مطاعم توحد الثقافات واخرى ممنوعة على الساسة!

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: يشهد فن الطبخ وانتشار المطاعم حول العالم ثورة حقيقية يعيش الانسان في العصر الحديث طعمها اللذيذ واصنافها الشهية بعد ان ذابت العزلة بين مجتمعات العالم المختلفة في بوتقة التطور والحداثة حتى تحولت الاذواق المحلية والمطابخ التقليدية الى اذوق ومطابخ عالمية، مثلما تحول الطهاة الى مشاهير ونجوم لا تقل شهرتهم عن الاخرين.

من جهة اخرى فان العوائد الربحية والسوق الرائج للمطاعم ساعد كثيراً على تقديم الافضل والبحث عن المزيد من الابداع والاطباق الجديدة، خصوصاً وان المنافسة في الابداع والتميز قد ارتفعت وتيرتها مع انتشار المدارس الخاصة بفن الطهو وكذلك سلاسل المطاعم العالمية والشركات الكبرى المصنعة للطعام.

وبالتأكيد فان اختلاف الاذواق وتنوع الحضارات قد شكل –في بعض الاحيان- خلطات ووجبات لا تخلوا من الغرابة والتعجب، اضافة الى دخول بعض المطاعم على خط السياسة ومعارضة البعض لذلك.

ثورة في عالم الحلويات

فقد يحدث الشوكولا ثورة في عالم الحلويات اليابانية بدفع من اشخاص يتمتعون بحس ابتكاري ويقومون بمزاوجته مع مكونات تقليدية في المطبخ الياباني، وقد حل صانعو الشوكولا والحلويات اليابانيون ضيوفا مميزين على المعرض السابع عشر للشوكولا الذي نظم خلال الشهر الحالي في باريس، وهولاء باتوا يستخدمون بشكل متزايد هذه المادة التي يعود اصلها الى ما قبل اكتشاف كريستوف كولومبوس للقارة الاميركية، الان انها وصلت متأخرة الى اليابان "بعد حوالى 250 عاما عن الغرب" على ما يوضح سوسومو كوياما وهو صانع حلويات وشوكولا في السابعة والاربعين من العمر، ولد سوسومو كوياما في كيوتو في عائلة صناع حلويات واختير من قبل الخبراء "افضل صانع شوكولا اجنبي" خلال معرض العام 2011، ويؤكد كوياما انه يتبع حدسه و"استوحي من الطبيعة"، وقد جعل من تزواج المذاقات شغفه وعمله الذي يمارسه حصرا في اليابان، وقد اقام المشغل (المتجر) الذي يعمل فيه في الريف في ساندا (بين كوبي واوساكا) وهو يوظف 200 شخص. بحسب فرانس برس.

وسوسومو كوياما يحرص "على نقل" هذا الفن فاسس لهذه الغاية مدرسة العام 2004 واصدر عدة كتب تتضمن وصفات، وقد تدرب "في اليابان" الا انه اصغى كثيرا "لصانعي الشوكولا الفرنسيين" الذين يكن لهم احتراما كبيرا ويلتقيهم كثير، وكان كوياما ادخل الكور-شيشيمي وهو من التوابل الخاصة بمنطقة كيوتو الذي تستخدمه والدته كثيرا مع شوكولا يحوي نسب عالية من الكاكاو فتوصل الى الشوكولا الخاص به "يانباي" وهو خليط مر-حلو يجمع التوابل والعسل والشوكولا المر، وقد جمع ايضا بين معجون الصويا المخمرة والكريما والكاكاو من كوستا ريكا للتوصل الى "فوندان" (نوع من الحلوى بالشوكولا المذاب)، الا ان سوسومو كوياما يفضل "خفة الجينواز الملفوفة" او "قشدة الشوكولا" التي يضيفها الى "مذاقات طفولته" ليصنع ما يسميه "دي ان ايه طوكيو" هو اسم عام اطلقه على ابتكاراته، ومن بين هذه الابتكارات "هيكوندا" وهي "خليط شوكولا بهريسة الكستناء"، ولدى "طوكيو شوكولت" وهو صانع شوكولا اخر مقره في طوكيو تمزج "الما-نا-مو" (اي سطح المياه) متعددة الالوان والبراقة بين الكاكاو واليوزو (نوع من الحمضيات) والساكي والشاي اخضر، ثمة مرققات ايضا تجمع بين عجينة الازوكي (حبوب حمراء او بيضاء) والكريما وتذكر هذه الشوكولا بفن الرشمة والترصيع بعرق اللؤلؤ.

