مصر بين العسكر والبزنسلاميين

ياسر الحراق الحسني

أكثر من سبعين في المائة نسبة المقاعد الإسلاموية في البرلمان المصري (360) مقعد من أصل 498 لو صحت كنتيجة لإنعكس ذلك على الأقل على الإعلام المصري الرسمي الذي هو ثقافةً أقرب إلى الإعلام الغربي. ولو صحت هذه النسبة لكانت قطر والسعودية وما أشبه أول من يحضر عقيقة العصر الإسلاموي في مصر ولدندنوا في هذه الوليمة ولما قصروا. خاصةً مع علمنا بحلف الإبنبازية والقرضاوية هذه الأيام الذي يسعى لمواجهة الحداثة والتحرر والتحالف حتى مع الشيطان لضمان قدر من الخونجة والبنبزة في بلاد اعتبروها خالصةً للسلف ما جعلهم كحراس للعقيدة يخشون عليها من التلف.

إنه وبالملاحظة البسيطة لا يمكن تصديق هذه النتيجة فقط من زاوية نسبة التواجد المسيحي في مصر ناهيك عن غير ذلك مما سنأتي إليه من طعون في الإنتخابات وصفقات بزنسلامية -عسكرية وغيره. لقد لعب الحاكم العسكري المصري منذ أنور السادات وإلى حسني مبارك على التضخيم من صورة العنف الإسلامي للحصول على المال والمساعدات الغربية. فهل التاريخ يعيد نفسه بحيث يقوم مجلس العسكر بتضخيم الإسلام السياسي هذه المرة للحصول على المساعدات والأموال؟ هل يمكن الحديث عن صفقة بين العسكر وتجار الإسلام أو البزنسلاميين؟

العسكر والإخوان والسلفية

الديموقراطية تساوي الإسلاموية، كانت تلك عبارة أجاب بها حسني مبارك على جورج بوش الإبن عندما طلب منه توسيع دائرة المشاركة السياسية1. وهذا يعني أن ورقة التهديد الإسلاموي الشامل والوهمي في مصر كانت دائماً تحول دون أي إنتقال ديموقراطي، كما أنها كانت بمثابة الضامن للإستمرار تدفق المساعدات العسكرية والمالية لنظام حسني مبارك، في حين كانت الإنتخابات لا تعدى كونها تمثيلية كبرى.

هنا ومع القطع بفساد الإنتخابات على عهد مبارك وتواجد حوالي 88 اخواني سنة 2005، يمكن الإشارة إلى حقيقة دخول الإخوان آنذاك التمثيلية الكبرى للتغطية على نظام مبارك والتآمر على الشعب. فصفقة القبول بكذا مقعد في البرلمان مقابل السكوت على التزوير وحق الشعب يعد تواطؤاً للإخوان مع الدكتاتورية أيام مبارك. و إذ ثبت تمرس الإخوان داخل النظام الفاسد، فلا يوجد ما يمنعهم الآن أو يمنعنا من الإعتقاد بدخولهم التمثيلية مع نظام الجونطا العسكرية بقيادة محمد طنطاوي.

هناك لاعب جديد في المشهد المصري تم تضخيمه وتضخيم امتداده في المجتمع المصري وهو التيار السلفي. تيار متصحر البيئة جاف اللغة فظ غليظ ما وفر المبرر الشرعي للناس كي ينفضوا من حوله. فلا تكاد تستمع إلى رمز من رموز السلفية المصرية إلا وسمعت حديثاً عن قطع الرؤوس كما ذهب إليه المتشيخ السرساوي في دعوته لقطع رؤوس الديموقراطيين وقوله إن ذلك يجب أن يكون عند المؤمن أسهل من قطع صدفة القميص 2. أو كما شاع عن الشيخ الحويني من دعوة همجية لغزو الكفار وسبي نسائهم من أجل التخلص من البطالة. وعدا هذا لا تجد سوى السلفية المناهجة والمداخلة التي كانت تعتبر حسني مبارك أميراً للمؤمنين واليوم تعتبر طنطاوي كذلك. ولا عجب من فتوى الشيخ محمود عامر حول حرمة محاكمة حسني مبارك وأخرى تعتبر طنطاوي أميراً للمؤمنين وظل الله في الأرض 3. ومع علمنا أن الأزهر مؤسسة واكبت دائماً إتجاهات الدولة، فلا يكون إذن هناك مجال معقول لكي نقتنع بأن سيطرة الإسلاميين على البرلمان هي شيء يعبر عن رغبة الشعب، أو أنه شيء ثوري أو غير ذلك من الأوصاف البعيدة عن الواقع.

 المسألة بكل وضوح ليس فيها أي جديد غير اقامة الأذان في البرلمان ومحاكمة الكوميديين وشطحات هنا وهناك يراد بها القول أن الإنتخابات لم تكن ديمقراطية فقط، بل إن العدالة في مصر أصبحت تعطي الحق للإسلاميين الذين صوتوا "بكثافة" لكي يرفعوا دعاوي على شخصيات مفصلية في أخذ القرارات الإستراتيجية في مصر مثل عادل إمام.. ولربما سمحوا لهم بنبش قبر إسماعيل ياسين كما سمح لإخوانهم بنبش قبر أجداد القذافي والرقص على عظام الموتى على طريقة هند بنت عتبة.

