شبكة النبأ: كان مهدي حسن يتعلق بحبل
مشحم متدليا بصعوبة من داخل مكان مرتفع بجسم ناقلة نفط عندما أصبح ضحية
أخرى لمعايير السلامة المتدنية في ترسانة جداني للسفن الخردة.
انزلق فجأة وسقط على الارض وسط الظلام. ظل طوال الليل غير قادر على
الحركة بعد أن كسرت عظامه ومع عدم وجود أي أحد لانقاذه اختنق حتى الموت
بسبب استنشاق أبخرة سامة.
قال محمد سليم أحد العمال الذين عثروا على حسن "قطع جزء من الصلب من
جسم السفينة ورأينا جثة مهدي. كان وجهه متورما.. ولونه بنفسجي وأخضر."
وأضاف "في اليوم التالي كنا مجبرين على العمل وكأن شيئا لم يحدث. نعامل
كالكلاب ولا يكترث الملاك بموتنا."
وباكستان مليئة بالمخاطر اذ يلقى عشرات الالاف حتفهم بسبب تفجيرات
انتحارية وأعمال عنف طائفية وعنف عرقي وهي جميعا حوادث تتصدر الصحف في
أنحاء العالم. غير ان هناك جانبا آخر أقل ظهورا لكنه مظلم لباكستان
والذي نادرا ما يلقى اهتماما.. انه العدد الكبير من الفقراء المضطرين
لتحمل ظروف مروعة في العمل لكسب قوت اليوم. بحسب رويترز.
ويخاطر 15 ألفا منهم بأرواحهم كل يوم بالعمل في تفكيك السفن الى
أجزاء بشاطئ جداني على ساحل بحر العرب وهو عبارة عن مصيدة للموت تمتد
10 كيلومترات. ولا يزيد دخلهم عن أربعة دولارات يوميا في نهاية المطاف.
وفي أي لحظة يمكن أن تسقط صفيحة من الصلب وتسحق العشرات على الفور.
كما أن كابلات الضغط العالي كثيرا ما تسقط وتسبب اعاقات. ويمكن لمواد
كيماوية فتاكة أن تقتل العمال ببطء.
لقي العشرات حتفهم العام الماضي لدى تفكيك السفن بمعدل مذهل في هذه
الترسانة وهي واحدة من اكبر ترسانات السفن الخردة في العالم. ويجري نقل
كل أنواع السفن القديمة من حاملات الخام اليابانية الى عبارات الركاب
الايطالية للشاطئ لتفكيكها.
ويعني التراجع في الشحن على مستوى العالم توقع وصول المزيد من السفن
الى هنا مما يزيد من احتمالات وقوع حوادث فتاكة. ومن ناحية أخرى فان
النشطاء يشعرون بالقلق من أن انتعاش الشحن سيشجع أكثر على عدم الاكتراث
بمعايير السلامة والقواعد البيئية.
قال ناصر منصور وهو ممثل للاتحاد الوطني لنقابات باكستان "شركات
تفكيك السفن تحقق أرباحا طائلة لكنها لا تبذل جهدا لمساعدة أو حماية
العمال مما يجعل من الصعب عليهم تحقيق الكثير من الدخل." وأضاف "ملايين
الدولارات.. ومع ذلك ليس هناك ضغط عليها حتى لتوفير مياه شرب نظيفة
وخوذات لعمالها. هذا عار وطني."
وفي باكستان توجد لوائح للسلامة والبيئة ومن المفترض أن تكفل شركات
تفكيك السفن توفير معدات حماية مثل الخوذات والقفازات وتعد الترتيبات
اللازمة للتعامل الآمن مع المواد السامة. لكنها نادرا ما تطبق.
ومن غير المُرجح أن تتخذ الحكومة التي تعاني من ضائقة مالية أي
إجراءات مشددة ضد جداني بسبب قصة النجاح الاقتصادي النادرة في البلاد
حيث تعاني الكثير من الصناعات من انقطاع الكهرباء ونقص الاستثمارات
الاجنبية والتهديدات الامنية من متشددين.
ومع توفير نحو مليون طن من الصلب سنويا من السفن الخردة فان جداني
هي ثالث أكبر ترسانة في العالم للسفن الخردة. ويباع المعدن الذي يتم
الحصول عليه من السفن القديمة لمسابك في أنحاء باكستان مما لبي نحو 70
في المئة من احتياجات باكستان للصلب في 2011 .
وتتفاوت الارباح التي تحققها شركات تفكيك سفن بسبب أسعار الصلب
المتذبذبة لكن مسؤولي الضرائب الباكستانيين يقدرون أن شركات تفكيك
السفن حققت متوسط أرباح عن كل سفينة بما يزيد عن 4.5 مليون دولار في
السنة المالية 2011/2012 .
