عدنان القيسي وابو طبر... فن صناعة الظاهرة

عبد الكريم ابراهيم

بعد انقلاب عام 1968 اعتمد النظام المسيطر على مقاليد الدولة في العراق على تصفية خصومه وحتى شركائه السابقين الذين اوصلوه الى دفة الحكم، وكان لابد من وسائل اشغال الرأي العام لاسيما الطبقات البسيطة، وابعادها عما يجري من احداث سياسية كان البلد يعيشها في ظل وجود معارضة اسلامية ولبرالية ويسارية فضلا عن وجود بعض القضايا الداخلية،  وتأتي القضية الكردية والمطالب المشروعة للأخوة الاكراد في الحصول على حقوقهم التي كانوا ينادون بها منذ عقود طويلة في مقدمة هذه القضايا.

كان النظام الحاكم في بداية سبعينيات القرن الماضي يعيش حالة صراع داخلي وخارجي يزداد كلما تقدم الزمن، وكان لابد من وسيلة لكتم افواه الشعب وعدم مشاركته في عملية صنع الاحداث من خلال اثارة قضايا اجتماعية ورياضية تكسب الجماهير اليها وتشغلهم.

ظهور عدنان القيسي كان احدى هذه الخطوات من خلال ايهام الناس بالشخصية الخارقة التي تحمل ملاحم (سوبرمان) و(فلاش كوردن) و(جلجامش) و(عنترة بن شداد).عملية الاختيار والاتقان كانت جديدة ومعدة بشكل فائق من خلال صناعة رجل خارق يحلم به العراقيون ويعيد لهم بعض الاحلام المفقودة لاسيما في حربي1967 و 1973التي جعلت الشعب العربي والعراقي ينزوي في البحث عما يداوي جراحاته.

اما المعارضة السياسية فتم تصفية بعضها وايهام الاخرى بالمشاركة في الحكم وكشف اوراقها كما حدث مع الحزب الشيوعي العراقي واتفاق 1975.

ولكن كيف تمت السيطرة على المد الشعبي الذي تتمتع به بعض القوى الاسلامية والسياسية في اوساط الطبقات البسيطة؟ كان عدنان القيسي هو الذي وجدت فيه الحكومة ضالتها : رجل بسيط يمكن السيطرة عليه وتوجيهه كيفما شاءت،  لقد اعترف الرجل اخيرا من خلال لقاء اجرت معه احدى الفضائيات العراقية.قال الرجل: وقعت ضحية مؤامرة حكومية. هرب القيسي عندما احس بان نهايته اقتربت، لانه لابد من هذه اللعبة ان تنتهي.لو رجعنا الى شخصية عدنان القيسي فان الرجل لايمتلك تلك القوى السحرية والجسمانية التي جعلته يسقط خصومه على حلبة المصارعة بهذه السرعة المتناهية،  اذا كان الشعب يعيش مسرحية متفق عليها سلفا مع جميع الاطراف حتى خصوم الحلبة.

 المهم في الامر ان ظاهرة القيسي استطاعت ان تملأ الفراغ الذي كان يشعر به العراقي حيث ان الكثير من شباب تلك المرحلة كانوا على دراية واطلاع باحوال العراق من خلال مقارنتها بالدول الاخرى وكيف يتم كتم الافواه ومصادرة الحريات في الدخل،  واثارة مثل هذه الموضوعات وسط الطبقات البسيطة ستكون شاذة ولاتلقى التأييد الذي كانت عليه في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم.

انتهت موضة عدنان القيسي وخوارقه ولاذ الرجل بالفرار قبل ان يُفتك به في الوقت المناسب، وكان على الاجهزة المخابراتية البحث عن بديل مناسب، وكان هذه المرة شخصية مغايرة لما سبق، لان اتباع نفس الاسلوب يجعل الامر مكشوفا حتى للبسطاء،  فكان (ابو طبر) بعدما شغل افئدة العراقيين عدنان القيسي داخل حلبة المصارعة بحركاته البهلوانية، جاء (ابو طبر) ليكمل المسيرة ويجعل عيون العراقيين ساهرة يطاردها كابوس يريد ان ينقض عليها ويداهمها حتى في بيوتها.

 تحولت المسألة من رياضة غايتها التسلية والتشجيع الى قضية أمنية.وكان هذه المرة ايضا رجلاً بسيطاً لايملك من الدهاء والدراية الامنية الا القليل في زمن عُرف بقوة الاجهزة الامنية وصرامتها بحيث كانت تعد على الناس انفاسها، كيف استطاع هذا الرجل ان يقوم بإحداث كل هذه الضجة دون ان يكون مسيّرا من قبلها؟

 الحقيقة ان (ابو طبر) كان طبخة النظام الامنية من خلال الترويج لها وجعلها ظاهرة تشغل العراقيين وتبعدهم عن التفكير عما يدور من حولهم من قضايا خطيرة كانت تجري في الخفاء ولاسيما تصفية المعارضين باختلاف اتجاهاتهم السياسية والقومية، والا كيف يعقل ان يتسلى بالامن رجل بمفرده؟ واغلب رجال الدولة انذاك هم من الذين ينتمون الى اعتى الاجهزة الامنية استطاعت تصفية ناظم كزار رجل الامن القوي، والعسكري المخضرم صالح مهدي عماش وغيرهم من القائمة الطويلة.

خلاصة ما جرى ان (عدنان القيسي) و(ابو طبر) كانا مسرحية يراهن عليها النظام الحاكم في عملية توجيه جماهير الداخل نحو قضايا ثانوية وابعادهم عن العمل السياسي والسكوت عن عمليات ابادة المعارضة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 29/شباط/2012 - 6/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م