من جانبه يجذب اداهارو اوكي سنويا اعدادا كبيرة من زوار المعرض بفضل "الشوكولا-الماكياج" المقطع باليد، ولدى اوكي اربعة متاجر في باريس وثلاثة في تايوان وقريبا اربعة متاجر في طوكيو، ولدى آوكي يتعايش الكاكاو والسمسم الاسود والسانشو (نوع من الفلفل) بسلام، وقد عرض صانع الحلويات ابتكاره الاخير وهو معكرون بالشوكولا المذاب في رقاقة مصنوعة بالشاي الاخضر، ويؤكد مسؤول لدى تورايا المزود الرسمي للامبراطورية اليابانية منذ 500 عام على ان "معرفة المزج بين مذاقات جديدة هي احد شروط الابتكار"، وتورايا له وجود في باريس منذ 31 عاما وثمة زوار يأتون يوميا الى المتجر للتبضع، ويقع المتجر على مسافة قريبة من ساحة فاندوم ويتضمن اليوكان بالشوكولا (ازوكي وسكر) وانواعا مختلفة باسماء غريبة من دانغو وموشيو ومانجو المصنوعة من معجون الارز او الذرة البيضاء التي تجمع بين الشاي الاخضر والزهور والصويا المشوي الفاكهة، وتحمل كلها اسماء تذكر بقصائد الهايكو القصيرة وتشكل مهرجانا للطبيعة والمواسم والحواس الخمس.

مطعم كوري في أمستردام

بدورهم افتتح هولنديان في أمستردام مطعما يقدم أطباقا كورية شمالية، يعتبر الأول من نوعه في أوروبا بحسب مالكيه، وقال أحدهما ويدعى رمكو فان دال "زرنا كوريا الشمالية ورأينا أن لا أحد يعرف ثقافة هذا البلد أو مطبخه، فقررنا أن نفتتح مطعما ومركزا ثقافيا في أمستردام"، وبالتالي، فتح مطعم "بيونغ يانغ رستورانت" أبوابه في الأول من شباط/فبراير وزينت جدرانه بتحف فنية من كوريا الشمالية. ويقدم المطعم لائحتي طعام مؤلفتين من خمسة أو سبعة أطباق ترتكز على الأرز أو المعكرونة أو اللحم ولا علاقة له بنظام بيونغ يانغ الستاليني، على حد قول فان دال، ويشار إلى أن موظفي المطعم كوريين شماليين وهم خمس نادلات وثلاثة طباخين ومترجمة، وقال فان دال "لقد تعاونا مع معطم كوري شمالي في بكين اختار تسعة أشخاص ودربهم ثم أحضرناهم من كوريا الشمالية إلى هولندا"، أما المركز الثقافي الذي سيتخذ من المبنى نفسه مقرا له فسيستضيف "قريبا جدا" مؤتمرات وورش عمل وأفلاما كورية شمالية، بحسب ما أوضح فان دال الذي كان يعمل سابقا في مطبعة، وأضاف "يتهمنا البعض بالدعاية فيما يقول البعض الآخر إننا نمثل رغبة بلدنا في الانفتاح على العالم، أما نحن فنريد أن يكون المركز مكانا بعيدا عن السياسة". بحسب فرانس برس.

