اصدارات جديدة: سمفونية الدم في بيروت

 

 

 

 

الكتاب: سيمفونية الدم

الكاتب: محمد خروبي

الناشر: دار (الفارابي) في بيروت

عدد الصفحات: 143 صفحة متوسطة القطع

عرض: جورج جحا

 

 

 

شبكة النبأ: تصعد في سيارة التاكسي او السرفيس كما يقال في لبنان وتتوقع انه ان دار حديث مع السائق فسيقتصر على موضوعات الغلاء خاصة غلاء البترول وفوضى السير والرشوة القتالة في البلد.

لكن مع هذا السائق وان تناول الحديث بعض ما ذكرنا كمقدمة فانه لن يقتصر على ذلك بل سينتهي وسط استغرابك وبعد كلام عن الاحوال العامة وحال العالم و"حالنا نحن" الى حديث عن الادب وعن القصة بشكل خاص.

فهذا السائق الاديب "يسوّق" مجموعته القصصية الثانية المعروضة في المكتبات من خلال عمله "على الخط" في مناطق بيروتية مختلفة. ومحمد خروبي السائق القاص لا يكتفي بكتابة القصة القصيرة لكنه يكتب الشعر ايضا. كما تحمل مجموعته القصصية (سيمفونية الدم) لوحة غلاف ورسوما داخلية عديدة بريشة محمد خروبي نفسه.

المجموعة التي صدرت في 143 صفحة متوسطة القطع عن دار (الفارابي) في بيروت اشتملت على 42 قصة قصيرة. ولعل من ابلغ من تحدث عن المجموعة كاتبها نفسه اذ قال في مقدمة تحمل عنوان "اخوتي القراء" اشار فيها الى ان اي شبه لشخصياته بشخصيات موجودة في الواقع هو مجرد صدفة. الى هنا والكلام عام لكنه قال ايضا "بكل تواضع اقدم لكم مجموعتي القصصية الثانية. انها نتاج واقعي باسلوب سلس." وتأتي قمة كلامه النقدي في قوله "في النهاية قد تخرج المواضيع عن نمطية القصة لكنها بالتأكيد خارجة من شغاف القلب لتلمس قلوبكم. وانتم الحكم و الحكم."

ولا شك في ان عددا من القصص يبدو انه يحمل مع قصصيته سمات مقال سياسي وانتقادي ساخر لا يقتصر على الحديث عن لبنان فحسب بل عن العالمين العربي والاسلامي وعن العالم قاطبة.

وتتوزع مشاعر شخصيات خروبي بين الاعجاب بمنتجات العلم في العالم في هذا العصر وبين النقمة احيانا عليها وبين شعور محرق سببه ان عالمينا العربي والاسلامي ما زالا بعيدين عن العلم فعلا.

في قصة "ابناء ابراهيم" يتناول قصة اسماعيل واسحق وفي "الطائرة تبحر في الفضاء" تأرجح بين سيطرة الخوف من الطيران واللجوء الى الصلاة وبين الايمان بالعلم ومنتجاته ومنها الطائرة.

ومن الامثلة ايضا قصة "خريف العمر" وهي تقوم على موضوع "تقليدي" نوعا ما في عالمنا العربي. الخريف ممثلا برجل مسن بلغ السبعين "تزوج ربيعا غضا مندّى برائحة الطبيعة..." فتاة دون العشرين من العمر. وكانت النتيجة زوال الخريف فها هو "يصرخ او واخ ويضع يده على قلبه ليعلن اخر اخ واخر او وينسحب الربيع الى دنيا اخرى."

في "صديقي" يتحدث عن عزلة عاش فيها انسان تخلى عن كثير مما حوله ليتمسك بنتاج من نتاج العلم الحديث. يختم بالقول "مع كل هذه التأثيرات طردت الفتاة ونسيت شكلها ولونها وانطلقت مع صديقي الكومبيوتر هذا الجهاز الصغير القابع في ركن صغير من غرفتي..." انها اذن حياة اخرى بديلة.

في "هاني العريس" سخرية مرة تختصر بقول الكاتب عن البطل "ليته لم يخرج يومها الى عمله." هاني العريس سائق تاكسي ورب عائلة بينها خمسة اولاد. تستوقفه امرأة حامل تصرخ فيتوقف وينقلها الى المستشفى. طلبت اليه ان ينتظرها. وبعد مدة يأتي الطبيب مبشرا اياه بانه اصبح والدا لصبي. احتج الرجل ونفى لكن المرأة كانت قد اعطت اسمه وتفاصل عنه. عرّف نفسه وتحدث عن عائلته الى ان تقرر في النهاية اجراء فحص لمعرفة صحة ابوته للطفل. جاءت نتجية الفحص لتقول ان هاني العريس اب الاولاد الخمسة عقيم لا ينجب ابدا.

وختم قائلا "وعندما تتجولون في احد شوارع بنغازي الرئيسية سترون رجلا حافي القدمين ملتحيا طويل القامة. تعرفون انه هاني العريس وليته لم يخرج من منزله نهار الاربعاء."

في "اختراعات مميتة" يصل الكاتب على رغم اعجابه بالعلم الى القول "ما أصعب هذا العالم في ظل اختراعات مميتة. صغر العالم وكبرت المشاكل واستطاع غول المادة ان يبتلع العالم ويسيطر."

ولعل قصة "الحاجة دوت كوم" التي يقول خروبي انها واقعية تشكل نموذجا لكثير من اراء الكاتب. انها امرأة عجوز "قلبت فيها كل مقاييس الاخرة وراحت تضرب عرض الحائط كل ما كان من ادعية الاستغفار والقلق والخوف من الموت ويوم الحشر. انها اليوم كما وصفت العجوز الالكترونية المجنونة.

"مجنونة لان دعاءها اختلف عن بقية القطيع وهذا بعض منه .. 'بارك الله نوكيا صانع جهاز الخلوي الذي اتاح لي فرصة التحدث مع اولادي المغتربين في استراليا وافريقيا وامريكا. اتحدث اليهم وانا في فراشي ...قل امين يا حاج. ويخبط زوجها على رأسه وجلا.

"اللهم بارك السيد سوني الذي اضاء بيوتنا بشاشات التلفزيون الملونة وفتح العالم امامنا وجمع العائلة حول فضائيات هذا الكون الرحب... شكرا و الف شكر (للمولينكس) التي بضربة واحدة تجهز اللحمة ..

"يا رب ... احفظ لنا اصحاب شركات السيارات ... شكرا والف شكر على اختراع الطائرة. اللهم احفظ واستر على الذين سمحوا لنا بالسفر على متن طائراتهم و احالوا الحمير والجمال و البغال على التقاعد اللهم بارك من ساهم وعاون وتعاون في ايجاد شفرات الحلاقة و معجون الاسنان...

"الله يبارك الشركات الصينية المنتجة لعباءاتنا الخليجية والبحرينية والاسلامية. بارك الله في انجلترا التي تنتج لنا كي ننعم بحياة افضل. بارك الله ايضا وايضا في السيد توشيبا والسيدة هيونداي... ا لحمدلله اجد نفسي في الجنة رغم انني موجودة في هذه الدنيا ا لفانية. وانا العجوز التي عندما تنام تحضر الة التسجيل اليابانية لتنام نوما هادئا.'"

ونامت "الحاجة دوت كوم كما يسمونها على حرير الصين وخزف اليابان والكترونياتها ولم تنس ان تقرأ الفاتحة عن روح عالمنا العربي الميت."

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 28/شباط/2012 - 5/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م