يعاني آلاف العراقيين أمراضًا نفسية، معظمها نتيجة الحروب وسنوات
الاقتتال الطائفي ومشاهد العنف، وضلوع المرضى في أحداث ولّدت لديهم
حالات، يرفض كثيرون منهم الاعتراف بوجودها، ويعزفون عن معالجتها بسبب
ثقافة العيب إلا ان اغلب أمراضهم العقلية والنفسية ناجمة من تأثيرات
الحروب.
ان أول إحصاء علمي اجري للأمراض النفسية في العراق تم عام 2006
بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، حيث أشارت النتائج إلى أن نسبة
الأمراض النفسية في البلاد بلغت 18،6 بالمائة فاذا احتسبنا عدد نفوس
العراقيين (32 مليونا) فان نسبة المصابين بالأمراض النفسية (سته ملايين)
ولو اخذنا المصابين منهم بـ (بفصام العقل) وهم حسب النسب العالمية 0،85
بالمائة فسيكون رقما مفزعا (ثلاثمائة الف مريض بفصام العقل).
هذا فضلا عن ان مالايقل عن 40% من المراجعين للمستشفيات والمراكز
الصحية والعيادات الخاصة هم بالأساس يعانون من مرض نفسي لايرغبون
بالبوح به او يظهر على شكل اعراض جسمانية متعددة عد عن مرتادي العلاج
الشعبي بالاساليب الروحانية والطقوس الدينية والسحر وغيرها.
ولا يمتلك العراق، الذي شهد ثلاث حروب مدمرة خلال العقود الأخيرة
أسفرت عن أمراض اجتماعية ونفسية متنوعة، لكن لاتزال الحاجة كبيرة
للخدمات النفسية بالرغم من وجود ثلاث مستشفيات نفسية (الرشاد وابن رشد
في بغداد وسوز في السليمانية وازدياد عدد الوحدات النفسية الى 36 وحدة
في انحاء العراق) كما أن عدد الأطباء النفسانيين في العراق هو اقل من
العدد المطلوب عالميا في أي بلد حيث لم يتبق في العراق سوى 80 طبيبا
نفسانيا بعد 2003 وقد تعافى العدد الان ليصل الى 200 طبيب حاليا (اي
طبيب واحد لكل 150000 نسمة) وهم لا يكفون لتخفيف آلام العراقيين وما
بعد تجرعوه من ويلات الحرب.
العلاقة بين الفصام العقلي أو "الشيزوفرينيا" والجريمة ليست بذلك
الوضوح الذي يمكن تصوره. هذه العلاقة معقدة بيدَ أنه يمكن فحصها
بطريقتين، الأولى بالنظر إلى الجريمة والمجرمين، وسبر أغوار الأدلة
التي تربط العلاقة بين أنواع محددة من الجرائم وبعض الشرائح من
المجرمين، وثانياً بالبحث عن ماهية أوجه الأعراض الخاصة أو الخلل
العقلي الذي يمكن أن يؤدي بالفرد إلى الجنوح تجاه السلوك الإجرامي.
هنالك العديد من التعريفات التي تطرقت إلى أعراض الفصام العقلي لكن
عامة الناس والإعلام يخلطون بين أعراض الفصام وأعراض العديد من الأمراض
العقلية الأخرى وبايجاز مبسط عن الفصام هو مرض يصيب العقل في وظيفته.
تتميز هجمة المرض بحدوث أعراض إيجابية (هلاوس سمعية بشكل أساسي،
ضلالات أي معتقدات خاطئة لكنها راسخة، اضطراب في التفكير والكلام،
اضطراب في السلوك كأن يقوم بحركات متكررة وبدون هدف أو يتخذ وضعية
معينة) أو أعراض سلبية وخاصة الشكوى من الناس أنهم يتآمرون عليه أو
يكرهونه ويكيدون له المكائد.
يصيب الفصام جميع المجتمعات بنسب تقريباً متساوية بغض النظر عن
اللون أو العرق أو الدين أو الثقافة هناك مريض بالفصام بين كل مائة شخص
يعيشون بيننا ويصيب المرض النساء والرجال بشكل متساوي، أما عن انواع
الجرائم التي يرتكبها هؤلاء المرضي فلا يوجد بالنسبة لهم أنواع محددة،
ويمكن نلاحظ عادة ارتفاع درجة العدوانية والاندفاعية عندهم مما يزيد من
حالات التعدي والضرب وإحداث العاهات أو القتل.
رغم صدور قانون الصحة النفسية العراقي رقم 1 لسنة 2005 الذي بهدف
تامين رعاية مناسبة للمصابين بالاضطرابات النفسية والتخفيف من معاناتهم
ومعالجتهم في وحدات علاجية متخصصة تتوافر فيها الشروط الملائمة بما
يضمن تنظيم مكوثهم في الوحدات العلاجية المغلقة تحت الاشراف الطبي
والقضائي ويؤمن حقوقهم الانسانية والاجتماعية ضمن برنامج علاجي تأهيلي
منظم يسعى الى شفائهم وحماية المجتمع من خطورتهم وتنظيم العلاقة بين
اللجان الطبية النفسية العدلية ذات الاختصاص الفني وبين الجهات العدلية
المختصة الا انه اهتم بالمتهمين المرضى ولم يتطرق الى المشتكين وخطورة
البعض منهم.
يظـهر مما تقدم، مدى إمـكانية التعاون والتـلاقي بين القانـون
والطـب في مجال الأمراض النفسية والعقلية والمشكلات الواقعة بين
الجانبين بالرغـم من الموقـف التقليدي بين القانـون كأداة عقابية، وبين
الطـب كأداة علاجية، ويـأتي هذا التعاون والـتلاقي نتيجة تفهم الجانبين
القانوني والطبي، بأن مهمتها، حتى ولو اختلفت في الظـاهر، فإنها مهمة
إصلاحية ووقائـية ليس للـفرد وحده وإنمـا للمجتمع بشكل عام.
