العنوان ودلالاته في حياتنا

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: أين يقع المكان الفلاني؟ والى اين يصل بنا هذا الطريق؟ اي كتاب تقرأه الان؟ او اي الكتب التي قرأتها سابقا واثرت فيك؟ الى اين نرسل لك هذه الرسالة؟ وغيرها كثير من الاسئلة التي تستبطن اجاباتها عناوين كثيرة تنتهي اليها تلك الاسئلة.

كثيرا ما تغيرت اسماء المدن الكبيرة منها والصغيرة تبعا لتغير احوالها حكاما ومحكومين، انتصارات او هزائم، خراب بفعل الطبيعة او دمار بفعل الانسان.. وكثيرا ما تغيرت اسماء الشوارع في المدن، الا ان أماكنها باقية لا تزول بفعل بقاء العنوان الدال على وجودها.

عراقيا وعلى سبيل المثال، الصرايف كانت عنوان المهمشين والمهاجرين من مدنهم الجنوبية في الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم واستقروا شرق السدة في ما عرف لاحقا بمدينة الثورة تيمنا بثورة 14 تموز عام 1958 وتوزيع قطع الاراضي التي قام بها عبد الكريم قاسم على الساكنين هناك.. ليصبح اسمها بعد عقود مدينة صدام الذي اثر ان تحمل الكثير من المدن والشوارع والمدارس والمستشفيات اسمه دلالة على جنون العظمة والتفرد.. ثم ليتغير اسم تلك المدينة الى (مدينة الصدر المنورة) تيمنا باسم المرجع الديني الذي اغتاله صدام حسين مع اثنين من ابنائه وللغالبية العظمة من اتباع هذا المرجع وولده المتبقي على قيد الحياة مقتدى الصدر... خلال اربعة عقود تغير اسم المكان الى ثلاث مرات، الا ان موقعها بقي شرق السدة رغم الاتساع الذي حدث فيها وامتدادها الى امتار كثيرة من مناطق مجاورة لها.

على صعيد الكتب والصحف، ترى ماهي دلالات العنوان؟

يشكل العنوان في الكثير من المرات حافزاً لشراء الكتاب او لقراءة الموضوع في الصحافة الورقية أو الإلكترونية، بحيث يصبح العنوان مفتاح الرغبة في القراءة أو الإطلاع على فحوى الموضوع على أقل تقدير، غير أن العنوان، وفي كافة الأحوال، يحمل في طرحه قيمة مضافة لأي مادة صحافية، وهو ما يعمل عليه الكثير من المبدعين والصحفيين، بحيث يتحول العنوان في حقيقة الأمر، إلى فخ يلتقط حاسة البصر للوصول إلى البصيرة، وهي هدف يأمل أي كاتب الوصول إليه.، كما يعبر عن ذلك احد الكتاب.

أولت السيميائيات أهمية كبرى للعنوان، وذلك باعتباره مصطلحا إجرائيا ناجحا في مقاربة النص الأدبي، ونظرا لكونه مفتاحا أساسيا، يتسلح به المحلل للولوج إلى أغوار النص العميقة، وذلك بغية استنطاقها وتأويلها.

وبالتالي، يستطيع العنوان أن يقوم بتفكيك النص من أجل تركيبه، وذلك عبر استكناه بنياته الدلالية والرمزية، وأن يضيء لنا، في بداية الأمر، ما أشكل من النص و غمض. فالعنوان- إذاً- هو مفتاح تقني يجس به السيميولوجي نبض النص، و يقيس به تجاعيده، ويستكشف ترسباته البنيوية وتضاريسه التركيبية، وذلك على المستويين: الدلالي و الرمزي.

والسيميائيات (بالإنجليزية: Semiotics) او السيميوطيقا علم يدرس أنساق العلامات والأدلة والرموز، سواء أكانت طبيعية أم صناعية. وتُعدّ اللسانيات جزءا من السيميائيات التي تدرس العلامات أو الأدلة اللغوية وغير اللغوية، في حين أن اللسانيات لا تدرس سوى الأدلة أو العلامات اللغوية.

ومن الروّاد المُؤسِّسين لهذا العلم، هناك فرديناند دي سوسير وشارل ساندرز پيرس، كما أن من أبرز من ساهموا في السيميائيات هناك كل من فلاديمير پروپ ولويس خورخي پرييتو وأومبيرتو إكو وألخيرداس جوليان غريماس وتشارلز موريس ورولان بارت وتوماس سيبوك.