البولنديون والخضار والفاكهة

فيما بينت دراسة أجراها المجلس الأوروبي للاعلام حول التغذية في 19 بلدا أن البولنديين المشهورين عادة بكثرة استهلاك النقانق ولحوم الخنزير، هم في الواقع أكبر مستهلكي الخضار والفواكه في أوروب، ويتصدر البولنديون القائمة مع معدل 577 غراما من الخضار والفاكهة المستهلكة يوميا، متقدمين بأشواط على الإيطاليين الذين يحتلون المرتبة الثانية مع 452 غراما في اليوم، وتحل فرنسا في المرتبة التاسعة مع 342 غراما في اليوم للفرد الواحد تليها المجر وإستونيا وإيرلندا وبلجيك، وقد حل االايسلانديون في المرتبة الأخيرة مع 186 غراما في اليوم من الخضار والفواكه، بعد السويديين (237 غراما) والتشيكيين (253 غراما)، وتختلف الخضار والفواكه المستهلكة باختلاف الموقع الجغرافي، "فيزداد استهلاك الخضار النيئة الغنية بالفيتامينات في الشمال في حين يفضل حساء الخضار في الجنوب"، ويحذر المجلس الأوروبيين من عدم الامتثال لتعليمات منظمة الصحة العالمية التي توصي بـ400 غرام من الخضار والفواكه يوميا على أقل تقدير، إذ قد يؤدي ذلك إلى أمراض عدة منها السرطان وأمراض القلب والشرايين. بحسب فرانس برس.

وللسياسة نصيب!

من جهته اقترح الطاهي الاسباني خوسيه اندريس عملا على اعضاء منظمة "ايتا" الانفصالية الذين ينبذون العنف ويطلبون الصفح بعد اعلان المنظمة التاريخي في وقت سابق وقف "نشاطها المسلح"، وكتب اندريس عبر حسابه على خدمة تويتر الذي يتابعه نحو 44 الف شخص "في حال اراد احد افراد ايتا عملا سأوفره له، ضعوا السلاح جانبا وتفوهوا بكلمة واحدة، المعذرة، الاصعب بات وراءكم، تحركو، شكرا"، والطاهي الشهير المولود في اسبانيا يملك عدة مطاعم رائجة جدا في الولايات المتحدة لا سيما في واشنطن ولاس فيغاس وبيفرلي هيلز، وكانت المجموعة الانفصالية اعلنت "الوقف النهائي لنشاطها المسلح" ما يشكل منعطفا تاريخيا بعد اكثر من 40 عاما امضتها في النضال من اجل استقلال منطقة الباسك، وقد رحب رئيس الحكومة الاسباني بالخطوة معتبرا انها "انتصار للديموقراطية"، وتحمل ايتا مسؤولية مقتل 829 شخصا خلال سنوات نضالها المسلح الذي دام اكثر من 40 عاما من اجل استقلال المناطق الباسكية في اسبانيا وفرنسا. بحسب فرانس برس.

بينما قرر مطعم في ولاية نيوهامشير التي تشهد المرحلة المقبلة من الانتخابات التمهيدية الجمهورية الاميركية منع دخول المرشحين "دون استثناء" بعد تقدم زبائن عدة بشكاوى، ووضعت موظفة على مدخل هذا المطعم الصغير الشعبي جدا في مدينة بورتسموث الساحلية (شمال شرق الولايات المتحدة) لافتة بالوان العلم الاميركي كتب عليها "دخول السياسيين ممنوع، من دون استثناء"، وقالت جيسيكا لابري التي اوردت كلامها صحيفة "بورتسموث هيرالد"، "عندما يأتون تحصل جلبة كبيرة، يمكن متابعة ذلك على التلفزيون لكن لا تحتاج اليه عندما تكون جالسا لتناول الفطور"، ومنذ انطلاق حملة الانتخابات الرئاسية الاميركية استقبل المطعم التي يتسع لعشرة اشخاص زيارة ريك بيري وميشال باكمان واخيرا المرشح غير المعروف بودي رومير.

