فالانتاين بنسخته العراقية... مسخ اسمه الحب

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: كل يحتفل بطريقته، في المناسبات التي يشعر انها تزرع مسحة من فرح في حياته.. وللاناس الوان من المناسبات التي يستشعرون الفرح فيها.. احيانا حقيقة او توهما او ربما من باب الادعاء تفاؤلا بما قد تجيء به الايام ويغير واقع حياتهم ووقائعها من سيء الى افضل ومن قبيح الى جميل.

لجميع الناس الحق في الفرح والمسرات تغييرا لروتين يغلف حياتهم، او رتابة تحيط بخطواتهم في الحياة.. كل عام يأتي فالانتاين بلونه الاحمر، يغزو الاسواق ويصبح مدار الحديث قبل ايام قليلة من موعده.. لا تخلو تلك الاحاديث من تعليقات سمجة تسمعها هنا وهناك، لا موقع للحب في قلوبنا، وان وجد فهو مسخ لا يتعدى علاقة الرجل بالمراة، وهي هنا تحديدا بصورتها الشبقية القارة في الاذهان وفي النسق الثقافي للمجتمعات.

اللون الاحمر هو المستبد بحضوره عن بقية الالوان ورود حمراء، بطاقات، كراسات، العاب، ويتسيد منطق الاستهلاك الحداثوي في جيوبنا... من صور فالانتاين العراقية، دخلت الى محل بيع التحف والهدايا، امرأة في عقدها العشريني مع صبية مراهقة تحمل طفلا على صدرها، في سنته الاولى.. تسأل البائع في المحل عن هدية جميلة تقدمها بهذه المناسبة لزوجها.. انها كردية من اكراد الموصل، قذفت بها الاقدار، اقدار الحياة الى بغداد لتمارس مهنة التسول.. نعم هي امراة متسولة تبحث عن هدية لزوجها في عبد الحب.. انه مسخ اسمه الحب. كيف سمح لها زوجها بالتسول؟ لماذا لايعمل ويجنبها ذل السؤال. ثم اي حب هذا تستشعره تجاه مثل هذا الزوج الذي لا تاخذه الغيرة على زوجته وعلى طفله؟

درج العراقي حين يتعرف على امراة ان يسميها (صاحبتي) ولم اسمع في حياتي من يقول (حبيبتي) والصاحبة هنا تنميط ثقافي للمراة يقصد به (الجانب الشبقي) منها ولاشيء غير ذلك.. وهي مجال فتح ذكوري، لم لا؟ وكل علاقة هي غزو واحتلال... وهو مفهوم تكرس حضوره في الثقافة الانسانية، منذ عصورها الاولى وحتى اليوم، فعلى مستوى العصور العربية وتحديدا العصر الجاهلي، كانت صور المراة هي: الموؤدة – المعشوقة – الملكة – الصنم المعبود.

وهذه النماذج كما يذهب الباحث السعودي عبد الغذامي في كتابه (المراة واللغة) لم تتولد عن المراة ذاتها او عن ثقافتها ولا حتى عن افعالها، ولكنها نماذج مصنوعة او مصطنعة من الرجل صانع التاريخ ومالك اللغة (الجسد المذكر يمثل اللغة والتاريخ) فهي في صيغة المفعول به، موؤدة / معشوقة / معيودة والفاعل هنا هو التصور الثقافي عن الجسد المؤنث.

فالانتاين، اقترن اسمه بشهيدين من شهداء المسيحية في بداية ظهورها، ونحن نعلم ان الرهبنة في المسيحية عبارة عن انقطاع عن التواصل مع المراة، فلا زواج ولا علاقات حميمة خارج اطر الزواج..على الاقل هذا ماعرف عن الرهبان المسيحيين في العصور الاولى.. واستشهاد هذان الراهبان واللذان منحا رتبة القداسة لاعلاقة له بالعشق وشؤون الغرام، بل هو استشهاد في سبيل دين امن به هذان الراهبان ودفعا حياتهما في سبيله.

المناسبة، على الاقل في بلداننا، لاترتبط بما يتعلق بالمحبة باطارها الانساني العام، محبة الاخرين، محبة الخير، محبة الفضائل، محبة الطبيعة، وغيرها من محبات لايعيش الانسان بدونها وهو يتواصل مع محيطه الاجتماعي.

لكنه في ثقافتنا المهزومة والتي استنسخنا الكثير من مفرداتها من حضارات وثقافات اخرى غالبة، اصبح يقتصر على هذا الجانب وحده، وهو العلاقة بين الرجل والمراة، والتي تاتي انسجاما مع نسق ثقافي كما ذكرت سابقا لايرى المراة الا في جزئها الشبقي.

المحبة في تراجع مخيف في الاسرة العراقية، فحالات الطلاق تشهد ارتفاعا كبيرا في مختلف المدن العراقية، والتي يعزوها الباحثون الى اسباب اجتماعية او اقتصادية او امنية، ونادرا مايتم الحديث عن اسباب عاطفية ونفسية، لعدم الاهتمام بهذه الامور.. وكان المحبة بين الزوجين ليست شرطا من شروط انجاح اي زواج، وهو وهم كثيرا ما اوصل الى حالات طلاق عديدة، ولا تقتصر هذه النظرة الى المراة في مجتمعنا العراقي، نظرة كون المراة الفريسة والغنيمة والغزو والاحتلال، بل تتعداها الى جميع بلدان العالم.

في سوريا حين كنت اقيم قبل سنوات، كنت مارا بالقرب من جامعة دمشق، توقفت سيارة الاجرة الصغيرة ونزلت منها طالبة في العشرينات من عمرها ونزل طالب بعمرها كان يرافقها في السيارة، لم ينتظرها ليعبر الشارع معها، فقد كان عائدا من مشوار غرامي واستطاع احتلال تلك القلعة، وهو يتعجل لاخبار اصدقائه بهذا الفتح المثير.

لا يقتصر هذا الاحتفال على اعادة تذكيرنا بتلك الصورة النمطية الوحيدة للمراة بل يمتد ليشمل الكثير من اوجه النشاط الاقتصادي والذي دافعه هو الاستهلاك والانفاق.

اصبح هذا اليوم بعد ان انحرف عن اصول المبدأ العام له، مجالا جديدا للتربح والكسب حيث تشير الإحصائيات التي قامت بها الرابطة التجارية لناشري بطاقات المعايدة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن عدد بطاقات عيد الحب التي يتم تداولها في كل أنحاء العالم في كل عام يبلغ مليار بطاقة تقريبًا، وهو ما يجعل يوم عيد الحب يأتي في المرتبة الثانية من حيث كثرة عدد بطاقات المعايدة التي يتم إرسالها فيه بعد عيد الميلاد. كما توضح الإحصائيات التي صدرت عن هذه الرابطة أن الرجال ينفقون في المتوسط ضعف ما تنفقه النساء على هذه البطاقات في الولايات المتحدة الأمريكية... خذوا فالانتاين واعيدوا لنا وهج المحبة الصادقة التي نفتقد اليها في جميع ايام العام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 15/شباط/2012 - 22/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م