من خلال نشر إحصائيات النشاط السنوي للسلطة القضائية (المجلس الأعلى
للقضاء) لعام 2010، ومنها أن المحاكم العراقية قررت غلق(48689) قضية
بسبب عدم كفاية الأدلة، و36099 قضية بسبب عدم وجود جريمة، و46929 قضية
بسبب مجهولية الفاعل، كما أغلقت 95578 قضية بسبب وقوع الحادث قضاءً
وقدراً، و56674 قضية بعد حدوث صلح بين الأطراف المتنازعة، وصرّح الناطق
باسم المجلس القاضي عبد الستار بيرقدار لـ «الحياة»: «إن وجود أعداد
كبيرة من القضايا التي أغلقت لعدم وجود جريمة، وإن أغلب هذه القضايا
دعاوى كيدية تنتهي بعدم وجود جريمة وعدم صحة الإخبار»، وللقارئ أن
يُقدر حجم الجهد القضائي عن الدعاوى الكيدية الذي يتحمله القضاء، وفي
تقديري انها كارثة تحتاج الى وقفه وطنية، حيث إنَّ ماتسمى بـ
«الكيديات» التي يراد منها النيل من بعض الأشخاص، تضع المجتمع أمام محك
حقيقي لمستوى تقدير الحرية داخله، ومدى قوة المؤسسات، فعدد الشكاوى
المحالة على مجلس القضاء الأعلى كما مشار إليها أعلاه، بهذا الشأن تدق
ناقوس الخطر.
خاصة أنه في حالات معينة تستعمل «الكيديات» لتصفية الحسابات أو
الانتقام، الغاية من وجودها لتصبح وسيلة ضغط من المخبر أو محاولة
للانتقام، وهو ما يفسر بكثرة تلك الشكاوى التي تكون الغاية منها خلق
نوع من البلبلة أو الإضرار بشخص معين، ولاشك أن المتضرر الأول من تلفيق
هذه الخصومات التافهة هو القضاء، لأنها تهدر وقت قضاة المحاكم وتستنزف
طاقتهم وقدراتهم في ما لايخدم تحقيق العدالة.
1. ان تكرار تسجيل الدعاوى من قبل مخبر او مشتكي(الدائم التردد على
المحاكم او مراكز الشرطة) مستهدفا النيل من شخص ما ضرورة اتخاذ قاضي
التحقيق اجراء غير تقليدي تحقيقا للعدالة.
فالقاضي العراقي من خلال التحقيق والتدقيق وما يملكه من خبرات
ملاحظة الشكاوى الكيدية والاخبارات الكاذبة وان يربط الوقائع فيما
بينها ويبحث في دوافع الاخبار وشخصية المخبر وثقافته وعمره وعلاقته
بالمجني عليهم والمتهمين وفيما اذا كانت هناك قرابة او خصومة بينه
وبينهم بعرض المشتكي على لجنة طبية لفحص قدراته فيما اذا مصاب بمرض
عقلي او نفسي من عدمه لاسيما ان الاحصائيات المشار اليها انفا تثير
المخاوف من التصرفات الجنونية لهؤلاء المرضى وخصوصا مرضى الفصام.
والهدف حماية حقوق الافراد من كل انواع التعسف والتعدي بتفادي الدعاوى
الكيدية لان البعض (اصبحت لديه مهنه بفنون اقامة الدعاوى الكيدية).
2. يستدعي الأمر الوقوف بجدية لتبني سياسة ترشيد التوقيف، ويتطلب
التريث من قبل قاضي التحقيق باستعمال حقه بالتوقيف في مثل هذه الحالات،
وعموما يبدو أن ظاهرة التقاضي بسوء نية ساهمت في اكتظاظ المؤسسات
الإصلاحية، بالنظر إلى أن فئة لا يستهان بها من الموقوفين على ذمة
التحقيق و توبعوا بدعاوى كيديه أخرى من طرف خصومهم.
ان المواد (،110،111،109)من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23
لسنه 1971 اجازت لقاضي التحقيق اطلاق السراح بكفالة بجميع الجرائم
باستثناء الجرائم التي عقوبتها الاعدام ان العدالة تتطلب اطلاق سراح
المتهمين بهذه الجرائم بكفالة.
3. ان التشريعات يجب ان تواكب التغيرات فالقانون هو وليد الحاجة
الانسانية لذا فأن هذه التشريعات تصدر وتعدل بسبب حاجات انسانية ملحة
تكون سبباً لإصدارها او تعديلها ولكن تشريع النصوص العقابية او تشديدها
كحل للوقوف بوجه أي ظاهرة سلبية لا يكون كافياً ما لم تسندها وتعضدها
تشريعات تنص على تطوير الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي في البلد من
خلال دراسة وتدقيق النصوص الحالية وتقييمها ومن ثم تشريع او تعديل
القوانين العقابية او الاجرائية للتقاضي بما يفوت الفرصة على مقدمي مثل
هذه الاخبارات الكاذبة وسد الثغرات الموجودة فيها معالجه التقص
التشريعي حيث يخلو التشريع العراقي من نص بجواز التأكد من اهليه
المشتكي وتقدير مسؤوليته حيث ان اي مجنون او مصاب بعاهة عقليه او نفسية
يحق له اقامه الشكوى في حين هناك تشريعات متوائمه مع العصر اخذت هذا
الموضوع بالحسبان لاسيما ان الاحصاءات المشار اليها انفا تجعل العدالة
موضع الشك لان مرضى الفصام بالعراق بتزايد.
* العراق-بغداد
riadhbahar@yahoo.com |