لا يفوت هنا ذكر الداعية الاخواني بالإنتماء صفوت حجازي الذي صرح عبر قناة دريم المصرية أن الإسلاميين وافقوا على تفاهم مع العسكر لتسلم الحكم شريطة عدم فتح ملفات الفساد 4. وقد حاول فاشلاً أن يلعب بالكلمات والجمل على عقول العوام كقوله أن العسكر وافقوا على تسليم السلطة لحكومة مدنية متجنباً الحديث عن أطراف التفاوض. فالعسكر لم يستيقظوا صباحاً ويوافقوا هكذا كما يوحي من خلال كلامه المنقوص، وانما كان بينهم وبين الإسلاميين تفاوض وتفاهم كما هو واضح. ويزيد هذا وضوحاً حديثه عن قضية غلق ملفات الفساد التي نستلهم منها سؤالاً عن من فوض للبزنسلاميين الحق في أخذ قرار لإغلاق ملفات الفساد هذا إن لم نتساءل عمن فوضهم للتفاهم مع العسكر من البداية!

حديث التزوير

نقلت المصري اليوم (29/11/2011) حالة تقديم رشاوي عرضها القاضي ثروت أحمد حلمي عبد العظيم في الدائرة التاسعة على الجهات المختصة. ولعل عدم توفر متابعات من طرف الهيئات المختصة يرفع عن مثل هذه الحالات وصف الإستثناء. لأن الإستثناء أو الحالات المنعزلة في مثل هذه الأمور تكون مطوقة وتتم متابعتها بكل دقة وشفافية. فلما تغيب المتابعة يكون الأمر تعبيراً عن كون مثل الحالة المذكورة بمثابة جزء متصل بحلقة كبيرة من الأحداث غير المنعزلة بحيث يستحيل التحكم فيها لذلك لا تتم متابعتها.

وعدا ما وثقه بعض القضاة من تجاوزات، نجد أيضاً ما نقلته وكالة رويترز عن 500 حالة شكاية رفعها الحزب المصري الحر دون أن تلقى إهتمام المسؤولين والموافقة على تقصي الحقائق. يمكن الأخذ بعين الإعتبار كذلك ما أفاد به مقربون من الدكتور محمد البرادعي للبي بي سي، عن كونه إنسحب من الإنتخابات الرئاسية نظرًا لشيوع جو من الصفقات بين القوى السياسية المختلفة، ووجود حالة من الخلل الدستوري. كما أنه سبق أن أفاد بأن كل شيء هو بيد المجلس العسكري. ولعل ما أشرنا إليه في البداية من تفاهمات بين العسكر والإسلاميين هو مقصوده من مثل هذه الإفادات.

حقوق الإنسان بعد الثورة

أفاد تقرير لهيومن رايتس ووتش (28/1/2012) أن مصر بعد الثورة لم تشهد أي تحسن في مجال حقوق الإنسان. وكشفت عن أن المحاكم العسكرية حكمت على الكثير من المتظاهرين السلميين بأحكام سجن وصلت إلى 5 سنوات كما في حال المتظاهر السلمي عمرو البحيري. كما تم تسجيل حالات التعذيب والقتل كالتي تعرض لها سائق الميكروباص محمد صباح نصر أثناء احتجازه في مركز شرطة الأزبكية في القاهرة، بعد أن قبضت عليه الشرطة ومعه سبعة آخرين بتهمة "تعطيل المرور". كما سجلت حالات التضييق على الصحفيين كما في قيام النيابة العسكرية التابعة للمجلس العسكري باستدعاء تسعة نشطاء وصحفيين على الأقل لاستجوابهم بشأن اتهامات بـ "إهانة الجيش" بحسب المنظمة الحقوقية.

 وعن العنف الطائفي تطرقت هيومن رايتس ووتش ونبهت لاستمرار حوادث العنف الطائفي في عام 2011 كما في حادث كنيسة أطفيح وأحداث إمبابة ثم كنيسة مار جرجس في ماريناب بمحافظة أسوان. ولم يسلم من العنف المهاجرون الأفارقة الذين سجلت حالات إطلاق النار عليهم حيث قتل حوالي 22 لاجئ في السنة الماضية.

إن الوضع الحالي في مصر لا يعبر عن حالة شعب يعيش في دولة مدنية حرة يحكم فيها نفسه بواسطة الذين أوكلهم عن طريق الإنتخاب. فأمام الطعونات المهملة في الإنتخابات، وأمام صفقات العسكر والإسلاميين بطي ملفات الفساد وتدهور أوضاع حقوق الإنسان نجد من الصعب القبول بمقولة الديموقراطية والإنتخابات الحرة في هذا البلد. وكل ما يمكن أن نقوله هو أن مصر اليوم خاضعة لتداعيات صفقة ابرمت بين العسكر والبزنسلاميين. فالعسكر يسعون إلى الحفاظ على ما جمعوا من أيام مبارك، ويطلعون إلى المتاجرة بالفزاعة الإسلامية للحصول على مساعدات الغرب مقابل إحكام القبضة على كل ما هو إستراتيجي في مصر. والبزنسلاميون يستفيدون من بيع الآيات والأحاديث والشعارات الرنانة لجمهور يعلمون أنه لا يتحدى الذي يخاطبه بالنيابة عن الله. فهل من ميدان للتحرير مستقبلاً؟

..........................................

1. 12/6/2011Cyntia Farahat & sDaniel pipe, National Review

 2. تسجيل مترجم، ميمري تيفي 09 فبراير 2012

 3. جريدة التغيير، القاهرة، 16 غشت 2011

 4. قناة دريم المصرية، مراجعة 14 يوليوز 2011

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 15/شباط/2012 - 22/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م