير في النظام السياسي العراقي ولنساعد المثقف
العراقي على استحداث مؤشرات مهمة عن سوق الكتب العراقية المتداولة من
خلال مشاركتها في المعارض الدولية سيما وإن العراق متخم بالكتّاب على
تنوع توجهاتهم وهو مطلوب ثقافياً، الكاتب العراقي، في مجتمعنا العربي
وعلى مستوى العالم فهناك كتاب عراقيين من القرن الأخير طبعت كتبهم بعدة
لغات عالمية ولا زال الناشرون الأجانب يتحصلون على إيراداتها لغاية
يومنا هذا.
إضافة لما سبق فأن النشاط الطباعي لتلك الكتب سيدخل منافسة كبيرة
تدفع به بقوة للتطور وتحديث تقنيات الطباعة لديهم وقد نصل بها الى
مراحل مهمة قد تضاهي المطابع العربية الشهيرة كلبنان مثلاً.
ندعو وزارة الثقافة متمثلة بوزيرها الى عرض الموضوع أمام الحكومة
العراقية ومناقشته بجدية والتوصية بإلغاء القرار الذي يحاصر الكتاب
العراقي من قبل مجلس النواب العراقي ووضع التوصيات باستحداث قانون جديد
يحدد النشر العراقي وفق ما ترتئيه الضرورة لتنظيم عمل نشر الكتب
وتقديراً لجهود كتاّبنا.
zzubaidi@gmail.com |