الاستثمار الصيني في افريقيا... خطوات جريئة لكنها حذرة

 

شبكة النبأ: من المتوقع أن يزداد حذر شركات النفط والسلع الاولية الصينية في افريقيا بعد أن تعرضت لحوادث خطف ومصادرة شحنات وفي الاونة الاخيرة لطرد رئيس تنفيذي. لكنها لن تتراجع. بل ان الصين ستزيد من تعرضها للمنطقة التي تضم عددا من أغنى الدول بالموارد وأكثرها اضطرابا في العالم مع بحثها عن الموارد التي تحتاجها مصانعها وشركاتها.

ومن المرجح أن يكون التغير الكبير في الاسلوب وليس في الهدف اذ من المتوقع أن يتبع المستثمرون الصينيون أسلوبا أقل جرأة وأن يتجهوا الى الشراكة مع شركات أجنبية أخرى في الاسواق الخطرة التي لا يمكن التنبؤ بأحوالها.

وقال مسؤول في شركة نفطية في بكين "حين بدأت الشركات الصينية في افريقيا كانت تحركها بشكل أكبر الدوافع السياسية لكبار المسؤولين التنفيذيين في شركات الطاقة الحكومية العملاقة.

"لذلك بدأت الاستثمارات بطريقة متعجلة وجريئة ... لكن (الان) أعتقد أنهم سيكونون أكثر حذرا فيما يتعلق بالفحص الفني والقرارات الاستثمارية."

وبسبب المشكلات التي حدثت في السودان في الاونة الاخيرة اتضحت للصين المخاطر التي ينطوي عليها الاستثمار الضخم المدفوع بالسياسة في قارة صدرت 24 بالمئة من اجمالي واردات النفط الصينية العام الماضي.

وخطف متمردون في السودان بالقرب من الحدود مع جنوب السودان 29 عاملا صينيا الشهر الماضي ليستخدموهم كورقة ضغط سياسية على ما يبدو ثم أطلقوا سراحهم بعد عشرة أيام. وكانت هذه رابع حادثة خطف لصينيين في السودان.

وأصبحت شركات النفط الصينية أيضا جزءا من خلاف نفطي بين السودان ودولة جنوب السودان التي استقلت حديثا أدى الى وقف انتاج وطرد رئيس بترودار الصينية الماليزية من جنوب السودان هذا الاسبوع. وبترودار هي المجموعة النفطية الرئيسية العاملة في أحدث دولة افريقية.

ومع اتجاه الشركات الصينية الى الخارج طلبا للربح والمواد الخام تضاعفت هذه المشكلات. ففي الفترة الاخيرة جرى خطف نحو 24 عاملا صينيا في مصنع للاسمنت من قبل بدو في مصر وشهدت شركات صينية موجة من الاضرابات من أجل تحسين الاجور وظروف العمل في مشروعات تعدين في زامبيا وزيمبابوي. بحسب رويترز.

ويقول خبراء انه نظرا لان الانسحاب من افريقيا ليس خيارا فان الصين يجب أن تتعلم كيف تتفادى المخاطر في هذه المنطقة. وتحاول شركات الطاقة والتعدين الصينية الحكومية عادة النأي بنفسها عن المشاحنات قائلة ان النزاعات مع العاملين أو المجموعات العرقية هي مسؤولية الحكومة المحلية لكن الخبراء يقولون انه يتعين عليها أن تحسن علاقاتها العامة.

وقال تشا داوجيونغ الاستاذ في جامعة بكين الذي يدرس اتفاقات الطاقة الصينية في الخارج "لقد أصبحوا مرتبطين للغاية بالحكومة ولا يبذلون الجهد الكافي لابلاغ السكان المحليين والمنظمات غير الحكومة في الداخل أو من الخارج بأنهم يقومون بعمل جيد."

وقال مايكل ارودا المتخصص في اتفاقات الطاقة والشريك في شركة المحاماة جونز داي في بكين ان الصين ستبذل جهدا كبيرا على الاقل لتحسين الامن في مشروعاتها في افريقيا. وتابع قائلا "لن تغير الصين استراتيجيتها فيما يتعلق بافريقيا. سيذهبون الى حيث يوجد النفط. لا يمكن أن تقول أنك تريد الذهاب الى أماكن جميلة مثل كاليفورنيا لان الموارد الضخمة لا توجد هناك. في المقابل لا تزال امكانات الموارد في افريقيا هائلة. "لكنني أعتقد أنهم سيكونون أكثر حذرا بشأن سلامة عملياتهم على الارض هناك."

