ربيع العرب واليوم العالمي للعدالة الاجتماعية

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: ترتفع الكثير من الأصوات في نقد الربيع العربي، وهو ما أصطلح على تسمية التغييرات السياسية التي حدثت في عدد من الدول العربية والتي جاءت نتيجة لحراك اجتماعي ضد الظلم واللامساواة الذي طبع مسيرة البلدان العربية منذ عقود طويلة.

غسان بن جدو، الإعلامي في فضائية الجزيرة القطرية عاب على ذلك الربيع عدم وجود القيادات المفكرة التي تضبط ايقاع الجماهير المنتفضة وعدم تقديم رؤية اجتماعية واقتصادية لما ستؤول اليه الاوضاع في بلدان التغيير.

وانتقد الشاعر السوري أدونيس الثورة السورية والربيع العربي، مندداً بلجوء المعارضة إلى الغرب لدعمها، وتساءل الشاعر السوري المقيم خارج بلاده خلال مقابلة مع مجلة (بروفايل) النمساوية عن كيفية بناء أسس دولة بمساعدة الأشخاص أنفسهم الذين استعمروا البلد، في إشارة إلى الانتداب الفرنسي على سوريا.

لا يهمنا في هذه السطور الجانب السياسي من ذلك النقد الموجه الى الربيع العربي بل نجد انفسنا مهتمين بالجانب الاجتماعي والاقتصادي الذي كان السبب في هذا الحراك طيلة السنة الماضية والذي افرز الكثير من النتائج غير المتوقعة.

تثور الشعوب عادة ضد الظلم ولغرض تحسين اوضاعها والمطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية لافرادها.. حتى الان لاشيء في افق الحرمان العربي، فالظلم لازال موجودا، والتفرقة على اساس الجنس او العرق لازالت موجودة، والحريات لازالت تتلمس طريقا لها للظهور مثل حرية التعبير وغيرها من حريات شخصية.

يتصادف ذلك مع الاحتفال باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية والذي يصادف في العشرين من شهر فبراير من كل عام، وهو ما اقترحته الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي لا تقصر العدالة الاجتماعية على تحقيق التنمية الاجتماعية وتكافؤ الفرص للفئات المهمشة والمحرومة، بل تشترط أن يسود السلام والأمن واحترام حقوق الإنسان وتحقيق الحريات الأساسية لبلوغ التنمية الاجتماعية، وبالتالي العدالة الاجتماعية إنها مهمة أقل ما يقال فيها إنها عسيرة وصعبة في عالم تفتقد الغالبية العظمى من سكانه لتلك الشروط مجتمعة.

ان الفقر والاستعباد وغياب المساواة داخل المجتمعات البشرية وفيما بينها، تمثل كوابح كأْداء أمام تحقيق السلم والأمن والحريات الأساسية.

ففي العالم العربي، وداخل مجتمعاتنا نكتشف أن العدالة الاجتماعية بقيت إلى يومنا هذا حلما صعب المنال، وعلة العلل في مجتمعاتنا هي أن غالبية السكان معطلة، أمية، مهمشة ومضطهدة.

فالنساء مثلا واللاتي يشكلن نصف المجتمع مهمشات ونسبة الأمية في صفوفهن عالية جدا تصل في المغرب إلى 70 في المائة، والأقليات في غالبية دولنا مضطهدة، وبعض السكان الأصليين محرومون في وطنهم من حقوقهم المدنية.. وجميع هؤلاء ومعهم بقية السكان، يعانون من اختلال التوازن ما بين حقوقهم وواجباتهم الوطنية، وهم في أفضل الأحوال رعايا وليسوا مواطنين.

