الإيمو ومصاصو الدماء

زاهر الزبيدي

كشفت صحيفتان محليتان عن ظاهرة غريبة بخبرين يتشابهان في المعنى والمضمون ويختلفان في مكاني وقوعهما ألا وهي ظهور حالتين لمصاصي ومصاصات الدماء أحداهما في بغداد والأخرى في أربيل وعلى الرغم أن المستطلع للأحداث في العراق لن يستغرب مطلقاً تلك الأخبار، فبعد الحديث الطويل عن ظاهرة الايمو وغيرها من الظواهر الشاذة عن أعراف النسيج الاجتماعي العراقي ليس بغريب أن تظهر حالات قد يراها البعض غريبة ومخيفة في ذات الوقت ولكننا نرى أنها حالة طبيعية أذكت جذوتها وسهلت نضوجها وستساعد كثيراً على إنتشارها أموراً عدة قد لا نخطيء إذا ما قلنا إننا جميعاً مسؤولون عنها ويجب أن تساءل عنها الحكومة بكافة مفاصلها والعائلة والسلطة الدينية العليا في البلد.

فمسلسل الفساد الفاضح الذي طال الجميع بدون استثناء وشيوع ظاهرة الانتحار التي باتت واضحة حين كشفت وزيرة المرأة أن ما يقارب الألف امرأة انتحرن منذ عام 2009 منهم 239 قضين حرقاً، وظواهر التعذيب الجسدي غير المبرر إطلاقاً، وهذا الهيجان الواضح في أخلاقيات الجيل الجديد وظهور المخدرات وحبوب الهلوسة على أنواعها وبروز ظاهرة الإيمو (emo) كلها ستصبح يوماً من سمات تلك المرحلة من حياتنا.

فالايمو (emo) هي إختصار لمصطلح "متمرد ذو نفسية حساسة (Emotive Driven Hardcore Punk)"، أو شخصية حساسة بشكل عام، أخذت هذه الظاهرة في الإنتشار بين الشباب المراهقين وأصبح يطلق عليهم عبدة شيطان، والإيمو عبارة ثقافة ثانوية، ينتمي إليها مراهقون عاديون ذو أديان مختلفة، لا يمارسون طقوسا أو يقومون بأعمال تشير إلى إنتمائهم إلى تلك الظاهرة، وجميع الإيمو يجرحون رسغهم ولهم ميول إنتحارية يشيرون بها إلى الأجزاء المظلمة من الحياة.

 وكان بروز تلك الظاهرة في تسعينات القرن الماضي عندما كانت هناك فرقة تغني أغاني عاطفية ؛ كان لها أثر في جذب الأطفال، والشباب، الذين يشعرون بالحرمان، والهجران، فانبثق عن ذلك فرقة تُعنى خاصة بأغاني الأطفال، وقد سميت باسم فرقة (Weezer) اشتهرت أغانيها بين الأطفال، والشباب، حتى حصل قائد هذه الفرقة على لقب "آلهة الإيمو"، وقد تميزت هذه الفرق وأتباعها بلباس معين، وشكل معين مميز، فالملابس ضيقة ، والشعور داكنة محترقة، والمكياج خاص، حيث اكتنف هذه الفرقة جو من الغموض والسرية.

ظهرت بعد ذلك في حادثة أثارت الرأي العام العالمي ؛ وهي حادثة انتحار فتاة تدعى "هنا بوند"، تنتسب لهذه الفرقة، تبين أن لهذه الموسيقى - "الإيمو" - سبب في إقدامها على الانتحار. وكشف التحقيق أن هذه الفتاة كانت تناقش روعة الانتحار في صفحتها على الإنترنت ؛ بل شرحت لوالديها بأن إيذاءها لنفسها كان فقط جزءً من كونها "إيمو" وعلى إثر هذه الحادثة: خرجت تقارير تبيّن خطر فرق " الإيمو "، وأثرها على الأطفال، والمراهقين، وخصوصاً من يعيش اليتم والحرمان، فقامت بعض الدول بمنع هذه الفرق، وحظرت أي شكل من أشكال "الإيمو" ثم تطورت هذه الفرق الموسيقية إلى اتجاه سلوكي، حتى صارت السمة البارزة لهذه الفرقة: إيذاء النفس، بتشريط، وتقطيع الجسم، عند المعصم، أو الذراع، أو الساق، أو البطن، أو القيام بحرق الجسم بسيجارة، أو كبريت مشتعل والدافع لهذا الإيذاء: محاولة لتحمل الألم العاطفي، أو الضغط الشديد من قبل والديهم أو المشاكل في العلاقات والحب وقد تكون نتيجة لمشاعر قوية لا يعرف الشخص كيف يعبر عنها، كالغضب، والألم، والعار، والاستياء، أو الإحباط، أو لفراغ روحي تكون نهايته الإيذاء والانتحار.

