أمريكا والعراق... تحالف استراتيجي هش!

متابعة: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: بدت الولايات المتحدة أكثر حذرا في تناول الملف العراقي بعد أكثر من شهر على اكتمال سحب قواتها من ذلك البلد، على الرغم من بعض الخروقات التي أزعجت القادة العراقيين مؤخرا.

فواشنطن باتت تدرك ان نفوذها انحسر بشكل كبير في العراق، وهي غير قادرة على التفكير بخسارته مجددا، سيما بعد التكاليف الباهظة التي بذلتها اثناء الفترة المنصرمة من الاحتلال العسكري، وأكثر ما تخشاه بحسب المراقبين خسارة تحالفها الهش مع العراق، بالرغم من الديباجة العريضة التي وضعت مذكرة التعاون الإستراتيجي بين البلدين.

فيما يدرك الساسة في بغداد انهم لا يزالون بحاجه ماسة للدعم الامريكي سياسيا وعسكريا، نظرا للضعف الكبير الذي يعاني منه بلدهم، فالعراق لا يزال دون قدرة ردع استراتيجي، وتجربته على صعيد السياسة الدولية لا تزال أيضا حديثة العهد، لذا يدرك الطرفان حجم المخاطر التي تكتنف الأوضاع في منطقة تشهد اضطرابات متعددة على أكثر من صعيد.

امريكا تعيد النظر في حجم سفارتها

حيث يرى منتقدون لسياسات الولايات المتحدة أن السفارة الامريكية الضخمة في بغداد ترمز في حد ذاتها الى الكثير من الاخطاء التي شابت نهج واشنطن في التعامل مع العراق. وأطلقت مجلة فانيتي فير على السفارة لقب "حصن بغداد الهائل" وفجرت اتهامات عن التغلغل الامبراطوري وبأنها قاعدة أمامية محصنة للنفوذ الامريكي يحتمي بها دبلوماسيون يحرسهم الالاف من المتعاقدين الامنيين وينظر اليها الكثير من العراقيين بريبة.

وأعلن مسؤولون أنهم بدأوا خطة حتى تأخذ اكبر سفارة للولايات المتحدة على مستوى العالم "حجمها المناسب" في أحدث تحول في قصة العقار الدبلوماسي الامريكي الذي أحاطت به المشكلات منذ البداية.

وقال توم نيدز نائب وزيرة الخارجية الامريكية للصحفيين "يمكن أن تكون لنا مساحة أصغر. لا نحتاج الى مساحة كبيرة بهذا الحجم" مشيرا الى مراجعة جارية لاعداد المتعاقدين الامنيين وسياسات الامتلاك المحلية للسفارة. وأضاف "بغض النظر عن الحجم فاننا سنعمل على ضمان تأمين دبلوماسيينا ومن عيناهم هناك هذا اولا وثانيا أن تكون قدرتنا على الانخراط في العمل السياسي بالعراق على أعلى مستوى ممكن." بحسب رويترز.

ويؤكد مسؤولون أمريكيون أن البعثة في مجملها لاتزال تعمل كالمعتاد وأن أي تغييرات في موظفي السفارة ستدرس بعناية. لكن في مجمله يشير النهج الجديد الى تقليص واحد من اكثر المشاريع الدبلوماسية الامريكية طموحا حتى يومنا هذا وهو ما نبه متشككون منذ البداية تقريبا الى أنه سيكون ضروريا.

وكشفت الولايات المتحدة عن خططها لانشاء السفارة الجديدة عام 2004 حين كانت تستعد لتسليم السيادة رسميا لزعماء العراق الجدد بعد عام من الغزو الذي قادته وأطاح بالرئيس الراحل صدام حسين. كانت هذه شهادة على خطط ادارة الرئيس السابق جورج بوش لتحويل العراق الى ديمقراطية تتبنى اقتصاد السوق الحر وحليفة استراتيجية رئيسية للولايات المتحدة في منطقة الشرق الاوسط غير المستقرة.

لكن حجم المشروع أثار الدهشة منذ اللحظة الاولى فقد أنشئت السفارة على مساحة 104 أفدنة قرب ضفاف نهر دجلة في "المنطقة الخضراء" المحصنة ببغداد لتصبح المنشأة الدبلوماسية الامريكية الاكبر والاعلى تكلفة على الاطلاق.

وقال مسؤولون أمريكيون ان المجمع الضخم الذي بلغت ميزانية انشائه في البداية نحو مليار دولار ويتساوى في الحجم مع حجم الفاتيكان تقريبا كان ضروريا من أجل أن تواصل الولايات المتحدة مهمتها في العراق التي بدأت بحرب عام 2003 .