فن الطبخ العصراني

من جهة اخرى فان الاميركي نايثن ميرفولد عالم رياضيات وفيزياء يعشق الطبخ وها هو ينشر الان في فرنسا مرجعا في فن الطبخ "العصراني" املا المساهمة في اطلاع الطهاة المحترفين والهواة على اخر التقنيات في هذا المجال بعيدا عن "اي نقاش ايديولوجي".نشر الكتاب في اذار/مارس الماضي في الولايات المتحدة وهو يضم خمسة اجزاء ويقع في 2440 صفحة بعنوان "موديرنيست كويزين" (39 يورو)، وهو يغزو الان الاسواق الاوروبية من خلال دار تاشن للنشر مع صدور النسخ الفرنسية والاسبانية والالمانية نهاية تشرين الثاني/نوفمبر، وللوهلة الاولى لم يكن مقدرا لنايثن ميرفولد توقيع هذا العمل الكبير حول المطبخ المعروف بالمطبخ "الجزيئي" الذي يشكل الطاهي الاسباني فيران ادريا صاحب مطعم ال بولي الذي اغلق ابوابه اخيرا، احد ابرز شخصياته واكثرها موهبة، فهو عالم مرموق كان مديرا تكنولوجيا لدى شركة مايكروسفوت العملاقة للمعولماتية قبل ان يغادر المجموعة العام 1999 لتأسيس شركة "انتيلكتشوال فينتشرز" لاستثمار براءت اختراع علمية، ويوضح ميرفولد في مقابلة من مختبره في سياتل (ولاية واشنطن شمال غرب الولايات المتحدة) "غادرت مايكروسوفت ايضا لاتمكن من تكريس مزيد من الوقت للطبخ، لطالما كان الطبخ الشغف الطاغي في حياتي"، لم يحترف الطبخ الا انه امضى سنتي تدرب لدى مطعم "روفرز" للطاهي الفرنسي تييري روتورو في سياتل قبل ان يتبع دروسا في مدرسة فارين في منطقة بورغونيه الفرنسية. بحسب فرانس برس.

ويوضح "عندما غادرت مايكروسوفت كنت على اطلاع على المقاربة العصرانية للطبخ. كنت اعرف فيران ادريا وكنت قد تناولت الطعام في مطعم مارك فييرا في اوت سافو، لقد ادركت ان ثمة كمية كبيرة من التقنيات الجديدة وخصوصا ان للعلم مكانته في المطبخ"، فاسس مختبره المطبخي حيث اطلق العنان لشتى الاختبارات الممكنة حول المنتجات والمكونات عارضا بعد ذلك اكتشافاته على كبار الطهاة في العالم، وكان في بعض الاحيان ينسف بعض المسلمات من اساسه، ومن هذه المسلمات ما يتعلق بلحم البط المحفوظ بالدهن، ويوضح ميرفولد "كل الطهاة تقريبا يعتبرون ان الطهو البطيء في الدهن هو الذي ينتج هذا الطعم الفريد، وقد اختبرنا طريقة الطهو التقليدية ومن ثم طريقة طهو بطيئة بالبخار على درجة الحرارة نفسه، وتبين لنا ان النتيجة هي ذاته، اذا الدهن لا علاقة له بتاتا".ويضيف "عندما اقول ذلك لبعض الطهاة يكادون يغضبون علي، والناس لديهم مواقف صارمة جدا حول الاطعمة، تكاد تكون مقدسة، وهذا يؤدي الى الترويج لايديولوجية قوية جدا".

الا ان نايثن ميرفولد ينصح كل الذين ينتقدون المطبخ "العصراني" ويسخرون من مذاقاته غير المسبوقة والتجارب الجريئة والترسانة التكنولوجية المستخدمة فيه، ان يلقوا نظرة الى الوراء، فعند ظهوره كانت فن "الطبخ الجديد" يستند الى "افكار بسيطة جدا مثل التوقف عن وضع الطحين في الصلصات، لكن في تلك الفترة كان الامر راديكالي، بعض الذواقة دانوا فن الطبخ الجديد فيما دافع عنه اخرون وكان الجدل كبيرا جدا"، وهو يعتبر ان الامر نفسه يحصل الان مع فن الطبخ العصراني "انا اظن ان كل شخص محب فعلا للطبخ يمكن ان يجد فيه شيئا مثيرا للاهتمام من دون ان يكون هناك اي رهان ايديولوجي"، ويتابع قائلا "كل تاريخ الطبخ يرتكز على الابتكار والاختراع والتنوع والتجديد"، وهو يرى ان الامر لن يتوقف عند هذا الحد "اظن ان ثمة الكثير لا يزال بامكاننا اكتشافه، فاللحوم مثلا امر معقد جدا مع كمية هائلة من البروتينات والجزيئيات التي لا تزال تختزن الكثير من الالغاز، ولم ننته بعض من فهمها".