وقال نور كيبزاي وهو مسؤول عمالي "نفعل ما هو بمقدورنا. نحاول أن
نوفر أوضاعا أفضل للسلامة والصحة للعمال في جداني لكن علينا أيضا
مراعاة ميزانيتنا." وقال مسؤول حكومي اخر طلب عدم نشر اسمه بسبب عدم
السماح له بالتحدث الى وسائل الاعلام لرويترز ان حجم النشاط القائم على
تفكيك السفن يمنع أيضا الحكومة من اتخاذ اجراء أقوى. وأضاف المسؤول
"علينا أن نتوخى الحرص إزاء الطريقة التي نتعامل بها مع تطبيق القانون
لنشاط مثل هذا لاننا في حاجة الى الترويج له لسببين.. أنه يحقق عائدا
كبيرا كما أنه يشغل الالاف."
وفي الماضي كانت السفن تفكك في الدول التي بنيت بها قبل ارتفاع
التكلفة واحكام قوانين السلامة والبيئة مما جعل هذا النشاط يقتصر على
دول نامية أقل صرامة.
ويقول (منتدى تفكيك السفن) وهو ائتلاف غير حكومي من منظمات حقوق
الانسان ان نحو 800 سفينة ترسل سنويا الى ترسانات السفن الخردة وينتهى
الحال بنحو 80 في المئة منها في ترسانات بجنوب اسيا مثل جداني.
ويخاطر العمال الذين يرتدون زيا ممزقا يمكن أن تمسك بها النار
بسهولة بحياتهم بمجرد السير داخل الترسانة وهي عبارة عن مزيج خطير من
الالات الصدئة وأجزاء الصلب غير المصقولة الاطراف ومحركات سفن عملاقة
على الشاطئ المليء ببقع الزيت.
ما زال المتدرب عبد الرب (20 عاما) تطارده ذكريات مشهد مروع عندما
سمع صوت يشبه السوط لدى سقوط كابل شطر أحد زملائه لنصفين. وقال "كان
سريعا جدا لدرجة أنه حتى لم تتح له الفرصة للصراخ."
وتسعى شركات تفكيك السفن اليوم في باكستان والهند وبنجلادش كبرى
الدول في هذا المجال لمزيد من السفن نظرا لان التنافس الضاري فيما
بينها يؤدي الى خفض الاجور أكثر.
فالعمال في جداني الذين كانوا يحصلون على ستة دولارات يوميا أصبحوا
يعملون لنفس العدد من الساعات مقابل أربعة دولارات وهو انخفاض شديد في
ظل ارتفاع الاسعار في باكستان خاصة المواد الاساسية مثل الطعام.
وأدى نقص فرص العمل في باكستان الى جعل شبان مثل زرداد خان ( 18
عاما) يقبلون على العمل في جداني على الرغم من علمهم أنهم يمكن أن
يلقوا حتفهم هناك. قال خان وهو يقف فوق سفينة حبوب كورية جنوبية "هذا
ليس عملا للبشر."
واذا لم تسفر أجسام تهوي على الارض عن مقتل العمال فان مواد كيماوية
خطيرة مثل الزئبق والرصاص كفيلة بذلك. وتقدر المفوضية الاوروبية أنه
يجري تصدير ما يقدر بين 40 ألف طن و1.3 مليون طن من السفن المتهالكة
سنويا من أوروبا وحدها الى جنوب آسيا. وتتسرب المواد الكيماوية من
السفن وتحدث بقعا في البحار والرمال في محيط العمل. ويعاني عشرات
العمال من امراض جلدية وتنفسية نتيجة لذلك.
قال داود خان (16 عاما) الذي تظهر على ذراعيه آثار الحروق "عندما
أكون داخل السفينة أستخدم الآلة القاطعة كثيرا ما يجعلني الدخان
المتصاعد من المواد الكيماوية أسعل ولا يمكنني التنفس... في كثير من
الليالي أسهر بسبب السعال وهناك آثار للدماء."
وأقر رضوان فاروقي رئيس الرابطة الباكستانية لشركات تفكيك السفن
بالمخاطر. لكنه يقول ان الحكومة هي المسؤولة عن تحسين معايير السلامة.
ومضى يقول "السلامة مسألة مهمة وهي قضية نحاول تحسينها. لكن مهمة
الحكومة بالاساس هي ضمان هذه المسألة." وأضاف "السلطات لم توفر بعد
بنية أساسية ملائمة للكهرباء أو الماء. علينا أن نفعل هذا بأنفسنا."
ومع عدم وجود استعداد لدى أي أحد لتحمل المسؤولية فان العمال لا
يمكنهم سوى شراء أدوات قديمة معيبة لا تكفل الحماية من كوارث كالتي
حدثت في نوفمبر تشرين الثاني.
واشتعلت النيران في ثلاثة عمال كانوا يقطعون أجزاء من صهريج الوقود
للسفينة حتى الموت بعد انفجار بسبب البخار.
وقال العامل عبد الله ديتا "ركضنا نحو الانفجار لكننا كنا نعلم أنهم
قتلوا حتى قبل ان نصل الى هناك." وتابع "عندما أخمد الحريق في النهاية
لم يكن هناك شئ تبقى منهم." |