وربما يكون النفط الذي تصدره السودان الى الصين أقل بكثير مما تصدره ايران أو السعودية لكن السودان مصنفة كأثمن استثمار خارجي لشركة النفط الوطنية الصينية (سي.ان.بي.سي).

وحين تقيم الصين علاقات استثمارية تمنح في المقابل علاقات سياسية طويلة الاجل للعديد من أنظمة الحكم المسؤولة عن تلك الاستثمارات. وتستثمر أيضا موارد بشرية ضخمة في افريقيا وأماكن أخرى حول العالم اذ تشغل أكثر من 800 ألف موظف في الخارج.

وقال تشا الاستاذ في جامعة بكين ان توفير فرص عمل لمئات الالاف من الصينيين في تلك المواقع في الخارج يخفف الضغط أيضا على سوق العمل المحلي الذي ينمو بسرعة. وأضاف "الصين في وضع حرج.انها مختلفة عن الولايات المتحدة أو بريطانيا أو دول أخرى بسبب تشغيل مواطنيها."

ويعكس التركيز الصيني على افريقيا وبعض الاسواق الناشئة الاخرى أيضا الصعوبات التي تواجهها بكين في الدخول الى مناطق أخرى أكثر رسوخا وهي صعوبات لا ترجع الى المعارضة السياسية فحسب. وقال تشا "هذا أحد التفسيرات ومازال صحيحا لكنني لا أعتقد أنه التفسير الوحيد." وتابع "النفط واستثمارات الطاقة الاخرى سوق تنافسية .. والشركات الصينية مقارنة بنظيراتها -ليس فقط في أوروبا وأمريكا بل وفي اليابان وكوريا الجنوبية- ليس لديها نفس القدرات التنافسية من حيث الجودة والكفاءة وجودة المعدات وخدمات ما بعد المشروعات.

"في الاماكن الاكثر استقرارا يكون الطلب على الجودة ... أكبر. والسؤال هو هل الشركات الصينية قادرة على الفوز بعقود في تلك البلاد."

وتصف الصين استثماراتها في افريقيا بأنها "ممارسة تجارية عادية" لكن العديد من الشركات المملوكة للدولة فازت بعقود بفضل حملة كبيرة قامت بها بكين لتعزيز وجودها السياسي والدبلوماسي والاقتصادي في القارة. وبهذا أصبحت تلك الشركات معرضة للانتكاسات السياسية.

وواجهت شركة الصين لتعدين المعادن غير الحديدية مشاكل أكثر من معظم الشركات الاخرى وأصبحت الوجه السيء للاستثمار الصيني خلال حملة انتخابية مريرة في زامبيا العام الماضي حيث تمتلك هناك العديد من مكامن النحاس المربحة. ونشأت كثير من المتاعب التي تواجه بترودار وهي اتحاد شركات يضم سينوبك وسي.ان.بي.سي الصينيتين مع بتروناس الماليزية بسبب دعم الصين للخرطوم خلال عقود من الحرب الاهلية بين الشمال والجنوب أودت بحياة مليوني انسان.

ومن بين الوسائل التي تستطيع الشركات الصينية من خلالها التقليل من تعرضها في افريقيا هي الانضمام الى اتحادات تقودها شركات أجنبية. وتحالفت الشركة الوطنية الصينية للنفط البحري مع توتال الفرنسية لتوقيع اتفاق بقيمة 2.9 مليار دولار للانضمام الى تالو البريطانية لتطوير حقل نفطي في أوغندا.

وحاولت أيضا مجموعة التعدين تشينالكو خفض تعرضها عن طريق التحالف مع ريو تينتو البريطانية الاسترالية لتطوير مشروع سيماندو الضخم لخام الحديد في غينيا والذي ينطوي على مشكلات سياسية.

وقال ارودا "تراهم يأخذون حصصا في اتحادات شركات بدلا من طلب السيطرة بنسبة 100 بالمئة على الاصول. "بمرور الوقت يزدادون ثقة في أخذ مراكز أصغر .. وهم لا يفعلون ذلك للوصول الى الاحتياطيات فحسب بل للمعرفة والخبرة أيضا."

ويتوقع تشا الاستاذ في جامعة بكين أن يستمر هذا الاتجاه. وقال "هذا سيساعد على تدويل عملياتنا ويزيد عدد الاطراف المشاركة في قضايا مثل المخاطر السياسية."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 12/آذار/2012 - 18/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م