مطعم ليوم واحد

الى ذلك وعلى احد ارصفة هلسنكي تستمتع عائلة فنلندية بطبق "ادهي بالا" الهندي الذي تبث مذاقاته الغنية بالتوابل الدفء في الجسم في هذا اليوم البارد غير المشمس الذي استحال فيه افراد طهاة واصحاب مطاعم، انها مبادرة "رافينتولابايفا" اي "مطعم ليوم واحد"، ففي الشارع او في شقق تقدم هذه "الموائد" الموقتة للفضوليين، باسعار مقبولة جدا مواهب طهاة هواة وتسمح بتذوق اطباقهم المنزلية، ياكو لاتيكا وكريستا كويالا يستمتعان مع نجليهما الصغيرين انتي ولوري بالطبق الذي اعده بعناية نخيل ساليان وكروبيش كوثري، وقد نصب هذان الهنديان الاتيان من بومباي طاولة في الشارع مقدمين الاكل المصنوع من العدس المطحون اطباق بلاستيكية، ويقول احد الصبيين منذ اللقمة الاولى "هذا لذيذ!" ناسيا الحراراة المتدنية التي كان يشتكي منه قبل ذلك، وهذه النسخة الثالثة للمبادرة في فنلندا بعدما نجحت مرة اولى في ايار/مايو ومرة ثانية في آب/اغسطس، وتشهد هذه النسخة الشتوية اقبالا اكبر، وتقول كيرستي تومينين احدى القيمين على هذا التحرك "لقد احصينا اكثر من 300 مطعم في 40 مدينة في فنلندا وواحد في المانيا"، والفنلنديون المتمسكون بمطبخ تقليدي ثقيل وباهت، تجذبهم على ما يبدو هذه المغامرة المطبخية، ويشجعهم على ذلك التنوع الكبير في الاطباق وطريقة تقديمها البسيطة، وفتح ابواب المنزل امام اشخاص مجهولين يبدو انه يروق لشعب معروف بتحفظه لا بل انطوائه على الذات، ويقول احد مؤسسي هذه الحركة اولي سيرين "الناس متحمسون لمشاطرة وجبة طعام، انها طريقة لتعزيز المجتمع والروابط مع الاخر". بحسب رويترز.

هذه الحماسة لا تتماشى مع سخرية رئيس الحكومة الايطالي سيلفيو برلوسكوني الذي قال ان فنلندا لا يمكنها ان تستضيف مقر الوكالة الاوروبية لسلامة الاغذية بحجة ان الفنلنديين لا يفقهون شيئا في فن الطبخ، وعند بائعة الأزهار هيلي سيمولا يتوزع بعض الزبائن على طاولتين وضعت في قلب المتجر وسط الزهور العطرة المتعددة الالوان، ومن الاطباق ترتفع رائحة فطيرة بالقرفة مغطاة بالشكولا وعصير الليمون، وتقترح سيمولا اطباقا كلاسيكية فنلندية مثل كريات اللحم فضلا عن البانيني الايطالية وحلويات تحمل اسم نابلويون اتية من روسيا واللبن التركي، وتقول "انها طريقة بسيطة للترويج للمتجر، ويتعرف الناس على المتجر ونأمل ان يعودوا بعد ذلك"، وهي لا تتوقع اي ربح مباشر من خلال المشاركة في هذه المبادرة، وفي الجانب الاخر من المدينة تتصاعد رائحة قهوة لذية، جاذبة المارة الى "انغري بيردز" تيمنا بلعبة اطفال شهيرة اخترعت في فنلندا، الذي فتح ليوم واحد في شقة صغيرة انيقة تقيم فيها الطاهية الهاوية تيا اسبيغرين ونجلها توبي إيليتالو، وبعيدا عن البرد القارس، تنجذب العائلات مع اطفال الى هذا المكان، فثمة من يلعب "انغري يردز" في غرف النوم فيما الاهل في قاعة الجلوس يتحادثون وهم يتذوقون اطباقا حيث البيض هو الاساس كما في اللعبة الشهيرة، فهو اما محشو او مخفوق او على شكل فطيرة او كيسادي، وتقول اسبيرغرين وهي تطوي ببراعة شريحة كاسيديا وهي نوع من خبز مكسيكي "لا اعرف احدا من هؤلاء الاشخاص، انا سعيدة جدا بروح الانتفاح هذه التي نعكسها ليشعروا ان بامكانهم المجيء وانهم على الرحب والسعة عندنا".