وقالت وزيرة الخارجية الامريكية انذاك كوندوليزا رايس للجنة بالكونجرس عام 2007 "أعتقد أنه من المنطقي تماما أن نرغب في أن يكون لنا وجود دبلوماسي كبير ووجود كبير على صعيد المساعدات ووجود كبير للتعامل مع الشعب العراقي في واحدة من أهم الدول في واحدة من أهم مناطق العالم وهذا هو السبب في اقامة سفارة كبيرة هناك."

لكن سرعان ما اصطدم المشروع بمشكلات مثل تخلف أعمال البناء عن الجدول الزمني وتزايد التكاليف الاضافية. ورفض الكونجرس في البداية الميزانية التي تبلغ مليار دولار ولم يوافق الا على تخصيص 600 مليون دولار. وقالت وزارة الخارجية الامريكية ان خطط الاستعانة بموظفين اضافيين ستتطلب المزيد من المساكن والموظفين الاداريين ونبهت في عام 2007 الى أن التكلفة الاجمالية قد تصل الى 750 مليون دولار.

وعندما بدأ انتقال الدبلوماسيين الامريكيين الى السفارة قال تقرير للمفتش العام على وزارة الخارجية ان خطط التوظيف مبالغ فيها ويجب تخفيضها. وبدأت خطط الولايات المتحدة للاحتفاظ بوجود كبير في العراق تتراجع بعد الحرب. وفي عام 2010 خفض الكونجرس التمويل للبرامج الدبلوماسية في العراق مما اضطر وزارة الخارجية الى خفض أعداد القنصليات التي كانت تعتزم فتحها.

ثم فشلت مفاوضات مع الحكومة العراقية بشأن الوجود العسكري الامريكي بعد عام 2011 وسحب الرئيس باراك أوباما اخر جندي أمريكي في ديسمبر كانون الاول. لكن دور السفارة بات اكثر محورية لاستراتيجية واشنطن في العراق عام 2011 بعد رحيل القوات الامريكية فأصبحت مهمة موظفي السفارة وزملائهم في القنصليات الامريكية بالبصرة واربيل وكركوك ان "يفوزوا بالسلام" بعد الصراع الطويل والمكلف في العراق.

ونصت خطط وضعت العام الماضي على أن يواصل 16 الف شخص الوجود الامريكي بالعراق بما فيهم نحو الفي دبلوماسي وموظف اتحادي و14 الف متعاقد. لكن يبدو أنه تجري اعادة دراسة هذه الخطط مجددا فيما تسعى وزارة الخارجية الامريكية جاهدة لتوفير النفقات في مرحلة تشهد تقشفا في الميزانية.

وقال نيدز نائب وزيرة الخارجية "نريد أن تصبح السفارة طبيعية بمرور الوقت وهذا سيعني اتخاذ قرار بشأن المتعاقدين وأعداد المتعاقدين وحجم بعثتنا دون أن نفقد تركيزنا على مهمتنا الرئيسية.

"لا يوجد ما يسمى سفارة طبيعية لكن (يمكن أن يكون هناك) وجود اكثر طبيعية للسفارة."

بغداد مستاءة من استخدام واشنطن طائرات مراقبة

في سياق متصل افادت صحيفة نيويورك تايمز ان السلطات العراقية مستاءة من استخدام الولايات المتحدة عددا صغيرا من الطائرات بدون طيار لحماية سفارتها وقنصلياتها وموظفيها في العراق.

واشارت الصحيفة الاميركية الى ان وزارة الخارجية بدأت العام الماضي استخدام طائرات من دون طيار في العراق على سبيل التجربة وعززت استخدامها بعد انسحاب اخر الجنود الاميركيين في هذا البلد في كانون الاول/ديسمبر. واوضحت نيويورك تايمز ان هذه الطائرات لا تنقل اسلحة ومهمتها التزويد بصور ومعلومات عن مخاطر محتملة مثل التظاهرات العامة او العوائق المرورية لقوات الامن على البر.

ولفتت نيويورك تايمز الى ان حجم طائرات المراقبة هذه اصغر بكثير من حجم الطائرات الحربية. الا ان الصحيفة اشارت نقلا عن مسؤولين عراقيين طلبوا عدم كشف اسمهم الى وجوب حصول الحكومة الاميركية على الموافقة الرسمية من العراقيين لاستخدام هكذا طائرات على الاراضي العراقية.

