كانت الرؤى والأفكار التي تطرحها الدكتورة ابتهال الزيدي في المحافل
الوطنية والدولية بشأن رؤيتها لمستقبل المرأة العراقية، والانجازات
والمشروعات التي حققتها فترة توليها منصب وزير الدولة لشؤون المرأة هي
التي أثارت حفيظة تلك الشخصيات والمؤسسات النسوية الداعية إلى الانحلال
والتفسخ المجتمعي تحت يافطة (الحرية الشخصية) والتي هي - بلا شك - حرية
مقدسة في حدودها الإنسانية والمجتمعية.
هناء أدوار ومنظمات نسوية ممولة من قبلها، وقنوات فضائية
كـ(العربية) وأحزاب (علمانية) تدعي (حرية المرأة) وقوى سياسية ضالعة في
صنع الأزمات هي وراء حرب مفبركة ضد وزيرة المرأة الدكتورة ابتهال
الزيدي، والأسباب لا تعد ولا تحصى، أولها رغبة السيدة هناء أدوار أن
تكون في يوم ما قائدة أو وزيرة للمرأة، وثانيها أن بعض المنظمات
النسوية (العلمانية) لا تريد للسيدة الزيدي أن تنشر قيم التدين في
مجتمعنا النسوي باعتبارها امرأة متدينة تمثل شريحة اجتماعية عريضة من
النسوة العراقيات اللواتي يؤمن بالقيم الإسلامية ورؤية الإسلام للمرأة
المسلمة، ورابعها أن القنوات الفضائية كالعربية لا تريد للمرأة
العراقية أن ترتقي بإنسانيتها من خلال المحافظة على قيمها وأخلاقها
وشرفها وعفتها.. بل تريد أن تتحدث عن المرأة العراقية كامرأة أمية
مسلوبة الإرادة، أو كامرأة مغنية وراقصة تباع وتشترى بثمن بخس، وخامسها
أن الأحزاب السياسية (المعارضة) وجدتها فرصة ثمينة لمناهضة كتلة دولة
القانون الكتلة السياسية التي رشحت السيدة الزيدي لوزارة المرأة،
والأعجب من ذلك أن يذهب بعضهن إلى أن سياسية وزيرة المرأة هي سياسية
مفروضة عليها من قبل دولة جارة للعراق وتقصد (إيران) وهلم جرا...
أمام هذه الحملات الدعائية المدروسة بعناية، علينا أن نؤكد أن
العراق ليس دولة دينية كما أنه ليس دولة علمانية بمعنى رفض التدين
المجتمعي ومحاربته، بل نحن نسعى جميعا إلى إقامة دولة مدنية تتعايش
فيها الأفكار والاتجاهات كما تتعايش فيها الأديان والمذاهب والقوميات،
وبالتالي ليس من حق أحد أن يفرض أفكاره ومعتقداته على الآخرين، بل
للجميع أن يعبروا عن انتماءاتهم الفكرية في حدود احترام أفكار ومشاعر
الذين يعيشون معهم. هذا كله على مستوى الحرية الشخصية للمواطنين وهي
حرية مكفولة بموجب الدستور والقوانين.
أما على مستوى العلاقات الاجتماعية للمواطنين في الأماكن العامة أو
في المؤسسات الحكومية فان الجميع ملزمون باحترام القوانين والتعليمات
التي تفرضها تلك المؤسسات بغض النظر عن قبولنا لتلك الأنظمة أو رفضنا
لها، لان المسألة ليست كيفية نختار منها ما نريد ونرفض ما لا نريد.
وبالتالي، فان للمؤسسات الحكومية أن تشرع القوانين والأنظمة
والتعليمات التي تراها مناسبة للمحافظة على أجواء الوظيفة العامة
والسلوك الوظيفي، سواء ما يتعلق بأداء الموظفين لمسؤولياتهم، أو ما
يتعلق بذواتهم أثناء تواجدهم في المؤسسة الحكومية، فكما أن الدولة
مسئولة عن حماية الموظفين رجالا ونساءا أثناء أدائهم الوظيفة العامة
فأنها أيضا مسئولة عن سلوكهم الوظيفي في أوقات الدوام الرسمي، أما مع
نهاية الدوام الرسمي فللموظفين أن يفعلوا ما يشاءوا وليس من حق دوائرهم
أن تملي عليهم ما يجب أن يقوموا به خارج أوقات الدوام الرسمي.
ومع ذلك، فلم نجد ما يسيء إلى المرأة العراقية - أيا كان ميولها-
في التوصيات التي أقرّتها "اللجنة العليا للنهوض بالمرأة" التي ترأسها
الدكتورة ابتهال الزيدي، بل جاءت هذه التوصيات لتنظيم علاقات العمل
الحكومية وفق القوانين والأنظمة المعمول بها، وهو نظام عالمي مهني تعمل
به الدول والمؤسسات الدولية جميعا حفاظا على السلوك الوظيفي العام.
وقد أتخذ مجلس الوزراء العراقي -من ذي قبل- قراراً مماثلاً يحدد
زياً رسمياً للموظفين من الجنسين وفرض على الرجال ارتداء البدلة وربطة
العنق وضرورة اختيار قمصان من النوع الرسمي مع البدلات، كما طالب
الموظفات بملابس خاصة ورسمية وألوان عملية محددة. ولم تكون هذه
التعليمات تهدف إلى الحد من الحرية الشخصية بقدر التحرك لاحتواء ظاهرة
ارتداء الملابس والحلي غير المناسبة للدوام الرسمي.
نعم، نحن مع الحرية الشخصية للمرأة والرجل على حد سواء، كما نحن مع
احترام النظام العام والقوانين والأنظمة التي تؤسس لمجتمع مدني ملتزم،
ولا يجب أن ننساق مع بعض من يدعي (الحرية الشخصية) للمرأة للمسلمة
تنصيرا أو تهويدا من أجل سحق كرامتها وشرفها، وهي - دون شك - مقدسات لا
يمكن السماح لكائن من كان بالتجاوز عليها. |