ونحن في العراق، في ثمانيات القرن الماضي، كان بعض المراهقين يجتمعون فيما بينهم في الأزقة ويتحدثون فيما بينهم عن المشاكل التي تنتاب فترة مراهقتهم تلك والتي كانت في أغلب الأحيان تطغى عليها سمة الفقر والحرمان والاستياء ناهيك عن الفراغ الروحي الكبير لديهم فيبدؤوا بحرق أيديهم بالسكائر أو حتى يجرحون أنفسهم مكابرة على آلامهم وكي يبينوا لبعضهم بأنهم أقوياء على تحمل ألم الحياة المفرط وقادرين، واهمين، على تحمل الآثار النفسية للكبت الكبير التي يعانيه الشباب، ولا زالوا، في مجتمعنا بحكم التقاليد والأعراف.

الى هنا فان الانتحار ومص الدماء وتشريط الجسد ليست سوى إلا مرحلة من مراحل نضوج هذه الظاهرة الغريبة على مجتمعنا والتي تدخل، حالها حال بقية الظواهر الشاذة، لتربك حياتنا الاجتماعية وتطلق إشارات سلبية عن حقيقة واقعنا يبطنها التهديد المباشرة للبنية الأساسية في تكوين مجتمعنا وهي وسيلة أخرى من الوسائل التي نقلت لمجتمعنا (المنغلق) عن طريق كل الوسائل الممكنة والتي أصبحت متاحة وبشكل كبير بعد 2003 وكذلك فان ظهور الفقر جلياً واضحاً في المجتمع وعزوف الكثير من الشباب عن الزواج والتمتع بحياة إجتماعية مستقرة وعدم وجود الوظائف ناهيك عن التطور والتعقيد الكبير في حياتنا مع إضافة من زيادة متطلبات الحياة وبروز الفوارق الاجتماعية والطبقية الكبيرة وضعف الأدات الدينية التي تسعى دائماً للتحجيم من تلك الظواهر الشاذة عن طريق التوعية وعزوف المؤسسات التربوية عن القيام بواجبها الصحيح على طريق الإرشاد التربوي ناهيك عن الخلل الكبير في المؤسسات الإعلامية الحكومية في أخذ دورها الحقيقي في مجال توعية الأسرة وتوجيه سياستها الإعلامية باتجاه المجتمع.. وصولاً الى البطالة التي أخذت مأخذها من شبابنا، نرى إننا بحاجة اليوم الى خلية أزمة حكومية كبيرة تضم كل المؤسسات التي ذكرت أعلاه تأخذ الموضوع بعين متبصرة لتقييم الحالات وتستكشف الواقع وتتدارك خلفياته وتشخص أسبابه لتضع الحلول الناجعة منعاً لأستفحاله ومنذ اليوم ففي وطننا يكفينا من تحدث من أزمات غير قادرين على إدارتها بحكمة وصواب.

 نحن بحاجة الى جهود مكثفة وجبارة لننقض على مشاكلنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبحاجة الى عمل متواصل نرتقي به الى عزل وتشخيص كل الحالات الشاذة في المجتمع وتحجيم تأثيراتها السلبية.. وعلينا بذات الوقت أن نعالج بدراسات نفسية عميقة لتلك الظواهر بتطبيق المعرفة النفسية لتلك المشاكل المرتبطة بأمور الحياة اليومية، واستكشاف العمليات الفسيولوجية والعصبية الخفية التي تنتاب شبابنا بين الحين والآخر فارزة لتلك الظواهر الغريبة، نحن بحاجة اليوم الى علاجات نفسية مختلفة، وواهم من يقول عكس ذلك، فما تعرض له شعبنا من مختلف التأثيرات النفسية الصعبة التي أثرت كثيراً بنا نتجت عنها ردودنا د الانفعالية في أغلب الأحيان والتي أثرت على تفاعلنا مع التغيرات الاجتماعية.

ففي ظل المشاهد الدامية الاستثنائية التي استمرت لفترة طويلة، قاربت على نهايتها بأذن الله، وما تعرض له العراقيون من تهديدات نفسية كبيرة نرى إننا لا نملك ما يكفي، أو حتى بالحدود الدنيا، من الأطباء النفسيين حيث لايتجاوز عددهم المئتي طبيب ملزمين بمعالجة المرضى النفسيين في العراق، ونكاد نكون جازمين بأن عدد المرضى لدينا يفوق النسبة الطبيعية للمرضى النفسيين في العالم لكون مجتمعنا لازال لغاية اليوم يشير الى من يرجع الطبيب النفساني بأنه (مجنون) لذلك نرى أن هناك عزوف كبير من قبل الكثير من المرضى على مراجعة الأطباء النفسانيين على قلتهم.

 كفانا الله وإياكم من الأمراض النفسية وغيرها ووقانا شر مصاصي الدماء وأنيابهم فيكفي علينا أولئك الذين يمتصوا مستقبل أبناءنا وثروات الوطن من المفسدين مصاصو الموازنة الاتحادية.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 6/آذار/2012 - 12/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م