وذكرت نيويورك تايمز ان الحصول على هكذا موافقة يبدو صعبا في ظل التوتر السياسي بين البلدين. وقال مسؤول اميركي رفيع المستوى ان المفاوضات جارية للحصول على هذه الموافقة. الا ان علي الموسوي احد مستشاري رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وفالح الفياض مستشار الامن القومي العراقي ووزير الداخلية عدنان الاسدي لفتوا الى عدم التشاور معهم في هذه المسالة بحسب نيويورك تايمز. وقال الاسدي للصحيفة "سماؤنا لنا وليست للولايات المتحدة".

الاستعداد للرد على الخروقات

من جهته دعا الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر "مجاهدي العراق كافة" الى "الاستعداد للرد" على "خروقات" اجواء البلاد، في اشارة الى استخدام الولايات المتحدة طائرات صغيرة لحماية مقرات بعثاتها.

وقال الصدر في بيان "الى مجاهدي العراق كافة بجميع تنظيماتهم، ارجو اعطاء مهلة لذلك، فاذا تكرر الخرق الجوي لسمائنا ارجو الرد فاستعدوا لذلك رجاء". وجاء ذلك ردا على سؤال وجهه له احد مناصريه بشان استخدام الولايات المتحدة طائرات لحماية مقرات بعثاتها في العراق. وطلب الصدر من الحكومة "ردع المحتلين من تلك الخروقات ونحن معها ومن خلفها يدا بيد لانهاء ذلك".

في حين اقام تيار الصدر بقيادة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر احتفالا بانسحاب القوات الاميركية نهاية العام الماضي من العراق، في مهرجان حاشد في بغداد يشارك فيه وزراء ونواب والالاف من مناصري الصدر.

وعند منصة تتوسط شارعا رئيسيا في مدينة الصدر التي تسكنها غالبية شيعية شرق العاصمة، رفع العلم العراقي الى جانب اعلام دول عربية هي مصر وتونس وليبيا والبحرين، ورفعت لافتة كبيرة قرب الاعلام كتب عليها "الوحدة غايتنا والسلام هدفنا والبناء املنا".

وقال منظمو المهرجان الذين ينتمون الى التيار الصدري وقد ارتدى غالبيتهم ملابس سوداء، ان ممثلين عن هذه الدول العربية التي شهدت في معظمها حركات احتجاجية ضد انظمتها، يشاركون في الحفل، الى جانب وزراء ونواب ورجال دين عراقيين. بحسب فرانس برس.

ويحتفل التيار الصدري بانسحاب القوات الاميركية من البلاد في كانون الاول/ديسمبر، بعد نحو تسع سنوات من تواجدها فيه اثر اسقاط نظام صدام حسين عام 2003. وكان تيار الزعيم الشيعي اعلن سابقا عن ان المهرجان سيقام في شهر شباط/فبراير الحالي لتجنب تزامنه مع ذكرى عاشوراء التي يبتعد الشيعة خلالها عن كل مظاهر الاحتفال.

ووسط اجراءات امنية مشددة تتخذها قوات الجيش والشرطة، يسير الآلاف من اعضاء التيار ضمن تشكيلات عسكرية غير مسلحة في الشوارع رافعين اعلاما عراقية. وعلى جانب الطريق، تجمع المئات من انصار التيار الشيعي ورفع بعضهم لافتات كتب عليها "كلا كلا امريكا كلا كلا اسرائيل".

ويشغل التيار الصدري سبع وزارات في الحكومة العراقية اضافة الى اربعين مقعدا نيابيا من اصل 325، ومنصب النائب الثاني لرئيس البرلمان. وكان التيار الصدري الذي يملك جناحا عسكريا خاض مواجهتين كبيرتين مع القوات الاميركية في عامي 2004 و2008.

قتلى الجيش الامريكي في الحروب السابقة

حرب التحرير 1775-1783 4435

حرب عام 1812 1812-1815 2260

الحرب المكسيكية 1846-1848 13283

الحرب الاهلية 1861-1865 364511*

الحرب الاسبانية الامريكية 1898 2446

الحرب العالمية الاولى 1917-1918 116516

الحرب العالمية الثانية 1941-1946 405399

الحرب الكورية 1950-1953 36574

حرب فيتنام 1964-1973 58220

حرب الخليج 1990-1991 383

حرب العراق 2003- 4486

الحرب في أفغانستان 2001- 1855

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 14/شباط/2012 - 21/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م