على قمم الجبال

في سياق متصل وعلى ارتفاع 2300 متر، يحتفل جان سوبليس بالذكرى العاشرة لتسلمه إدارة مطعم "لوكساليس" وهو أكثر المطاعم ارتفاعا في اوروبا ويقع في محطة التزلج الفرنسية "فال تورينس"، وقد نجح هذا الطاهي بتفننه في استقطاب المتزلجين الذين كانوا عادة يكتفون بطبق "راكليت"، لطالما عشق هذا الشاب الأشقر من إقليم سافوا الفرنسي (وسط شرق) الجبال وهو ما زال يتسلقها اليوم خلال فترات استراحته، وفي العام 2002 عندما قرر تسلم إدارة مطعم "لوكساليس" وهو بعد في الرابعة والعشرين من العمر، واجه تحديا كبير، وفال تورينس هي منطقة مسدودة لا تحيا إلا في الشتاء، وفي الجبال "لم يكن فن الطبخ رائجا وكانت الأطباق من قبيل راكليت تفي بالمطلوب"، بحسب ما شرح جان سوبليس، وكان التحدي تقنيا في المقام الأول إذ كان على الطاهي أن يتعلم من جديد كيف "يسلق البيض"، فالمياه تغلي في الجبال على حرارة 90 درجة مئوية بدلا من 100 درجة كما هي الحال في السهول، من ثم كان يتطلب تحضير بيضة نمبرشت ضعفي الوقت الذي يخصص لها عادة. بحسب فرانس برس.

ويخبر الطاهي "اضطررت إلى ابتكار نوع خاص من الخبز لأن الخبز هنا كان جد جاف خلال السنوات الأولى" بسبب انخفاض نسبة الرطوبة، وكذلك اضطر إلى التكيف مع الغلافات التي تنفجر بسبب الضغط والنبيذ الذي يعتق أسرع من المعتاد والطلبيات التي تلغى مرارا وتكرارا عندما تكون الطرقات مقطوعة بالثلوج، من جهة أخرى، أصبح من المألوف بالنسبة إلى الطاهي عدم تقديم أي طبق لمدة "ثلاثة أيام على التوالي"، لكن الأصعب كان بالنسبة إلى هذا الشاب البالغ من العمر 33 عاما، تحمل الثلج الأبيض الذي يغطي الجبال طوال ستة أشهر من السنة، ويشرح قائلا "لا يأتيكم أي وحي عندما تشاهدون يوميا منظرا أبيض أمامكم، وما من ربيع في فال تورينس"، لكن جان سوبليس تمكن بفضل مثابرته من الحصول على نجمة أولى في دليل "ميشلان" في العام 2006 ثم نجمة ثانية في العام 2010، فتوافد العملاء الذين ارتفع عددهم، ويؤكد الطاهي "أن بعض الزائرين يقصدون فال تورينس خصيصا لتناول الطعام في لوكساليس"، وخلافا للأصول المرعية الإجراء في المطاعم التي تحمل نجوما، الأجواء هنا بعيدة كل البعد عن التأنق والتصنع، ويتناول الزبائن أفخر الأطباق وهم ببذلات التزلج وأحزيتهم الكبيرة.