وإذا كان مصطلح السيميولوجيا يرتبط بالفرنسيين وبكل ماهو نظري وبفلسفة الرموز وعلم العلامات والأشكال في صيغتها التصورية العامة، فإن كلمة السيميوطيقا الأمريكية Sémiotique قد حصرها العلماء في ماهو نصي وتطبيقي وتحليلي.

ومن هنا يمكن الحديث عن سيميوطيقا المسرح وسيميوطيقا الشعر وسيميوطيقا السينما. وعندما نريد الحديث عن العلامات علميا أو نظريا أو تصوريا نستخدم كلمة السيميولوجيا Sémiologie.

لقد أحس جيرار جنيت بصعوبة كبيرة، حينما أراد تعريف العنوان، نظرا لتركيبته المعقدة والعويصة عن التنظير، وفي هذا الإطار يقول جيرار جنيت:(ربما كان التعريف نفسه للعنوان يطرح أكثر من أي عنصر آخر للنص الموازي، بعض القضايا، ويتطلب مجهودا في التحليل، ذلك أن الجهاز العنواني، كما نعرفه منذ النهضة هو في الغالب مجموعة شبه مركبة، أكثر من كونها عنصرا حقيقيا، وذات تركيبية لا تمس بالضبط طولها).

وعلى أي حال، فالعنوان هو الذي يسم النص، ويعينه، ويصفه، ويثبته، ويؤكده، ويعلن مشروعيته القرائية، وهو الذي يحقق للنص كذلك اتساقة وانسجامه وتشاكله، ويزيل عنه كل غموض وإبهام.

يمكننا الحديث عن أنواع عدة من العناوين، كالعنوان الخارجي الذي يتربع فوق صفحة الغلاف الأمامي للكتاب أو العمل أو المؤلف، مشبعا بتسمية بارزة خطا وكتابة وتلوينا ودلالة، سواء أكانت هذه الدلالة حرفية تعيينية أم مجازية قائمة على التضمين و الإيحاء.

وغالبا ما يكون هذا العنوان مجاورا لعتبة المؤلف، وبجانبه العنوان الأيقوني البصري في شكل لوحة تشكيلية أو صورة مشهدية أو أيقونة سيميائية قائمة على الترميز والتدليل.

يؤدي العنوان الخارجي إلى جانب العنوان البصري عدة وظائف سيميائية:

1- وظيفة التعيين والتسمية.

2- وظيفة الوصف والشرح.

3- وظيفة الإغراء والإغواء.

4- الوظيفة الإعلانية، وذلك بجذب فضول المتلقي لشراء العمل، والإقبال عليه قراءة وإنتاجا، والوظيفة الدلالية التي تتمثل في أن العنوان يلخص مضمون النص أو العمل المعروض بشكل موسع أو مختزل.

ويوجد تحت العنوان الغلافي الخارجي ما يسمى بالعنوان التعييني أو التجنيسي، والذي يحدد جنس العمل الأدبي بمجموعة من التوصيفات النقدية التي تندرج ضمن نظرية الأدب، مثل: شعر، رواية، نقد، قصة قصيرة، رحلة…إلخ. وحينما ندخل إلى أغوار العمل، يمكن الحديث عن عناوين أخرى كالعنوان الأساس الذي يكون على رأس قصيدة شعرية أو فصل من الرواية أو مشهد مسرحي أو قسم من الدراسة النقدي.

ونجد أيضا العنوان الداخلي الذي يتفرع عن العنوان الأساس، والعنوان المقطعي الذي يميز بين المقاطع والفقرات والمتواليات النصية، بل قد نجد كذلك ضمن النصوص الشعرية المعاصرة أو النصوص الشذرية ما يسمى بالعنوان الشذري. زد على ذلك، قد نلفي عناوين أخرى في مجال الأبحاث والدراسات الوصفية كعناوين الأقسام والفصول والمباحث، إلى جانب العنوان الفهرسي المرتبط بفهرسة العمل بشكل منظم ومنهجي، يحدد محتويات العمل، ويبرز مضامينه الداخلية. كما يتم الحديث أيضا عن العنوان الموضوعاتي الذي يحدد تيمة النص أو العمل، ويرصد بنيته التشاكلية والمعجمية، وذلك بموازاة مع العنوان الإخباري، وخاصة في مجال الإعلام والتواصل.

