المواطن وعائدات النفط

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: موازنة عام 2012 أُقرِّت من لدن مجلس النواب مؤخرا، وهي الموازنة الأكبر في تأريخ العراق، ولسنا هنا بصدد بحث الغث من السمين مما ورد فيها، لكننا سوف نناقش بتأنٍّ وروية المقترح الذي تبنتهُ كتلة الاحرار، والذي يتعلق بتخصيص نسبة معينة من عائدات النفط يتم توزيعها على المواطنين مباشرة كأموال نقدية، باعتبار أن هذه الثروات تعود الى المواطنين فعلا، وهو أمر لا يختلف عليه أحد، لكن الكلام والاتفاق عليه شيء، وتطبيقه عمليا شيء آخر تماما، بمعنى أننا جميعا نتطلع فعلا الى إنصاف المواطن العراقي، لاسيما تلك الشرائح الكبيرة التي لا تزال تعاني من سوء صرف الاموال العراقية الكبيرة، بسبب سوء التخطيط والتنفيذ، وسوء ادارة هذه الاموال بما يعود بالفائدة على المواطن.

وحتى لا نقع في فخ التضخّم، لابد أن نسجل ملاحظات اقتصادية بحتة على مقترح كتلة الاحرار، نحن معه بطبيعة الحال، كونه يحاول أن ينصف الشرائح الفقيرة من المجتمع، ولكن لابد أن نأخذ بعين الاعتبار الاضرار التي ستلحق بالفقراء أنفسهم، بسبب التطبيق الاقتصادي الخاطئ لهذا المقترح، فالاموال النقدية حين تُصرف على شكل نقود للمواطنين، ستذهب الى جيوب معروفة كانت قد غصّت مسبقاً بأموال العراقيين، بمعنى أن معظم هذه الاموال ستنزل الى السوق مباشرة، وتذهب الى شركات او جهات او تجار يتقنون كيفية (التقفيص) على أموال المواطنين، بطرق تنطوي على الكثير من المراوغة وعدم الانصاف، وأبسطها وأشدها وضوحا إغراق السوق العراقية بسلع ومواد غير صالحة، او رديئة الاستعمال، أو مزيفة، أو تقارب صلاحيتها على النفاذ، بالاضافة الى أن صرفها في الاسواق، سيؤدي الى رفع درجة التضخم والغلاء بنسب واضحة، وبهذا يكون المتضرر الاول هو المواطن نفسه، في حين يكون التاجر هو الرابح الاول، وبهذا فإننا نكون قد أسأنا للاقتصاد الوطني، من دون أن نقصد، وألقينا عليه بتبعات الخطوات الاجرائية غير المحسوبة في هذا المجال.

لذا نحن ندعو الى أن لا تصرف هذه الاموال مباشرة الى المواطن، بل يُستحسَن أن تدخل ضمن مشروع استثماري كبير، من خلال تأسيس صندوق مالي يحتوي هذه الاموال، التي سيتم استثمارها في مشاريع ربحية داخل وخارج العراق، على أن تكون هناك أسهم مالية متساوية لكل مواطن في هذا الصندوق، وعندما تتحقق الأرباح، وهو أمر متوقّع، يمكن أن يتم توزيعها بالتساوي على المواطنين، نحن نعرف أن تطبيق مشاريع كهذه تتطلب جهودا كبيرة ومخلصة وقبل ذلك متخصصة، ولها خبرة علمية وعملية في القيام بمثل هذه المشاريع، ولا يمكن لجهات فردية، أن تشرف او تقوم بتأسيس وتشغيل مشاريع من هذا النوع.

بمعنى لابد للدولة أو الجهات المختصة، او المعنيين بهذا المقترح، أن يتنبّهوا جيدا الى إمكانية تحويل هذه الاموال، الى مشاريع ناجحة تعود بأرباحها على المواطن فعليا، على العكس مما لو تم صرفها للمواطن الذي يعاني من الفقر والحاجة، فيذهب بها الى السوق مباشرة، ويصرفها مقابل حاجات او سلع رديئة لا تلبي تطلعاته، وبهذا يكون قد أسهم برفع نسبة التضخم والغلاء، والإضرار بالاقتصاد الوطني، بدلا من تحقيق النتائج المعيشية والاقتصادية الجيدة.

إذن مقترح كتلة الاحرار جيد، وإقراره في مجلس النواب جيد أيضا، ولكي يستمر الاقتراح في نتائجه الجيدة، لابد أن لا يثقل كاهل المواطن، بدلا من تحسين حياته، وهذا الامر يتطلب جهدا اقتصاديا علميا متخصصا، وليس من الصعب على اصحاب المقترح او غيرهم من المختصين، أن يشرفوا على هذه الاموال، ليتم استثمارها بالطرق الاقتصادية الصحيحة، من خلال الاستفادة من خبراء معنيين بهذا الجانب.

أما أن يكون المواطن جسرا لتضخيم جيوب وحسابات التجار والشركات، من خلال شرائه للسلع الرديئة والمزيفة التي تضج فيها الأسواق العراقية، فتلك إساءة في استخدام هذه الاموال، تنطوي على أضرار أكيدة ينبغي تلافيها، من خلال تحقيق الهدف الحقيقي من هذا المقترح، والذي يهدف الى رفع القدرة الشرائية للمواطن، وليس لرفع نسبة التضخّم والغلاء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 26/شباط/2012 - 3/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م