لحم التماسيح على موائد طعام

من جانب اخر أصبحت لحوم التماسيح مشهداً مألوفاً على مائدة العشاء، في سنغافورة، ويأتي معظمها من مزرعة لونج كوان هونج للتماسيح، حيث يحظى مديرها روبن لي، بتجارة رائجة في  الآونة الأخيرة، وارتفعت المبيعات الشهرية من 5ر1 طن في عام 2010 إلى 5ر2 طن في العام الماضي، كما زادت قاعدة العملاء من 100 إلى 300 عميل، ووصل هذا الاتجاه إلى قطاع تجارة التجزئة على مستوى الشارع وأيضاً بالنسبة للمطاعم الراقية، ونمت المبيعات في سلاسل المتاجر الكبرى في البلاد بمقدار عشرة أضعاف في عام 2011، وقد يكون أحد أسباب هذا النمو هو الإصرار التسويقي لفريق لي، وقال لي 36 عاماً، الذي يدير عمل العائلة المستمر على مدى أكثر من أربعة عقود "من قبل، لم يكن الناس يعرفون من أين جاء هذا الحيوان، إذا ما كان قد جاء من البرية أو من المزارع، كما لم تكن لهم معرفة بطعمه أو كيفية تحضيره"، وتابع "لذلك ذهبنا إلى المتاجر لتقديم عروض وقمنا بتعليم المستهلكين كيف يقومون بطهي وتقديم عينات للتذوق، واليوم، أصبح كثير من الناس يدركون أن لحوم التماسيح لها فوائد صحية، وخاصة ضد الربو"، وحتى بعض أكشاك الباعة المتجولين تشتمل قوائم الطعام لديهم على لحوم التماسيح، وفي مركز "لافندر فود سكوير" للطعام، يسير العمل بشكل جدي في كشك يقدم حساء التماسيح، وقال الطاهي المشغول الذي يقوم بطهي الطعام، "نبيع لحوم التماسيح منذ ما يتراوح بين 10 و15 عاماً، لكنها أصبحت أكثر انتشاراً في الآونة الأخيرة فقط". بحسب فرانس برس.

ويقدم الطاهي حوالي 60 طبقاً في اليوم، حيث يقدمه مع مزيج خاص من الأعشاب التي تهدئ الجسم، وفقاً للطب الصيني التقليدي، وقال "لحوم التماسيح جيدة للربو، ولكن في الأساس أعتقد أن المبيعات تتزايد لأن الناس أصبحوا أكثر جرأة ويغامرون بتناول شيئ جديد"، ويبلغ سعر طبق لحوم التماسيح 10 دولارات سنغافورية (7 دولارات أمريكية)، وهو أغلى قليلاً في مركز للطعام منخفض التكلفة حيث تقدم أطباق أرز الدجاج بثلث هذا السعر، ولا تعد لحوم التماسيح عنصراً تقليدياً في المطبخ السنغافوري، ولكن هذه التقليعة تتزايد في السلسلة الغذائية في الوقت الذي تهب فيه الرياح السياسية ضد الوجبات الصينية التقليدية مثل زعانف القرش والكلاب، كما أصبحت لحوم التماسيح خياراً غريباً في المطاعم الفاخرة أيض، وفي قصر الذواقة الصيفي بفندق ريجنت، أكدت نادلة أن لحوم التماسيح المسلوقة أصبحت خياراً شائع، وأوضحت "يمكنك أن تختار بين اللحم الحار أو غير الحار"، وبصرف النظر عن حساء التماسيح واللحم المسلوق، يمكن تقديمها مشوية أو مقلية في بعض الأماكن، ويشبه طعم لحوم التماسيح كخليط بين الدجاج والسمك، ربما سمك القد أو الحبار أو الاسكالوب، ويعتمد طعمها الطري على طريقة تحضيره ويقدم مع زينة وتوابل، كما ترتبط شعبيتها الجديدة بالاعتقاد في الطب الصيني التقليدي، بأن لحوم التماسيح تعزز جهاز المناعة وتمنع مشكلات الجهاز التنفسي، وربما بذلك تتراجع المخاوف القديمة من التماسيح التي تأكل الرجال، لتفسح الطريق أمام الرجال الذين يأكلون التماسيح، في سنغافورة الحديثة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 6/آذار/2012 - 12/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م