أن البحث في العتبات والنص الموازي قديم العهد، حيث ارتبط بظهور الكتاب ونشره وتوزيعه. لذا، نجد مجموعة من الكتب التراثية العربية قد اهتمت بالعتبات، ككتب النقد والبلاغة وعلوم القرآن، ككتاب: (الإتقان في علوم القرآن) للسيوطي، وكتاب(البرهان في علوم القرآن) للزركشي، وكتاب: (الخواطر السوانح في أسرار الفواتح)، و(تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر)، و(إعجاز القرآن) لابن أبي أصبع، واللائحة طويلة من المصنفات والمؤلفات التراثية التي تناولت العتبات الموازية بالشرح والدرس والمعالجة.

ولقد تم دراسة العنوان على ضوء مقاربات ومناهج نقدية مختلفة ومتنوعة، فيها المقاربة الشعرية، والمقاربة التاريخية، والمقاربة الفنية، والمقاربة السوسيولوجية، والمقاربة النفسية، والمقاربة اللسانية، والمقاربة البنيوية، والمقاربة السيميولوجية، ومقاربة التلقي، والمقاربة التأويلية، والمقاربة الأسلوبية، والمقاربة النصية، والمقاربة الموضوعاتية، والمقاربة الفلسفية، والمقاربة البلاغية.

وعليه، ثمة مجموعة من الدراسات التي اهتمت بالعنونة في الغرب، ومنها دراسة هلين (الكتب وعناوينها)، سنة 1956م، ودراسة تيودور أدورنو (العناوين) 1962م، ودراسة كريستيان مونسولي (بحث حول العنوان في الأدب والفنون) سنة 1972م، ودراسة ليو هويك (من أجل دراسة سيميائية للعنوان)، وذلك سنة 1973م ؛ ودراسة شارل كريفيل (إنتاج الفائدة الروائية) سنة 1973م.

هذا، ويعد كلود دوشيه من الدارسين الغربيين الأوائل الذين اهتموا بالبحث في مجال العنوان تنظيرا وتصورا، ففتح باب العنونة على مصراعيه، وذلك في كتابة )الفتاة المتخلى عنها والوحش البشري، عناصر العنونة الروائية(، وذلك سنة 1973م.

وبعده، جاء جان مولينو بدراسته:)حول عناوين جان بروس) سنة 1974م، وهاري ليفين في دراسته: (العنوان باعتباره جنسا أدبيا) سنة1977م، وليفنستون في (دلالة العنوان في الشعر الغنائي) سنة 1978م، وهنري ميتران (عناوين روايات كوي دي كار) سنة 1979م، وري دوبوف جوزيت في: (بحث حول تصنيف سيميوطيقي لعناوين المؤلفات) سنة 1979م، ويكتب ليو هويك مرة أخرى دراسة قيمة تحت عنوان:(علامة العنوان) سنة 1981م.

في الصحافة تبرز اهمية العنوان بصورة كبيرة لجذب القاريء ولانها تصدر يوميا وفيها الكثير من الاخبار والتقارير والتحقيقات وزوايا اخرى، تحتاج الى اثارة القاريء لاقتنائها ولرفع رصيد مبيعات تلك الصحف.

ويعتبر العنوان الصحفي جزءًا هامًا في الكتابة الصحفية، بل يمكن القول أنه نصفها. وكل صحفي له طريقته الخاصة في كتابته، فإذا كان البعض يكتبه هو الأول وبعدها يشرع في سرد الخبر، نجد البعض الآخر يترك العنوان إلى النهاية. لكن سواء كتب في البداية أو في الأخير، فيجب أن يكون العنوان جذابًا مثيرًا يجلب القارئ لمعرفة تفاصيل الخبر.

ولكي يكون العنوان مثيرًا وجذابًا،على الصحفي الالتزام ببعض الشروط أهمها:

* أن يكون العنوان مركزا خالٍ من كلمات إضافية التي لا تأثير لها؛

* أن يعكس العنوان محتوى الموضوع بل أن يكون متطابقًا معه؛

* أن تكون كلماته مختصرة ومركزة مثلا: كتبية تبند أبا عاصم النبيل عنوان مركز وجميل.

* ضرورة الابتعاد عن الكلمات المعقدة والجملة الطويلة التي لا تفيد بل تشتت ذهن القارئ فقط.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 19/شباط/2012 - 26/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م