وتتعدد السلطات القامعة في بلداننا وأكثرها فعالية سلطة الدولة.. ولن تتحقق العدالة الاجتماعية التي تحلم بها البشرية من دون تحويل العباد من رعايا إلى مواطنين. وهنا علينا أن نستفيد من التجربة الغربية، فمنذ أكثر من قرنين جرى الفصل ما بين الدين والدولة عندما نص التعديل الأول لدستور الولايات المتحدة العام 1791 على محاذير عدة منها: «لا يجوز للكونجرس أن يسن قانوناً يتعلق بإنشاء دين للدولة، أو منع ممارسته بحرية؛ أو يحدّ من حرية التعبير، أو الصحافة؛ أو حق الناس بالتجمع بسلام...».

وفي العام 1793 تحول الرعايا الفرنسيون إلى مواطنين عندما صدر دستور السنة الأولى للجمهورية الفرنسية مستخدما بنحو واسع مصطلح المواطن ومذكراً بحقوقه، فقد عرف الدستور في مادته الرابعة الذين يتمتعون بالمواطنة الكاملة في فرنسا هم: كل رجل ولد أو أقام في فرنسا وعمره 21 عاما.. وكل أجنبي بلغ عمره 21 سنة وأقام في فرنسا مدة عام واحد، ويعيش من إيراد عمله، أو أنه متزوج بفرنسية أو تبنى طفلا، أو يرعى كهلا.

في دورتها الثانية والستين المنعقدة في تشرين الثاني/نوفمبر 2007، قررت الجمعية العامة للامم المتحدة تحديد يوم 20/ شباط/ 2009 يوماً عالمياً للعدالة الاجتماعية. ودعيت الدول الأعضاء إلى تكريس هذا اليوم الخاص لتشجيع أنشطة وطنية محددة وفقاً لأهداف وغايات مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية والدورة الرابعة والعشرين للجمعية العامة، المعنونة: (مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية وتحقيق التنمية الاجتماعية للجميع في ظل عالم العولمة).

وقد وجه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون رسالة في اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية قال فيها: (لقد هبت رياح التغيير فاجتاحت العالم بأسره على مدار السنة الماضية. وجاهر ملايين المواطنين بسخطهم على الأوضاع السائدة بشأن مواضيع متشابهة، هي اللامساواة والفساد والقمع وانعدام فرص العمل اللائق. فهذه التعبئة الحاشدة إنما هي في جوهرها نداء من أجل إعمال العدالة الاجتماعية).

وتابع (يرتبط تحقيق العدالة الاجتماعية للجميع ارتباطا عضويا ببلوغ الأهداف الإنمائية المتفق عليها، التي تبلورت في مؤتمر القمة الاجتماعي في كوبنهاغن، ومؤتمر القمة للألفية، وغيرهما من المنتديات. وإذ نرنو إلى مؤتمر ريو + 20 المعني بالتنمية المستدامة الذي بات على الأبواب، فإن لدينا فرصة سانحة لإعادة التفكير في الاستراتيجيات الإنمائية والممارسات التجارية لكي ترشدنا إلى السبيل المؤدي إلى مستقبل أكثر استدامة وإنصافا).

واضاف، (الاستدامة ترتهن بإنشاء أسواق توزع ثمار التنمية بشكل أفضل. فهي تعني تلبية طلبات المستهلكين المتزايدة على منتجات وخدمات أكثر مراعاة للبيئة. ومن مدلولاتها أيضا إرساء الأسس لصون الكرامة وحفظ الاستقرار وإتاحة الفرص للجميع. وفي غمرة الجهود المبذولة لإجراء هذا التحول، لا مناص من إدراج عنصر الإدماج الاجتماعي في صميم سياساتنا وجهودنا الأخرى).

وختم (علينا إذا أن نعمل يدا بيد لتحقيق التوازن على صعيد الاقتصاد العالمي، ولإبرام عقد اجتماعي جديد للقرن الحادي والعشرين.علينا أن نشق طريقا إنمائيا يفضي إلى مزيد من العدالة الاجتماعية ويكفل تحقيق المستقبل الذي نطمح إليه).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 20/شباط/2012 - 27/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م